معدل البطالة السعودي
تطلق منظمة العمل الدولية مصطلح البطالة على الفرد الخالي من العمل. وتعرف المنظمة الفرد الخالي من العمل على أنه الفرد الذي يكون فوق سن معينة بلا عمل وهو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه عند مستوى أجر سائد لكنه لا يجده. وتقاس البطالة بما يسمى معدل البطالة. ويعرف معدل البطالة على أنه نسبة الأفراد العاطلين عن العمل إلى نسبة القوى العاملة.
تنقسم البطالة إلى نوعين رئيسين: بطالة طبيعية، وبطالة غير طبيعية. الأولى حالة مستديمة تعم المنظومة الاقتصادية بجميع أجزائها. والأخرى حالة مؤقتة تعم بعض أجزاء من المنظومة الاقتصادية وهي تتلاشى الأخرى بمجرد امتصاص الأجزاء الأخرى من المنظومة الاقتصادية حالة البطالة، وتحولها إلى حالة عمالة.
المفيد في هذا السياق العلاقة بين البطالة الطبيعية وغير الطبيعية والنمو الاقتصادي. فعندما يمر الاقتصاد بمرحلة نمو تتبعها مرحلة انتعاش، فمرحلة ازدهار، يكون معدل البطالة غير الطبيعية أقل من معدل البطالة الطبيعية، والعكس صحيح. فعندما يمر الاقتصاد بمرحلة نمو تتبعها مرحلة انكماش، فمرحلة كساد، يكون معدل البطالة غير الطبيعية أكبر من معدل البطالة الطبيعية.
لعل من المناسب تمثيل علاقة التجانس هذه بين البطالة الطبيعية وغير الطبيعية والنمو الاقتصادي من خلال محاكاة ما حدث قبل سنوات قليلة مضت في السوق المالية السعودية عندما توجهت الشركات الاستثمارية للاعتماد على قنوات التداول الإلكترونية كقنوات توزيع بديلة عما كان يعرف بقاعات التداول.
أسهم هذا التوجه، من جهة، في تقليل تكلفة التداول وزيادة قاعدة المتداولين. ومن جهة أخرى، في تراجع الحاجة إلى وظيفة وسيط أسهم في قاعة التداول. أدى تراجع هذه الحاجة إلى زيادة معدل بطالة وسطاء الأسهم. تسمى هذه الحالة بالبطالة غير الطبيعية كونها لم تدم طويلا عندما امتصت قطاعات الخدمات المالية الأخرى وسطاء الأسهم، ثم دمجتهم في وظائف أخرى كان من أشهرها وظائف خدمات العملاء. حالات مشابهة ظهرت أو ستظهر أيضا في المجال التعليمي ومجال الطيران المدني مع التوجه نحو التعليم الإلكتروني والطيران الاقتصادي، على التوالي.
يقودنا الحديث عن البطالة، وأنواعها، وآليات قياسها إلى النظر في واقع البطالة في الاقتصاد السعودي وآليات قياسها. يشير التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي عام 2008، تقرير رقم 44، إلى إحصاءات البطالة للسعوديين في الاقتصاد السعودي خلال الفترة 2001 إلى 2007. سلك معدل البطالة للسعوديين الاتجاه التصاعدي عند 8.34 في المائة في 2001، حتى 12.02 في المائة في 2006 قبل أن يتراجع بشكل طفيف إلى 11.05 في المائة في 2007. اتسمت شريحة العاطلين عن العمل خلال الفترة ذاتها بأربع سمات.
السمة الأولى، ديمغرافية، حيث إن معظم العاطلين عن العمل هم من فئة الشباب ذوي الأعمار 20 إلى 25 سنة بنسبة 43.8 في المائة، ففئة الشباب ذوي الأعمار 26 إلى 35 سنة بنسبة 27.4 في المائة، ثم فئة الشباب الأقل من 20 سنة بنسبة 22.5 في المائة.
