رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«الصحة» بين دعوى شح الموارد المالية وغياب آلية لاستثمارها

توفير الخدمات الصحية بجودة معقولة ''ولا أقول عالية'' من الهموم التي تشغل تفكير المواطن منذ فترة طويلة. لذا دعمت حكومة خادم الحرمين الشريفين ليس فقط ميزانية وزارة الصحة ـ بل صناعة القرار الصحي بشكل مشاهد وجلي لكل مهتم بالشأن الصحي.
في السابق كان تبرير سوء الخدمات الصحية بضعف الاعتمادات المالية المخصصة للصحة، وإن كنت شخصيا أؤمن بأن ضعف الاعتمادات المالية كان أحد الأسباب، لكن لم يكن السبب الوحيد لسوء الخدمات الصحية. ففي السابق كانت النسبة المخصصة للصحة في بعض البلاد المتقدمة في حدود نسبة وزارة الصحة من الميزانية الحكومية وفي حدود 5 في المائة، ومع ذلك كانت مخرجات تلك الدول الصحية أفضل بكثير من مخرجاتنا الصحية.
لقد ذكرت في أكثر من مقال أن غياب توافر استراتيجية وطنية للخدمات الصحية يقود للتخبط في تحديد أولويات قنوات الصرف الصحية. فالميزانية الصحية مهما بلغ حجمها لن نستطيع أن نغطي كل الاحتياجات الصحية، لذا دائما ما كان تحديد أولويات الصرف مفتاح نجاح استثمار الميزانية الصحية.
من الملاحظ أنه عند حديثنا عن واقعنا الصحي فإننا نقارنه أحيانا بالنظام الصحي البريطاني وبالنموذج الأمريكي مرة أخرى، وفي مناسبة أخرى نقارنه بالنظام الصحي الألماني. ومن المعلوم أن لتلك النظم الصحية أولوياتها التي ليس بالضرورة أن تتناسب مع أولويات خدماتنا الصحية.
تأكيدا لما بدأت به مقالي من أن المشكلة ليست في ضعف الموارد المالية على أهميتها لكن في كفاءتها بسبب بسيط أنها لا تراعي تحقيق التوازن بين ما يصرف لإنشائها وبين مرود خدماتها the outcome. ولعلي أقصر إثبات ذلك على مثلين فقط:
المثال الأول عن الاطلاع على عدد المراكز الصحية التي تقارب ألفي مركز صحي، حسب تقرير وزارة الصحة، فإن التقرير يقول إن 75 في المائة من هذا العدد الكبير من المركز لا تتوافر فيها أجهزة أشعة. كما أن نصفها لا تتوافر فيها خدمات الأسنان. كما أن ربع هذه المراكز لا يوجد فيها مختبر. السؤال المهم: إذاً ماذا نتوقع من مراكز لا تقدم الحد الأدنى من الخدمات المتوقعة من مراكز رعاية أولية, ولماذا يتم افتتاحها إذا لم تكن قادرة على تقديم رعاية صحية؟ وماذا يقدم مركز لا يتوافر فيه مختبر وجهاز أشعة وبشكل أقل أهمية مركز أسنان؟
هل الهدف زيادة أرقام المراكز الصحية المسجلة في كشوف وزارة الصحة؟
عندما أحالت وزارة الصحة البريطانية تشغيل مراكز الرعاية الأولية إلى أطباء متخصصين في الأسرة والمجتمع أعتبر جزء من تقييمها تحقيقها أهدافا محددة ومتفقا عليها مسبقا وتعدل بشكل مستمر.
فمثلا عدد مَن ترك التدخين من سكان الحي كان إحدى دلالات نجاح مراكز طب الأسرة والمجتمع، فضلا عن تحقيقها نتائج إيجابية لمرضى السكري والضغط وغيرهما.
لا شك أن استرجاع الثقة بمستوى الخدمة المقدمة من قبل هذه المراكز يساعد على الحد من الازدحام الكبير وطلب الخدمة عبر المستشفيات العامة أو التخصصية.
إنني على ثقة أن تفعيل دور مراكز الرعاية الأولية لتقدم رعاية صحية شمولية يجنبنا عناء التوسع في زيادة عدد المستشفيات. كما أن هذه المراكز ستساعد على إعطاء رؤية أكثر وضوحا لطبيعة الأمراض التي نحتاج إلى التوسع في خدماتها عند تشييد مستشفيات مستقبلا. فمن البديهيات أن تكلفة الخدمة العلاجية المقدمة من قبل مراكز الرعاية الأولية أقل من مثيلاتها التي تقدم عبر المستشفيات, لكن مستشفياتنا تغص بحالات صحية يمكن لمراكز الرعاية الأولية أن تتعامل معها.
المثال الثاني تشكل مستشفيات وزارة الصحة التي بحدود 50 سريرا نصيب الأسد من عدد مستشفياتها، بينما يبقى عدد المستشفيات التي يتوافر فيها عدد أسرة بين 300 سرير إلى 400 سرير عددا محدودا. ومن المعلوم أن الاستفادة القصوى من ميزانية المستشفى يمكن أن تتحقق للمستشفيات التي فيها أسرة بين 300 إلى 400 سرير حسب ما تخبرنا به كتب اقتصاديات الصحة. كما أن زيادة عدد أسرة المستشفيات على 500 سرير تقود إلى ضعف في إدارة والتحكم في جودة الخدمة المقدمة. وفي الجانب الآخر نجد أن المستشفيات التي تقل عن 300 سرير تعتبر تكلفتها التشغيلية مرتفعة وتعتبر هدرا في الميزانيات الصحية.
لا شك أنه في حالات محدودة يتم تجاوز النظرة الاقتصادية كبعد مستشفيات قريبة من المنطقة لكن لا تشكل الشريحة الأكبر من أعداد مستشفيات وزارة الصحة.
أعتقد أن معالي وزير الصحة قد لا يكون له علاقة بالحقيقة المرة لضعف كفاءات مستشفيات ومراكز الرعاية الأولية بسبب حداثة تسلمه مقاليد الوزارة، لكن معاليه بحاجة إلى وضع استراتيجية لتحوير الأعداد الوهمية لأعداد حقيقية تقدم خدمات صحية واقعية. لذا فإن الوزارة بحاجة إلى تبني قرارات شجاعة من أجل الحد من أعداد المستشفيات التي تقل عن 50 سريرا وتحويلها إلى مراكز طب أسرة ومجتمع، فهي أوفر للميزانية. كما يمكن استثمار ميزانية تلك المستشفيات الهزيلة إلى مراكز تقدم الرعاية الصحية الشاملة. فلمعالي الوزير تجربة ناجحة في إنشاء مراكز طب الأسرة والمجتمع عندما كان على رأس الهرم الصحي في الشؤون الصحية بالحرس الوطني. كما يمكن ضم تلك المستشفيات القريبة من بعض لتشكل مستشفى واحدا يحقق المعادلة الاقتصادية، كما يرفع جودة الخدمة المقدمة في ظل ضعف الكوادر الطبية في تلك المستشفيات.
لا شك أن تبني سياسة الإنشاء وزيادة عدد المستشفيات يعتبر أكثر جاذبية من تطوير مستوى الخدمات الصحية لكون الأول رقما ملموسا Tangible Services ، بينما الخيار الثاني ليس له واقع ملموس، لذا نجد أن تطوير مستوى الخدمة ربما لا يكون له رونق تشييد مزيد من المستشفيات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي