خلافات المؤذنين وأئمة المساجد
نتألم بشدة عندما نسمع أن هناك خلافات بسيطة بين الإمام والمؤذن، ويزداد الألم عندما يستمر هذا الخلاف لفترة أطول مما نتوقع، وتجتاحنا التساؤلات: لماذا يحدث هذا؟ ولمصلحة مَن يختلفا؟ وهما اللذان يراهما بعض الناس قدوة لهم، وإن كانا ينبغي ألا يكونا كذلك في بعض الأحيان، ولكن هكذا تعودنا أن الإمام والمؤذن لهما مكانة طيبة عند جماعة المسجد وأبناء الحي، خصوصا إذا كانا من المواظبيْن على أداء الصلاة، وحريصين على عدم التخلف عن الصلاة إلا لظروف قاهرة ويمتازان بأخلاق عالية وتعامل طيب.
ومن وجهة نظري أن الخلاف ربما يكون لأسباب بسيطة يمكن أن تحل في حينها، لكن نظرا لتمسك كل منهما برأيه يمتد الخلاف ويستمر، وهناك حالات كثيرة لبعض هذه الخلافات بين الإمام والمؤذن وبعضها يتركز على تصيد بعضهما أخطاء بعض، ومن الحالات التي سمعتها أن الخلاف بينهما ربما يكون بسبب ما يحدث بين الأطفال من مشكلات، فيتدخل أحدهما من أجل تأديب ابن الآخر لأنه لم يجد من أبيه حلا لتعدياته على ابنه، وآخر طماع في السكن يريد أن يأتي بقريب له في المسجد بدلا من المؤذن فيسعى لتطفيشه بوسائل مختلفة، وثالث مؤذن يدخل في مشكلات مع الإمام بسبب تأخره وقيامه هو بالصلاة بصفة شبه دائمة، والحالات كثيرة ومتعددة، وهي ليست الأغلب في واقع الأئمة والمؤذنين، وعموما، فإن مثل هذه الخلافات تحتاج من كليهما مراجعة النفس وتذكر أنهما يمثلان مكانة طيبة في المجتمع الذي يعيشان فيه، حتى إن بعض جماعة المسجد يرجعون إليهما ويستشيرانهما، فعليهما أن يكونا في المكانة اللائقة بهما بعيدا عن الخلافات الدائمة التي تعصف بهما وتجعلانهما على لسان كل لسان.
إن التنبه لهذا الأمر يجب أن يكون أيضا منطلقا من وجهاء المسجد وجماعته الكبار ذوي الرأي اللبيب، بحيث يحرصان على أن يذيبا جليد المشكلات بين المؤذن والإمام في أسرع وقت إن علما بذلك، وهي خلافات في بعض الأحيان تصبح طاغية، فيكون الجميع على علم بها، وليتذكرا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وفي الحديث الآخر (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا) رواه مسلم. فهذا حديث عظيم يجب أن نتنبه له ونضع خلافاتنا جانبا، كما على الإمام والمؤذن أن يضعا خلافاتهما جانبا ويقويا علاقتهما بربهما قبل كل شيء ثم يرميا بخلافاتهما خلف الحائط ويكونا قدوة لجماعة المسجد وهما يعلمان أن ما عند الله باق وما عند غيره يفنى، نسأل الله أن يصلح الأحوال وأن يجمع الجميع على طاعته ومحبته والله الموفق.