والسمة الثانية، تعلمية، حيث إن معظم هؤلاء العاطلين عن العمل هم من حملة شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها بنسبة 34.35 في المائة، فحملة شهادة البكالوريوس بنسبة 28.3 في المائة، ثم حملة الشهادة المتوسطة بنسبة 13.61 في المائة.
والسمة الثالثة، جنسية، حيث إن الشريحة الأكبر من العاطلين عن العمل هم من فئة الذكور بنسبة 74 في المائة، مقابل 26 في المائة من فئة الإناث. والسمة الرابعة، جغرافية، حيث إن تواجد معظم هؤلاء العاطلين عن العمل في المنطقة الشرقية بنسبة 40.2 في المائة، فمنطقة الرياض بنسبة 18.9 في المائة، ثم منطقة مكة المكرمة بنسبة 15.8 في المائة.
تقودنا هذه الإحصاءات والسمات عن واقع بطالة السعوديين في الاقتصاد السعودي إلى قراءة توقعات نموها خلال الأعوام الخمسة المقبلة، بشكل خاص، والـ 15 عاما المقبلة، بشكل عام. الدافع خلف هذين التوقيتين كون الأول يمثل نهاية الخطة الخمسية التاسعة (2010 إلى 2015)، والثاني يمثل نهاية مرحلة التخطيط الاستراتيجي القائمة (2025). يشير تقرير التنمية البشرية 2009، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى الاتجاهات الديمغرافية والتنموية للسعودية. حيث يتوقع التقرير أن ينمو معدل النمو السكاني بمقدار 2.1 في المائة سنويا خلال الفترة 2005 إلى 2015 ليصل عدد السكان إلى 29.3 مليون نسمة، ثم إلى قرابة 40 مليون نسمة في نهاية 2025.
تشير استراتيجية الاقتصاد السعودي 2025 إلى توجه الاقتصاد السعودي نحو التوسع في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، بشكل عام، والصناعات البتروكيماوية والكيماوية، بشكل خاص، كوسيلة لتنوع مصادر الدخل الوطني بهدف بلوغ رؤية الاقتصاد السعودي 2025.
أحد أهم العناصر في نجاح هذه الصناعات وجود موارد بشرية مؤهلة التأهيل العلمي والفني والتقني اللازم. وأحد أهم التحديات التي تواجه واقع البطالة السعودية أن النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل هم من فئة الشباب الذكور ذوي الأعمار 20 إلى 25 سنة، من حملة شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، المتواجدين في مركز الصناعات الكبتروكيماوية والكيماوية (المنطقة الشرقية).
و إذا أخذنا في الحسبان الفترة الزمنية التي تحتاج إليها الكيانات الاقتصادية الصناعية في تأهيل الموارد البشرية لمزاولة مهام الإنتاج الصناعي البتروكيماوي والكيماوي، فإن هذه الفئة العمرية بسماتها الديمغرافية والتعليمية القائمة ستنمو مع مرور الأيام دون حصولها على التأهيل العلمي والفني والتقني اللازم.
سيؤدي ذلك إلى ظهور تواضع في الموارد البشرية المؤهلة كماً وكيفاً من فئة الإدارة الوسطى (الفئة العمرية 30 إلى 36 سنة) خلال الأعوام الخمسة المقبلة، ومن فئة الإدارة العليا (الفئة العمرية 45 إلى 50 سنة) بحلول 2025.
سيسهم هذا التواضع بالسلب في توفير الموارد البشرية الوطنية اللازمة لتولي مهام استدامة الاقتصاد السعودي بعد 2025. مهمة مواجهة هذا التحدي مهمة ليست باليسيرة تستوجب التوكيد على أهمية تضافر جهود جميع الجهات المعنية، اقتصادية كانت، أو تعليمية، أو اجتماعية، في سبيل تحويل التحدي إلى أفق، ومن ثم إلى واقع مزهر بحلول 2025، بعون الله تعالى.