السعودية تكثّف العمل في إنتاج الغاز لمقابلة التصاعد المستمر في الاستهلاك

السعودية تكثّف العمل في إنتاج الغاز لمقابلة التصاعد المستمر في الاستهلاك

تسارعت الخطى في السعودية لتنشيط العمل في مجال الغاز ومقابلة الطلب الداخلي المتنامي بهدف الوصول إلى أن يكون نصف الطاقة المستخدمة محليا منه، فشركة جنوب الربع الخالي المكونة من قبل «أرامكو السعودية» وشركة رويال دتش شل ستقوم خلال الشهر الحالي بحفر بئر رابعة للبحث عن الغاز الطبيعي، كما يخطط للعمل أن يبدأ في البئر الخامسة في الشهر المقبل. ووفقا للبرنامج يتوقع حفر بئرين أخريين حتى تموز (يوليو) من العام المقبل، ثم يتم تقييم النتائج ومن ثم الدخول في برامج أخرى للاستكشاف إذا جاءت نتيجة التقييم مشجعة. ومن المناطق التي تعمل فيها الشركة حقل كدن، الذي سبق لـ «أرامكو» اكتشافه ويقع بالقرب من حقل الشيبة في الربع الخالي، وهو يحتوي على غاز مر، كما توجد سوائل تحتاج إلى إزالة الكبريت قبل استغلالها.
ومن ناحية أخرى تشير المعلومات المتداولة في أروقة الصناعة إلى أن شركة صينوبيك الصينية تستكمل عملها في البئر السابعة بحثا عن الغاز في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وهي تعمل وفق برنامج للحفر مخطط له أن يستمر لفترة عشر سنوات يقدر أن تكون تكلفته في حدود 300 مليون دولار.
و«صينوبيك» لها اتفاق مع «أرامكو»، حيث تتشاركان بنسبة 80 في المائة لصالح «صينوبيك» والباقي لـ«أرامكو» للعمل على مساحة 38 ألف كيلو متر مربع في جنوب حقل الغوار الضخم، شرقي السعودية. والمنطقة تتمتع بخصائص جيولوجية صعبة، والآبار يتم حفرها على عمق خمسة إلى ستة أمتار وتستغرق عمليات الحفر عدة أشهر لاستكمالها.
والشـــركتان تعملان في إطار ما عرف بمبادرة الغاز، التي انطلقت في العقد الماضي وتبلورت قبل بضع سنـوات، ببروز الشـركات الأوروبية والصينية والروسية شــريكا أســاسيــا بعد تقليص حجـــم المشـاريع واستعــاد الأجزاء المتعلقة بالبتروكيماويات وغيــــرها التي كانت ملحقــة بهـــذه المشاريع في صيغتها الأولى.
كذلك تعتزم «أرامكو» دعوة المقاولين لتقديم عروض لإقامة مرافق للغاز في حقلي العربية والشيبة في الربع الخالي في العام المقبل، ويتوقع أن تتم ترسية العقود الخاصة بالمشروعين في أيلول (سبتمبر) المقبل وأن تغطي العروض جوانب التصاميم الهندسية، والإدارة للمشروعين إبان مرحلة الإنشاء، ويتوقع للمشروعين أن يوفرا إمدادات للغاز تصل إلى 1.8 مليار قدم مكعب من الغاز يوميا.
ويرى محللون أن السعودية اتجهت في الفترة الأخيرة إلى التركيز على العمل في ميدان الغاز وذلك لتصاعد الطلب من ناحية على استخدامه خاصة في ميادين الصناعة والبتروكيماويات تحديدا، وكذلك محطات تحلية المياه وغيرها.
والنمو المتوقع في الطلب على الغاز يعود إلى كثير من المشاريع التي ستؤثر في النشاط الاقتصادي مثل المدن الأربع الكبرى: مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وتلك المقامة في حائل وجيزان، إلى جانب المدينة المنورة، والأخيرة ستركز على الجانب المعرفي. المدن الأربع خطط لها أساسا أن تكتمل في 2020، وذلك قبل متغيرات الأزمة المالية والاقتصادية الحالية. وهذه المدن يتوقع لها أن تسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 150 مليار دولار، وإضافة ما يتجاوز مليون فرصة عمل، وبما أنها ستحتاج إلى إنفاق نحو 120 مليار دولار على البنية الأساسية، فكذلك سيكون الطلب قويا على الكهرباء خاصة أنه ستكون هناك عدة مشاريع مصاهر للألمنيوم، ما يتطلب توافر طاقة لتسيير العمل فيها. وهناك تقديرات بحجم استثمارات يخطط لها في حدود 30 مليار دولار لتطوير صناعات تعتمد على الغاز حتى عام 2013.
ومن جانب آخر، فإن التراجع فيما يخص الطلب الذي تشهده السوق النفطية واستكمال بعض مشاريع التوسعة أديا إلى أن تتمتع السعودية بأكبر طاقة إنتاجية وصلت إلى 12 مليون برميل يوميا. ونتيجة لذلك أصبحت لديها طاقة فائضة لم تعرفها من قبل إذ تصل إلى ضعف ما تعتمده كاستراتيجية من الحفاظ على مليون ونصف المليون إلى مليوني برميل يوميا طاقة إنتاجية فائضة يتم اللجوء إليها في حالات الطوارئ وحدوث انقطاع في أي مكان في العالم بما يؤثر في السوق.
