رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ندرة التطوير المؤسساتي الشامل وضعف سوق الصكوك

يشكل التطوير المؤسساتي الشامل المخطط والمحدد المدة والذي يفضي إلى تطوير حي متكامل يشتمل على البنيتين التحتية والعلوية والأبنية في فترة تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات نحو 3 في المائة من المساكن المطورة في بلادنا بينما يمثل التطوير الفردي شبه العشوائي غير محدد المدة (بعض الأحياء تجاوزت الـ 40 عاما وما زالت تعاني من الأراضي البيضاء) والذي يتطلب من البلديات والجهات المقدمة للخدمات الإسكانية استكمال البنيتين التحتية والعلوية وبعض الأبنية خصوصا الخدمية نحو 97 في المائة وهي نسبة تعاكس مثيلاتها في الدول المتقدمة التي يسود فيها التطوير المؤسساتي الشامل، حيث يتجاوز حسب علمي أكثر من 80 في المائة في الولايات المتحدة ونسبا تقل أو تزيد في دول أوروبا الغربية والهند والمكسيك.
التطوير المؤسساتي الشامل لا يسود على حساب التطوير الفردي إلا بوجود مطورين عقاريين حقيقيين يستندون إلى هياكل مالية وإدارية وفنية وتسويقية قوية وسليمة تجعلهم قادرين على إنتاج كميات كبيرة ومتنوعة من المنتجات العقارية عالية الجودة وتسويقها في مدة معيارية في أحياء طوروا بنيتيها التحتية والعلوية.
جودة المنتجات العقارية والحي يؤديان بالتبعية لتعاظم قيمة تلك العقارات المحددة الاستعمالات مسبقا دون مفاجآت بمرور الزمن، حيث وضوح وعدم تغير مواقع المساكن والمراكز التجارية والمباني السكنية التجارية ومراكز الخدمات من مدارس ومراكز صحية وخدمات حكومية ومواقع ترفيهية ما يجعل تلك العقارات التي عادة تشكل المساكن 70 في المائة أصولا رأسمالية تصلح كضمانات آمنة لقروض طويلة الأجل تتجاوز الـ 20 عاما.
وإذا عرفنا أن القطاع العقاري قطاع ضخم يتطلب أموالا ضخمة جدا تصل لتريليونات الدولارات لتمويل الإنتاج ولتمويل المشترين لتبين لنا ضرورة وجود أدوات مالية مقرونة بعمليات مالية متطورة لتوفير تلك الأموال وهو ما أدى إلى تطوير أنظمة التمويل العقاري في الدول المتقدمة والتي أفضت إلى تأسيس شركات التمويل العقاري وشركات إعادة التمويل والوسطاء وانتعاش أسواق السندات العالمية لعظم قيمة الأصول العقارية التي تصدر على أساسها السندات (قيمة الأصول العقارية في أمريكا قد تتجاوز الـ 20 تريليون دولار إذا ما عرفنا أن شركتي فاني ماي وفريدي ماك والشركتين المختصتين بتمويل الإسكان، وتوفير السيولة للجهات الممولة للمساكن تملكان أو تضمنان نصف القروض السكنية البالغة 12 تريليون دولار في الولايات المتحدة).
حسب علمي لا توجد أصول أكبر من الأصول العقارية يمكن إصدار صكوك (السندات المهيكلة وفق أحكام الشريعة الإسلامية) على أساسها وبالتالي فإن عدم صلاحية الأصول العقارية لتكون ضمانات طويلة الأجل سيحرم سوق الصكوك من مصدر كبير بل أساسي لرفد هذه السوق بشقيها الأولي والثانوي بالصكوك التي تعزز مكانتها وحجم تداولاتها مهما كانت المصادر الأخرى، وهذا ما أثبته التقرير الذي أصدرته جدوى للاستثمار قبل أيام قليلة عن سوق الصكوك السعودية، حيث تتضح ضآلة حجم السوق وحجم التداولات مقارنة بسوق الأسهم (حجم تداول الصكوك عام 2008 بلغ 1.3 مليار ريال مقارنة بـ تريليوني حجم تداول الأسهم خلال الفترة نفسها).
وإذا رجعنا إلى جدول الصكوك المصدرة والمتداولة في السوق السعودية الذي نشر في تقرير جدوى للاستثمار لوجدنا أن حجم الصكوك المدعومة بالأصول العقارية لا يتجاوز نسبة 6.1 في المائة بافتراض أن الصكوك التي أصدرتها شركة دار الأركان ومجموعة بن لادن صكوكا مدعومة بالأصول العقارية وهي نسبة ضئيلة جدا مقارنة بأسواق السندات العالمية في الدول المتقدمة إذا ما استبعدت سندات الخزانة التي تصدرها الحكومات، ولا شك أن ذلك يعود لأسباب عدة أكد تقرير ''جدوى للاستثمار'' عليها منها: غياب العمق، ضعف المقدرة على تسييل الصكوك، نقص الكوادر البشرية المؤهلة، عدم الإلمام الكافي بالمنتج، وغياب معايير شرعية موحّدة.
وما أود أن أضيفه أن غياب العمق جاء بسبب ضعف مساهمة السوق العقارية في إصدار الصكوك لأن معظم العقارات في بلادنا عقارات مطورة فرديا في أحياء تتهالك مساكنها بمرور الزمن وتتناقص قيمتها بما يجعلها لا تصلح كضمانات طويلة الأجل وهو ما يستدعي النظر إلى مشكلة ندرة المطورين العقاريين الحقيقيين وندرة التطوير العقاري المؤسساتي الشامل وتهالك قيمة العقارات بالتبعية من زاوية معالجة وتطوير سوق الصكوك في بلادنا وتحفيزها لتلعب دورها المهم والحيوي في التمويل وإعادة التمويل وفي نقل الرساميل بين القطاعات بما يسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني بالمحصلة.
نعم لا يكفي أن تكون عندنا دار الأركان ومجموعة بن لادن كشركات مطورة قادرة على تطوير أصول عقارية تصلح كضمانات وتصدر على أساسها صكوك تغذي سوق الصكوك في بلادنا بل نريد شركات تطوير أكثر من هذا بكثير خاصة أن لدينا عدداً لا بأس به من الشركات العقارية المدرجة منذ زمن طويل في سوق الأسهم يمكن لها أن تلعب هذا الدور، كما نريد لشركاتنا المطورة أن تتجه بشكل كبير للتطوير الحضري الشامل للنهوض بالواقع العقاري في بلادنا ليلعب دوره الحقيقي كصمام أمان للنظام المالي من ناحية وليلعب دوره في تحفيز جميع أوجه التنمية من ناحية أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي