رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مضاربو النفط في قفص الاتهام مرة أخرى

عادت قضية المضاربات ودورها في رفع أسعار النفط إلى الظهور مرة أخرى, هذه القضية التي شغلت السياسيين والاقتصاديين, سواءً في المجال المهني أو الأكاديمي في صيف 2008 عندما بلغت أسعار النفط أرقاماً قياسية لم تبلغها من قبل، تشهد تحولاً جديداً في مسارها. فعندما بدأ كثير من السياسيين في إلقاء اللوم على المضاربين في رفع أسعار النفط بشكل مصطنع ومبالغ فيه، نافح كثير من الممارسين في البنوك الاستثمارية عن ذلك بحجة أن المضاربات تركز على السوق المستقبلية وليس على السوق الفورية، وأنه يتم تسويتها دون أن تؤثر في الإنتاج، وبالتالي فليس لها دور حقيقي في رفع أسعار النفط.
ودعم هذا التوجه نتائج الدراسة السابقة التي قامت بها هيئة أسواق السلع الأمريكية التي أظهرت أن لا علاقة مباشرة للمضاربين بارتفاعات السلع التي حدثت ذلك الوقت. لكن حسب هيئة السلع الأمريكية، فإن تلك الدراسة قامت على بيانات معيبة، ما استدعى القيام بدراسة أخرى باستخدام بيانات أفضل من سابقتها, وأظهرت النتائج وجود علاقة مباشرة بين ارتفاعات أسعار النفط وبين نشاط المضاربين في سوق عقود المستقبليات.
هذه النتيجة سيكون لها بالتأكيد أثر كبير في الطريقة التي سيتم بها تنظيم عقود المستقبليات من حيث قيمة الاستثمارات في عقود مستقبليات النفط التي يمكن للمؤسسة الاستثمارية حيازتها، كما تأتي انعكاساً للتوجه السياسي لإدارة الرئيس أوباما الذي يسعى إلى الحد من حرية تلك المؤسسات الاستثمارية التي كانت سبباً مباشراً في الأزمة المالية التي يواجهها العالم اليوم. وبالطبع فإن هذا التوجه يصب في مصلحة منتجي النفط الذين واجهوا ضغوطاً كبيرة إبان ارتفاع أسعار النفط والذين دافعوا ذلك الوقت بأن الارتفاعات لا تعكس أساسيات العرض والطلب ولكنها تأتي نتيجة سلوك المضاربين غير المبرر.
وعلى العكس من قرار هيئة أسواق السلع الأمريكية، فلم تجد هيئة الخدمات المالية البريطانية من خلال الدراسات التي قامت بها وجود علاقة بين نشاط المضاربين وارتفاع أسعار النفط. وبالطبع قد يكون لهم مغزى من ذلك وهو الاستفادة من التوجه الأمريكي في تقييد الاستثمارات في أسواق السلع في جذب المزيد من الاستثمارات إلى السوق البريطانية، ولتظهر وكأنها أكثر ليبرالية من السوق الأمريكية التي تتجه إلى مزيد من تقييد أيدي المستثمرين في مختلف النشاطات الاستثمارية.
ويبدو لي أن مشكلة مَن يؤمنون بعدم وجود علاقة بين المضاربات في السوق المستقبلي وأسعار النفط في السوق الحالية هي عدم قدرتهم على إيجاد ربط منطقي بين النشاط في السوقين وكيفية تأثيره في السعر. فالنشاط في السوق المستقبلية لا ينتج عنه عادة تداول لكميات مادية حقيقية وإنما كميات على الورق ويتم تسويتها بتحرير عقود معاكسة. بمعنى أن شراء عقد مستقبلي لشراء كمية محددة من براميل النفط في تاريخ مستقبلي محدد مسبقاً يمكن تسويته في المستقبل بتحرير عقد معاكس وتسوية قيمة الفرق بين العقدين سواءً بالربح أو بالخسارة.
كيف يمكن أن تؤثر زيادة العقود المستقبلية - عقود الشراء مثلاً - في أسعار النفط الحالية؟ حجة مَن يقولون بعدم تأثيرها هو عدم وجود تأثير في الكميات الفعلية المعروضة والمطلوبة في سوق النفط. هذا صحيح بالطبع، لكن تخيل أنك في سوق لبيع التمور ولاحظت أن هناك مجموعة من الأشخاص تراهن على وضع السوق في المستقبل. فمنهم من يتوقع أجواءً سيئة, وبالتالي كميات إنتاج أقل, ومن ثم أسعار أعلى، ومجموعة أخرى تراهن على العكس، لكن المجموعة التي تراهن على الحالة الأولى بدأت في الازدياد وبدأت نسبة المراهنين في هذا الاتجاه في الارتفاع، كيف سيكون سلوك المتعاملين في السوق الحالية؟
يجب أن نعرف أن هناك تأثيراً في سلوك المستثمرين في السوق الحالية، وإن لم ينعكس على الكميات الحالية، فهو سيكون تأثيرا نفسياً بحت. وأعتقد أن هذا ما لا يستطيع كثير من المحللين رؤيته عند تطرقهم لهذا الموضوع, لأنهم يبنون عملية التحليل على عوامل أساسية دون إعطاء العوامل السلوكية حقها من التحليل، ما يجعلهم يخرجون بتلك النتائج. لذلك فإنني أعتقد أن الحل لهذه المسألة سيكون بأيدي خبراء التحليل الاقتصادي السلوكي الذي يعد مجالاً جديداً وخصباً في الاقتصاد وينال اهتماماً متزايداً مع الوقت

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي