رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


«بنك الفقراء»..واختيار الاسم

بنك الفقراء؟ لا أدري كيف وقع الاختيار على هذا المسمى؟ ومن الذي اختار هذا الاسم؟ هل مطلوب إذلال كل من يرغب في الاستفادة من خدمات هذا البنك؟ هل تم استطلاع رأي الخبراء، أو على الأقل رأي شريحة من المستفيدين المحتملين قبل وضع هذه التسمية المخجلة والمذلة؟ بل هل يقبل من اختار هذا الاسم أن يكون في وضع المستفيد من هذا البنك وتحت هذا المسمى؟
لقد ارتقى ديننا العظيم بالفقير أو المحتاج، بل دعانا إلى احترامه، لأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، فقال تعالى ''الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون'' (سورة البقرة: 262). كما كتب البعض ''وكم من فقير تبسمت في وجهه.. وأشعرته بقيمته واحترامه.. فرفع في ظلمة الليل يداً داعية.. يستنزل بها لك الرحمات من السماء ..فكن دائم البشر مع الضعفاء''.
لا يجادل أحد في جدوى وإنسانية الفكرة، فقد طبقها من قبل الدكتور محمد يونس في بنجلاديش، وحققت نجاحاً أبهر العالم، ولكن هل أطلق محمد يونس على مشروعه الإنساني ''بنك الفقراء''؟ أو على الأقل تضمن أي إشارة إلى فقر المستفيد من خدماته؟ لقد أسماه بنك القريةGrameen Bank ، أو القروض الصغيرة أو المشروعات الصغيرة، ولكن أن نجعل اسم البنك ''بنك الفقراء''، فهذا في رأيي – المتواضع - مَنٌ على المحتاجين، وإذلال لهم، خاصة عند دخولهم لموظف البنك بوصفهم ''بالفقراء''. فالفقر في حد ذاته ليس عيباً، ولكن العيب أن نطلق هذا الوصف على الآخر، حتى ولو صادف محله، وكأننا نعايره على فقره، فالغنى والفقر بيد الله، وغَنِي اليوم هو فقير الأمس، والعكس صحيح، فقال تعالى '' إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ '' (سورة آل عمران الآية 140).
في حقيقة الأمر، عندما تم الترويج لهذه الفكرة مطلع الألفية الميلادية في مصر، كَتبتُ مقالاً في جريدة ''الوفد'' المصرية (تقريباً في عام 2002م)، تحدثت فيه عن ''صناديق الضرورة'' بدلاً من ''بنك الفقراء''، لأن ديننا يحثنا على احترام المحتاج وليس إذلاله، حتى لحظة تقديم المساعدة له، ولهذا أدعو الأخوة القائمين على هذا المشروع إلى إعادة النظر في هذا المسمى، وأدعو السادة القراء إلى إبداء وجهة نظرهم، وما إذا كانوا يقبلون ببقاء المسمى، أم بتغييره إلى مسمىً آخر (كبنك الأمل أو الإقراض الصغير أو الضرورة أو التراحم أو الإخاء أو الإنماء). لابد من اقتراح وإطلاق مسميات تحترم كرامة المستفيد من هذه المؤسسة الناشئة، حتى نضمن الإقبال عليها. أنا على يقين تام بأنه لو تم استطلاع رأي المستفيدين الحاليين من هذه المؤسسة الناشئة، حول المسمى، فسيعلنون رفضهم لشعورهم بالذلة والإحراج، حتى ولو كانوا في حاجة ماسة لخدماتها.
أنا لست أول من يعارض هذه التسمية المذلة والمحرجة. فقد سبقني آخرون فور إطلاق الاسم منذ سنوات، إلا أن رد أو تبرير القائمين على هذا البنك افتقر إلى العمق أو الإقناع، بقولهم إن التسمية ''الفقراء'' وردت في القرآن في مواضع كثيرة، ولهذا نحن لم نأت بجديد، كما أن من حق كل دولة أن تطلق عليه الاسم الذي تراه مناسباً. وفي الاتجاه نفسه، أشار رئيس بنك البحرين للتنمية، إلى أن مسمى البنك يعكس توجهه ورسالته والشريحة المستهدفة منه، فالبنك ليس بنكا تجارياً، فهو يمنح قروضاً قصيرة الأجل، وليس بنكاً تنموياً تقليدياً يمنح قروضاً كبيرة لآجال طويلة، كما أنه ليس مؤسسة خيرية تمنح مساعدات مجانية للفقراء وذوي الحاجة، إنما هو بمثابة مؤسسة مالية، وإن كانت فريدة من نوعها، تعطي قروضاً صغيرة.
ونحن لا نجادل في مسألة ورود الكلمة في كتاب الله، أو في كونه ليس بنكاً تجارياً، ولكن يبقى السؤال، لم لا يتم تبني مسمىً كريماً، يحترم إنسانية المحتاج، الذي يرغب في التعامل مع هذا البنك، هل ضاقت علينا اللغة العربية بما رحبت من مسميات ومعانٍ سامية وراقية؟ فكلمة الفقراء وردت في القرآن لتعكس وتغطي معاني كثيرة، بل شملت الغني والفقير في الكثير من المواضع، مثل قوله تعالى ''يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد''. وطالما أن البنك - بحسب وصف القائمين عليه - ليس مؤسسة خيرية تمنح مساعدات مجانية، فإن من حق المقترض، الذي لا يحصل على زكاة من هذا البنك (باعتباره ملزما برد أصل المبلغ)، أن تُحترَم إنسانيته وكرامته، في زمن كثُر فيه الحديث عن حقوق الإنسان. فهل من مجيب؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي