ما الجدوى من إيجاد مركز للكشف المبكر للأمراض الخطيرة؟ (1)

في مقالته بعنوان «مركز للكشف المبكر عن الأمراض في كل منطقة «، التي نشرت في هذه الصحيفة يوم الخميس 23/7/1430هـ الموافق 16/7/2009م، لخص الأستاذ علي الشدي في جزء منها فكرة وجهها لوزير الصحة، أن تضع الوزارة خطة عاجلة لإيجاد مركز للكشف المبكر عن الأمراض الخطيرة في كل منطقة من مناطق المملكة؛ حيث إن الموجودة الآن لا تكفي ولا تغطي مناطق المملكة، إضافة إلى إنها جاءت تبرعا من أهل الخير. ولقد أكد على أنه لو أولي الموضوع أهمية خاصة بإعداد مشروع متكامل وعرض على مقام خادم الحرمين الشريفين لأمكن تخصيص الميزانية أو الاعتمادات اللازمة لتأسيس عدد منها، وسيبادر أهل الخير في كل منطقة بدعمها بعد أن تشرف عليها وزارة الصحة. حقيقة هي مبادرة لا بد أن يشكر عليها الأستاذ علي جزاه الله خيرا، كما آمل أن تجد مثل هذه الأفكار الصدى المناسب وتأخذ طريقها للدراسة ثم التنفيذ حسبما يرتأيه المسؤولون وأصحاب القرار أفضل وأصوب لصالح الوطن ـ بإذن الله ـ.
في الواقع هذه الفكرة لا شك إنها ستحرك جهازا في الوزارة لمناقشتها ودراسة الجدوى منها بل وبحث إمكانية وكيفية تنفيذها. من وجهة نظري الشخصية أرى أن للموضوع زوايا قد تضفي عليها بعض الملامح التي عادة ما تأخذ وقتا طويلا للوصول لها. فالموضوع قد يبدو سهلاً، إلا أن مسؤوليات الوزارة إضافة إلى منهجية التنفيذ ثم المحافظة على إنتاجية المركز أو المراكز بالمستوى العالمي المتطور نفسه سيظل أملاً. قد يتفق الكثير حول إمكانية تنفيذ مثل هذه المشاريع الضخمة، ولكن لنقل إنه مركز رئيس تمونه وتغذيه عدة فروع كمختبرات وليس عدة مراكز، فهل يمكن لمثل هذا المشروع أن يرى النور؟. في الحقيقة ومبدئياً، «إذا لم يكن هناك طرح جدي وواضح وشامل من حيث المسؤوليات والتبعية والإشراف والتمويل والتشغيل المتخصص، ثم وضعت آليات المتابعة والمراقبة والتقييم، وأخيرا تم وضع الخطط البديلة، فلا أعتقد أن بإمكاننا التقدم فيه إلا «ورقياً»!. إذا ما الذي يعوق على مستوى المملكة أو على مستوى منطقة الخليج أو المنطقة العربية أو الإسلامية تأسيس مراكز متعددة ومتقدمة في التحليل المخبري وإنشاء مركز مرجعي لـ «الاستقصاء الوبائي والكشف المبكر للأمراض المستعصية والمعدية»، وتكون بمثابة منظومة توازي في أدائها أفضل المراكز في العالم ويقوم يما يتطلبه وضعنا ويسهم في نجاح خططنا الصحية وضبط نتائجها، ومن ثم تكامل عمله مع الأجهزة الصحية الأخرى ومراكز ومعاهد الأبحاث والشركات الدوائية والمنتجة للعقارات واللقاحات؟. في الغالب لأن المنظومة ما زالت غير مكتملة من حيث تنظيم الأدوار، ثم عدم وجود شركات دوائية مصنعة للعقاقير والأدوية قادرة على إنتاج اللقاحات حسب المنهجية العلمية العالمية، وأخيرا تناثر المهام وازدواجيتها وتدخل الإداريين والماليين من غير المختصين أو المدركين لأهمية الشؤون الفنية والصحية والعلمية التطبيقية، بآراء وتبريرات لا تتناسب وحجم الأهمية لو صالح الفرد والمجتمع.
عموما، من ناحية علمية وإدارية إضافة إلى تخصصية صحية، أكاد أقول إن الفكرة تجول في خواطر أمم كثيرة، فجنوب إفريقيا قامت في نهاية تموز (يوليو) الماضي من هذا العام 2009م، بوضع المشروع قيد التنفيذ، وذلك بتأسيس مركز لرصد ومراقبة الأمراض المعدية وفي مقدمتها مرض نقص المناعة «الإيدز». لقد قرر رئيس الدولة أن يكون التمويل مناصفة بين الحكومة والقطاع الخاص، وستكون الميزانية في حدود 20 مليون دولار للتأسيس والتشغيل والصيانة مبدئياً، على الرغم من قدرة الدولة على تغطية التكاليف، حيث كانت المصدر الوحيد للإنفاق على الخدمات الصحية وأبحاثها. كما وضعت للمركز أهدافا ألخصها في التالي: (1) تعزيز قدرة الحكومة على الاستجابة بسرعة ودقة كافيتين لأي طارئ مرضي أو صحي يمكن أن يظهر في أي وقت ويتطلب تحاليل يكون عامل الوقت في الحصول على النتائج هو المهم. (2) مواجهة انتشار مرض نقص المناعة «الإيدز» الذي اعتبرته الأسرع انتشارا لديها بين دول العالم على الإطلاق والسعي لإيجاد لقاح أو عقار أو أسلوب علاجي مناسب. (3) تعزيز خطة نشر المعلومات الصحية والنظام الصحي بشكل عام بين جميع المرافق الصحية والتعليمية الصحية العليا حتى يتم تحفيز البحث في هذا المجال بشكل فعال.
في هذا السياق إذا ما قارنا أولوياتنا بأولويات جنوب إفريقيا على سبيل المثال، فلدينا أكثر من ذلك أهمية. فالعمرة والحج والسياحة وأنماط المعيشة ستجعل من الملاريا، وحمى الضنك، وحمى الوادي المتصدع، والآن أنواع الإنفلونزا التي ستظهر خلال العام في موجات متعددة ومتكررة، إضافة إلى الأمراض السرطانية التي بدأت تظهر بتوافر بعض الفحوص المخبرية المتقدمة جدا، ستلقي بالمسؤوليات على وزارة الصحة التي بدأت فعليا في تخصيص بعض القطاعات فيها والتخلص من كثير من المهام لتركز على خدمات الرعاية الصحية الأولية وتشرف فقط على الجزء الوقائي. إضافة إلى ذلك عوامل مثل توافر الموارد البشرية المتخصصة (علميا وإداريا)، ومرونة النظام المالي، إضافة إلى ماهية ونوعية التقنيات المتوافرة في الجوانب المختلفة ستكون محطات تجبر المخططين ثم المنفذين على إيجاد الخطط البديلة مع أهمية مساهمة القطاع الخاص في المشروع. لذلك لابد من بلورة الفكرة وجعل الموضوع أكثر وضوحا وإلماما بالجوانب التي تتطلب الإعداد والعمل الدؤوب المخلص، وهذا ما سيكون في الجزء الثاني من المقال - بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي