السجلات الطبية: في جامعة الإمام دراسات لإيجاد النظام
في العدد الحادي عشر من نشرة مركز الفهرس العربي الموحد «التسجيلة»، الذي صدر في حزيران ( يونيو) هذا العام 2009م، اطلعت على تنوع علمي باهر لمواضيع تغطي تنظيم المعلومات وإدارتها. لقد طرح وناقش المواضيع أساتذة أفاضل في علم المكتبات وعلم المعلومات سواء من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أو غيرها وتطرقوا بشكل عام إلى أهم هموم المكتبات والمعلومات وهو التعاون والتكامل لتقديم الخدمة وتوفير ونشر المعلومة. الكُتاب برعوا أيضا في إبراز جهود السعودية البارزة في تقنية المعلومات وسعيها إلى التعريف بأهمية دور الفهرس العربي الموحد في نشر الثقافة العربية والإسلامية على مستوى العالم. ما لفت انتباهي هو موضوع كتبته إحدى المحاضرات في قسم دراسات المعلومات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت اسم «نظام وطني آلي للسجلات الطبية في السعودية». وقد ذيلته بطريقة تدل على أن هناك دراسة قد تعد الأكثر فائدة والأفضل تناولا لإيجاد نظام للسجلات الطبية. لقد تم استعراض الموضوع في المقالة بتسليط الضوء على أهمية استخدام تقنية الاتصالات والمعلومات لتقديم الخدمات الصحية بشكل مطور وفعال وما أهم الأنشطة التي اتبعت في سبيل تبني الموضوع.
هذا الموضوع الذي كنت آمل أن تتبناه وزارة الصحة منذ سنوات طويلة للأهمية التي يمكن أن تجنيها على مستوى الخدمة وتقديمها في المملكة، لم يكن ينقصه سوى التخطيط الجيد والتنفيذ المقنن، ورعاية مسؤولين يولون التغيير من استخدام الورق إلى الصيغة الرقمية الأهمية القصوى، لأن التمويل متوافر وإعداد الموظفين لن يأخذ أكثر من عدة أشهر، إذا ما وضعت برامجه ونفذت بمنهجية ومتابعة لصيقة. يمكن القول إن تبني مثل هذا الموضوع وطنياً توجه حديث وفوائده كثيرة منها: (1) تخفيف المخاطر الصحية مثل ارتكاب الأخطاء الصحية إلى أبعد حدود (2) تحسين أداء ومهارات مقدمي الخدمات الصحية. (3) تحسين صحة الفرد في المرفق الصحي أو بعد خروجه منه أو حتى في الحالات الطارئة. (4) تزويد الخدمة بإمكانية دعم القرار DSS آليا التي تعد من أهم المواضيع التي درست خلال التسعينيات وكثفت الأبحاث فيها منذ أكثر من عامين لتساعد مقدم الخدمة على الوصول للقرار الصائب. (5) إعداد أفضل السياسات الصحية الوطنية. (6) خفض التكاليف في جميع مجالات ومستويات الخدمات الصحية.
على المستوى العربي، ما زال الموضوع يكتب ويناقش وتجرى فيه بعض الأبحاث باجتهاد وتفرد وشيء من السطحية أحيانا، وما أخشاه أن يتكرر ما وقعت فيه دول كثيرة عند بدايتها لتنفيذه. الواضح أن ما يؤخرنا هو وجود إشكاليات قد تشترك فيها القطاعات الصحية في دولنا العربية أهمها أنه عند التوجه لمشروع يكون وضع الاستراتيجيات خجولا، إضافة إلى ذلك لا توضع معايير موحدة مبنية على نظام للمعلومات يشمل جميع الجوانب التي يجب أن تؤطر في مواد وبنود وفقرات. أما من الناحية التنفيذية صحيا، فهناك تململ حيال توحيد السياسات والإجراءات واستخدام المصطلحات الطبية في السجلات وبين الكادر الطبي بمعيارية موحدة. هذا لأننا لم نتخطَّ ولم نتغلب بعد على مشكلة التعددية في تقديم الخدمات الصحية، والمشاركة أو تبادل المعلومات الصحية فيما بين المرافق الصحية المختلفة.
سأتجنب الحديث عن هذا الموضوع بالخوض فيه علميا (معلوماتياً) من حيث المحتوى والنمطية والخصوصية والسرية والأمنية، فمتأكد تماما أن لدى الباحثة، كاتبة المقال، علما أوسع في هذا المجال. ولكن من وجهة نظر اقتصادية، فأعلم أن هناك مقالات لا تعد ولا تحصى، علمية وغير علمية نشرت وما زالت تنشر في هذا الخصوص على مستوى العالم وبشكل أسبوعي أو حتى يومي، إلا أن العربية منها قاصرة عن أن تكون مراجع ذات قيمة علمية كبيرة. لابد إذا أن نولي هذا الجانب اهتمامنا، فما يكتب عن فائدة النظام الآلي للسجلات الطبية في خفض التكاليف مثلاً، ما هو إلا تقديرات بنيت على نشرات أو تقارير صحية أو اقتصادية غربية أو شرق آسيوية، لن تساعد المسؤولين ولا الباحثين لدينا في هذا المجال إذا لم ترفع من أرض الواقع. من ناحية أخرى ما يقدر صرفه أو توفيره بمليارات الدولارات في نظم مبنية على التكامل يجب أن تحلل بحذر لأننا ما زلنا نسعى لتكامل الخدمات. لذلك ومن وجهة نظر شخصية، إذا كانت هذه مقدمة لدراسة وقدر لها أن تتم، فهي قفزة نوعية تحسب لجهات عدة في مقدمتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم لصالح صحة الفرد الذي يعيش على أرض المملكة مواطنا كان أم زائرا. كما أن البحث سيجعل المملكة مرجعا لكثير من دول العالم مضاهية بذلك دولا أوروبية لم تنته بعد من برنامجها الوطني حيث يخطط بعضها لاستكمال تأسيس النظام مع نهاية عام 2015م. هذا يجعلني أتفاءل بمبادرة وزارة الصحة بفتح الخطوط بين المؤسسات العلمية، والمقدمة للخدمات الطبية، ويمكن أن تقود ذلك اللجنة التي شكلت أخيرا في الوزارة. الأَوْلى ألا يتم الإصرار على توحيد النظام بقدر ما إن يكون تطبيق نظم «متوافقة» تعمل تكامليا بين مختلف المرافق الصحية، خصوصا أن الشؤون الصحية في وزارة الدفاع قد انتهت من مشروعها قبل شهرين أو أكثر، وهو أحد أكبر التحديات التي سيواجهها المنفذون عند بداية المشاركة في المعلومات أو تبادلها بشكل سلس ومرن. أعتقد أنه بنهاية الخطة الخمسية المقبلة سنصل إلى ما نسعى إليه، والله المستعان.