هل نحافظ على الرئة الوحيدة؟
تعجب من القوم وأنت تجول في بلادهم، المساحات الخضراء تغطي كل بقعة, سواء الغابات أو المسطحات الخضراء المزروعة بالقمح أو الذرة أو علف الحيوانات, ولا تستثنى إلا الأماكن السكنية أو مجاري الأنهار, فهذه الأماكن هي المستثناة من الخضرة رغم أن الحدائق الأمامية والخلفية وشرفات المنازل ونوافذها مزينة بالزهور والورد, ما يضفي جمالا على المدينة والبلد بكامله بما حباهم الله من طبيعة جميلة تريح النفس وتجلب السرور وتثير الشاعرية لدى الفرد لجمال ما يشاهد ومتعة ما يرى. هذه الأماكن لم تكن لتستمر في هذا الجمال وهذه الروعة لو أن أهلها أساءوا التعامل مع هذه العطايا الإلهية, سواء بقطع الأشجار أو بتلويث مياه الأنهار والبحيرات, أو ترك النفايات تحت الأشجار وعلى المسطحات الخضراء.
سنحت لي الفرصة في هذا الصيف أن أزور ثلاثاً من الدول الأوروبية برفقة العائلة, هي: ألمانيا، النمسا، وسويسرا, وعلى اتساع رقعة هذه الدول لا ترى إلا الخضرة أمامك بقدر ما يستطيع أن يمتد إليه بصرك, وكلما تقدمت في السير ترى الخضرة أمامك, وعن يمينك وعن شمالك، خضرة كثيفة، نظيفة، تقف في جوار غابة تبحث عن طريق يوصلك إلى الغابة فلا تجد إلا طريقاً محدداً بصورة رسمية, ولم يجتهد أحد أن يوجد طريقاً خاصاً به سواء على رجليه أو في سيارته، تجد أماكن محددة للاستراحة بجوار الغابات والمسطحات الخضراء الطبيعية، تبحث عبثاً عن سوء تصرف يؤذي البيئة ويدمرها فلا تجد له أثراً مع أن البلاد بكاملها خضراء تعانق أشجارها السحب وتغطي الجبال. ما السر في محافظة الناس على بيئتهم؟ سؤال يلح عليك ويلازمك أينما ذهبت, وفي أي بقعة توقفت، راودني هذا السؤال عدة مرات, وكذلك أسرتي فلم نجد من تفسير سوى وعي الناس الذين أدركوا أهمية البيئة وقيمتها في حياتهم, إذ آمنوا بأنه لا بد من الاهتمام بها, والعناية حفاظاً على الهواء النقي, وضمانا لبيئة ينعم الفرد بالعيش فيها.
وإذا كان وعي الناس يمثل أساساً في المحافظة على البيئة فإن القوانين والأنظمة المغلظة والشديدة لم تجعل للعابثين ـ إن وجدوا ـ مجالاً للعبث والإساءة للبيئة، وهذا يتمثل فيما لاحظته من تحليق طائرات هليوكبتر فوق الغابات والمسطحات الخضراء, وهو ما أعتقد أنه إجراء تقوم به الجهات المعنية لفرض النظام القاضي بحماية البيئة والمحافظة عليها. زيارتي هذه أثارت في ذهني تساؤلاً رئيسياً ألا وهو: لماذا القوم يحافظون على بيئتهم بينما نحن خلاف ذلك؟ تداعت إلى ذهني, وأنا أقف إلى جوار نهر أو بحيرة, صورة الأنهار في الوطن العربي ولونها, ومقدار القاذورات التي ترمى فيها, وصورة الأنهار التي وقفت عليها إذ لا أثر إطلاقاً لسلوك الإنسان حيث الأنهار نقية, عدا أوراق الأشجار والأعواد التي سقطت من الأشجار التي على ضفاف النهر, أما الغابات فلا ترى فيها مخلفات الناس من أكواب وصحون بلاستيكية كما هو الحال عندنا.
الرئة الوحيدة التي توجد لدينا في المملكة هي المنطقة الجنوبية حيث الغابات والأشجار, ومن حق هذه الرئة أن نحافظ عليها كما يحافظ المرء على عينيه, ويحميها من السلوك العبثي الذي يقدم عليه من يستمتعون بهواء وخضرة هذه المنطقة سواء من أهلها أو من القادمين إليها من مناطق أخرى أو من خارج المملكة, إذ لا مجال أن نفرط فيها, ذلك أن الاستمرار في ترك الحبل على الغارب كما يقول المثل ليتصرف الناس كما يشاءون في هذه المناطق سيفقدنا إياها في يوم من الأيام, ومن ثم سيحدث خلل بيئي في بلادنا. إن خضرة هذه المناطق تسهم في نزول الأمطار ـ بإذن الله, وتسهم في نقاء الجو, لكن ملاحظاتي حين زرت هذه المناطق في السابق تؤكد أن ممارسات معظم السائحين كلها إساءات للبيئة, فمخلفات المتنزهين تترك في أماكن التنزه وتحت الأشجار, ولا توضع في الأماكن المخصصة, وقطع الأشجار وكسر غصونها أمر مشاهد, وهذا من شأنه أن يدمر هذه الأشجار والنباتات مع الزمن, خاصة أن هذه المخلفات ليست مخلفات عضوية من أطعمة وغيرها بل جلها مخلفات بلاستيكية لها أثر سلبي في البيئة.
هل نقف نتفرج إزاء هذه التصرفات أم أن الأمر يستوجب التحرك؟ أعتقد أنه لا مجال لطرح هذا السؤال, لكن السؤال المهم: كيف نتحرك لحماية الرئة الوحيدة في بلادنا؟ في ظني أن السعي إلى رفع الوعي لدى المواطنين والمقيمين وكذلك زوار هذه المناطق أمر لا بد منه ويحتمه الوضع الراهن المتمثل في اللامبالاة التي نتعامل بها مع هذه الرقعة الخضراء, كما أن الجهات المعنية ممثلة في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة والهيئة العامة لحماية الحياة الفطرية وإنمائها, وكذلك الأمانات والبلديات والهيئة العليا للسياحة, وغيرها من الجهات ذات العلاقة, مطالبة بوضع الأنظمة الخاصة ذات العلاقة, وليست أنظمة عامة, كما أن عليها نشر وعي الناس وتثقيفهم بشأن المحافظة على البيئة وفوق هذه تكون إجراءات صارمة في حق كل من يسيء للبيئة سواء قطع الأشجار, أو ترك المخلفات, كما أقترح وضع سياج يمنع دخول الناس وسط الغابات, ويكون التنزه في أماكن محددة بدلا من ترك السيارات تجوب الغابات بعوادمها المدمرة.