وتتمتع السعودية بنسبة نمو عالية في الاستهلاك المحلي للغاز، إذ تصل النسبة إلى نحو 7 في المائة سنويا، وهو حاليا يصل إلى نحو سبعة مليارات قدم مكعب يوميا ومضاعفته إلى 15 مليارا بحلول العام المقبل. وهي بذلك واحدة من أكبر عشر دول في العالم فيما يتعلق بالطلب على الغاز، وهي بالترتيب وحسب الكتاب الإحصائي السنوي لشركة «بي. بي»: الولايات المتحدة، روسيا، إيران، كندا، اليابان، ألمانيا، الصين، السعودية، وإيطاليا.
ونمو الطلب على استخدام الغاز في السعودية يبدو جزءا من ظاهرة عامة في دول مجلس التعاون الخليجي التي يتوقع لها الخبراء أن تواجه عجزا في إمدادات الغاز بحلول عام 2015، نسبة للنمو المتواصل في الطلب وعدم توافر الإمدادات اللازمة ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.
أحد متاعب السعودية أن معظم الغاز المنتج يخرج مصاحبا للنفط الخام، وأن أقل من النصف أو 40 في المائة تحديدا من احتياطيات الغاز الموجودة يعتبر غازا غير مصاحب، أي يمكن استخراجه وحده دون أن يكون مصاحبا للنفط، وهذا ما هدفت إليه مبادرة الغاز التي طرحت في 2003، التي فازت بها شركات أمريكية أساسا وفيما بعد صينية وروسية وأوروبية. وكانت تلك أول مرة بعد إنشاء «أرامكو» يتم فيها السماح لشركات أجنبية بالعمل في السعودية، حيث تم تحديد بعض مكامن الغاز في الربع الخالي، وخاصة الغاز غير المصاحب في حقول الغوار وبيري، القطيف، الدمام وبقيق، بينما منطقة جنوب الرياض في حقلي الحوطة ونعيم يعتبر الغاز من النوع المصاحب.
وفي تقدير لوزير النفط المهندس علي النعيمي أن الاحتياطيات من الغاز ستزيد بنحو 100 مليار قدم مكعب، أو بزيادة 40 في المائة خلال فترة عشر سنوات، كما أن المبيعات المحلية مرشحة أن تقفز بنحو 40 في المائة هي نفسها في غضون خمس سنوات.
وأدى اكتمال مشاريع رفع الطاقة الإنتاجية في مجال النفط الخام، إلى توجيه معظم الجهود إلى جانب الغاز غير المصاحب. ويظهر هذا في أن غالبية المنصات والحفارات العاملة البالغ عددها هذا العام 104 تعمل في ميدان البحث والتنقيب والتطوير لمكامن الغاز الطبيعي، وذلك وفق تصريحات للمهندس خالد الفالح رئيس شركة أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين في الفترة الأخيرة.
والتركيز على الغاز غير المصاحب سيوفر مرونة للسعودية، لأن الاعتماد على الغاز المصاحب يصبح مشكلة عندما يتراجع حجم إنتاج النفط الخام إما لظروف تتعلق بالسوق وإما تقيدا ببعض قرارات «أوبك» الخاصة بتقييد الإنتاج دعما للأسعار كما حدث عدة مرات من قبل. ولهذا فالاتجاه إلى تكثيف عمليات التنقيب والاستكشاف لاستخراج الغاز غير المصاحب يساعد على توسيع هامش المرونة والتحرك وتقليل التأثيرات الجانبية على الصناعة البتروكيماوية وغيرها. ومع أن الكتاب الإحصائي لا يعطي تفسيرات واضحة تسلط الأضواء على هذا الجانب، إلا أنه يمكن استخلاص حقيقة أن التصاعد في حجم إنتاج الغاز يعود في جزء منه إلى نمو حجم إنتاج الغاز غير المصاحب.
ومعروف أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة من ناحية احتياطي الغاز بالنسبة للدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط «أوبك» بعد إيران وقطر، كما تأتي بعد الجزائر عندما يتعلق الأمر بالإنتاج، لكنها حققت تقدما ملحوظا فيما يتعلق بحجم الاكتشافات التي تضيفها إلى ما هو متاح لديها. ويظهر هذا في أنها تجاوزت الإمارات التي كانت تتفوق عليها حتى عام 1997. كما أن حجم الإنتاج السعودي من الغاز الطبيعي سجل قفزات كبيرة منذ مطلع هذا العقد، فمن إنتاج 57.32 مليون متر مكعب عام 2002 إلى 80.44 مليون العام الماضي، ويبدو الجهد واضحا للاستفادة من هذا المادة في ميادين التصنيع خاصة الصناعة البتروكيماوية والاستفادة من الميزة النسبية التي يوفرها اللقيم هذا إلى جانب الاستهلاك المحلي سواء باستخدام الغاز في بعض محطات تحلية المياه أو توليد الكهرباء.

الأكثر قراءة