رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«المالية» وضرورة التحول نحو الدعم الفاعل للمستهلك والسوق

توفير السلع والخدمات الأساسية والضرورية الجيدة والمستدامة والمتناولة سعريا غاية تسعى الحكومات الرشيدة إلى تحقيقها، وحكومة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لم تأل جهدا لتحقيق ذلك وهو ما تجلى بوضوح عندما سجلت معدلات التضخم عامي 2007 و2008م أرقاما كبيرة حيث بادرت الحكومة باتخاذ جملة من السياسات والإجراءات للحد من آثار التضخم, خصوصا في الطبقة المتوسطة وما دونها.
ومن الحلول التي اتخذتها الحكومة سياسة الدعم حيث قامت بدعم المحروقات والمواد الغذائية الأساسية وأعلاف الحيوانات التي تنعكس أسعارها على أسعار اللحوم البيضاء والحمراء بالتبعية، ورغم ما أثارته هذه الحلول من جدل كبير بين النخبة التي يطغى على آرائها التفكير العقلاني والعامة التي يطغى على آرائها التفكير العاطفي, فإن لا أحد يلوم الحكومة على تلك الحلول, فأول تعامل مع النار إطفاؤها بأسرع وقت ممكن وبأي طريقة كانت دون استنفاد الوقت للتفكير في حلول ابتكارية، ولا شك أن لهب نار الأسعار حرق قلوب المواطنين قبل جيوبهم ما جعل الحكومة تتدخل لإطفاء نار الأسعار بالدعم المالي للأساسيات الاستهلاكية من وقود وغذاء بشكل سريع بدعم أسعار هذه السلع ماليا كمسار رئيسي ووحيد دون تفعيل أي مسارات أخرى.
في لقاء لي في قناة ''العربية'' ردا على سؤال حول رأيي في هذا النوع من الدعم وصفته بأنه دعم كسول وهو وإن أسهم في معالجة آثار التضخم في المدى القصير جدا إلا أنه سيولد مشكلات كثيرة ومتعددة منها الإسراف في الاستهلاك، ومنها تولد الأسواق السوداء، والتهريب للأسواق الخارجية، والاستخدامات لغير أغراض الدعم، والكسب الجشع وغير المشروع، وهو ما يعني وصول الدعم لجهات عديدة قد يكون آخرها المستهلك المستهدف من هذا الدعم، وطالب بالتحرك باتجاه الدعم الفاعل الذي يجعل الدعم يصل إلى المستهلك المستهدف دون غيره ودون خلق هذه المشكلات.
وأثناء تصفحي موقع صحيفة ''سبق'' الإلكترونية وقعت عيناي على خبر يشير إلى إحدى المشكلات التي أشرت إليها في هذا اللقاء, حيث يقول الخبر إن بعض التجار السعوديين ورغبة في تحقيق أرباح كبيرة على حساب مربي المواشي يقومون حاليا بتجفيف الشعير عالميا بهدف رفع أسعاره محليا لاستغلال الدعم الحكومي للشعير الذي يستهدف المستهلك أولا وأخيرا، ولا شك أن هذا ممكن خصوصا أن الإنسان بطبعه طموح يتحول إلى طماع ثم جشع كلما رأى الفرصة سانحة أمامه لتحقيق مزيد من الأرباح بقليل من الحيل والإجراءات وإن كانت على حساب الوطن والمواطن ولن يعدم التبرير لنفسه أولا وللآخرين ثانيا لتبرير ما يقوم به لتحقيق أرباح فاحشة.
ليس خطأ ما قامت به وزارة المالية باستخدام الدعم المباشر لمشتريات التجار من المواد الأساسية ومنها الشعير الذي تستهلك بلادنا حاليا نحو نصف الإنتاج العالمي منه رغم الآثار السلبية في السوق، ولكن الخطأ الاستمرار في هذا النوع من الدعم الذي سميته الدعم الكسول إذ عليها أن تتجه للدعم الفاعل بالتحرك في عدة مسارات رئيسة أخرى جنبا إلى جنب مع مسار دعم التجار الموردين للشعير لدعم المستهلك والسوق معا. ولو ركزنا على موضوع الشعير كموضوع مثار حاليا حيث يطالب مربو المواشي (أغنام وإبل) الحكومة بضرورة التدخل السر يع لمعالجة الارتفاعات غير المبررة لأسعاره رغم انخفاض معدلات التضخم عالميا كنتيجة طبيعية وحتمية للأزمة المالية الحالية، لتبين لنا أن بإمكان الوزارة أن تتحالف مع عدة أطراف لتفعيل عدة مسارات لمعالجة ارتفاع الاسعار بعد أن تحلل أسباب هذا الارتفاع المصطنعة التي يقف وراءها بكل تأكيد من يرغب بتحقيق أرباح فاحشة في زمن قصير باستغلال فرصة الدعم المالي.
من هذه الجهات وزارة الزراعة حيث بإمكانها إيجاد حلول لتخفيف استهلاك كميات كبيرة من الشعير من خلال إيجاد بدائل للشعير كمدخل في تصنيع الأعلاف المركبة، واشتراط جرش الشعير لتقليل الفاقد منه كما هو الوضع حاليا حيث تهضم المواشي نحو 70 في المائة مما تأكل من الشعير المعبأ في الأكياس قبل جرشه بينما تخرج 30 في المائة منه على شكل فضلات, وهو ما يعني أن المملكة تستطيع توفير نحو مليوني طن سنويا بهذه الطريقة فقط، ولكم أن تتخيلوا ما أثر تخفيض الطلب على الشعير بما يعادل مليوني طن سنويا في أسعاره ، فماذا لو أضفنا إليها ما سيخفض نتيجة تخفيض نسبة الشعير في تصنيع الأعلاف المركبة.
أيضا يمكن لوزارة المالية أن تتعاون مع وزارة التجارة بخصوص إيجاد بديل لتوفير اللحوم الحمراء بطريقة أخرى غير استيراد الأغنام من الخارج التي تتم تغذيتها لمدة طويلة بأعلاف مدعومة لتسمينها لتكتسي بالشحوم لتباع بأسعار أغلى على المواطن ونحن نعلم أن تلك الشحوم لا فائدة منها سوى رفع نسبة أمراض القلب والأوردة والشرايين وما ينتج عنها من مضاعفات. وأخيرا أعتقد أنه يمكن التعاون مع الجهات ذات الصلة بمعرفة عدد وملاك المواشي (مثل مصلحة الزكاة أو وزارة الزراعة) لدعمهم بشكل مباشر دون الحاجة إلى دعم كيس الشعير الذي بات يشتريه الجميع بسعر مدعوم حتى أولئك الهواة الأثرياء الذين لا دخل لهم بأسواق اللحوم الحمراء أو البيضاء, كما أشار الخبر حيث كثير من أثرياء الدول المجاورة, فضلا عن مواطني المملكة يستفيدون من هذا الدعم السخي، ولا شك أن هناك حلولا أخرى فاعلة فهل نرى وزارة المالية تتحرك نحو الدعم الفاعل؟ كلنا أمل في ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي