معدل التضخم السعودي
يعرف التضخم على أنه الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية. ويقاس بما يعرف بمعدل التضخم. ويعرف معدل التضخم على أنه معدل التغيّر في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية خلال فترة زمنية معينة، دون تغيّر في خواص أو مواصفات السلع والخدمات الاستهلاكية.
عادة ما يقاس معدل التغيّر في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بمعدل التغير لمجموعة من السلع والخدمات الاستهلاكية. يطلق على هذه المجموعة سلة المستهلك. وتتباين مكونات هذه السلة من منظومة اقتصادية إلى أخرى حسب تباين النمط الاستهلاكي لدى أفراد المنظومة الاقتصادية الواحدة.
دائما ما يرتبط الحديث عن أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية بالقدرة الشرائية للفرد أو المستهلك داخل المنظومة الاقتصادية الواحدة. وعادة ما تقاس هذه القدرة الشرائية بمتوسط دخل هذا الفرد أو المستهلك خلال الفترة الزمنية المعينة ذاتها.
لعل من المناسب تمثيل علاقة التجانس هذه بين التضخم، ومعدله، وأسعار السلع والخدمات الاستهلاكية، وسلة المستهلك، والقدرة الشرائية، ومتوسط الدخل من خلال محاكاة التغير في سلة مستهلك تحتوي على سلعة رئيسة واحدة فقط هي الأرز.
وبافتراض أن سعر كيس الأرز ومتوسط دخل الفرد في الشهر الماضي 100 ريال، و200 ريال، على التوالي. ثم زاد سعر الكيس ذاته إلى 120 ريالا في الشهر الحالي، دون تغيّر حقيقي في كمية الأرز في الكيس الواحد، أو جودته، أو سنة حصاده، مع بقاء متوسط دخل الفرد دون تغيير عند 200 ريال.
تمثل هذا التطور، أولا، زيادة سعر كيس الأرز بمقدار 20 في المائة. وثانيا، تراجع القدرة الشرائية للفرد بمقدار 16.67 في المائة. وثالثا، زيادة تكلفة المعيشة بمقدار 20 في المائة. ورابعا، زيادة في معدل التضخم بمقدار 20 في المائة.
يقودنا الحديث عن سلة المستهلك ودورها في قياس معدل التضخم إلى الحديث بشكل مختصر عن محتويات سلة المستهلك السعودي وآليات قياسها. تتولى مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية منذ نهاية السبعينيات الميلادية مهمة تطوير محتويات سلة المستهلك وآليات قياسها.
تحتوي سلة المستهلك على عدد 406 سلع وخدمة استهلاكية، موزعة على ثمانية بنود استهلاك رئيسة. تأخذ السلة أسعار هذه السلع والخدمات في 16 مدينة سعودية بهدف الحصول على معدل تمثيلي للأسعار على مستوى المملكة. يسمى هذا المعدل المنتج الرقم القياسي لتكاليف المعيشة.
تشير مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية إلى أن الرقم القياسي لتكاليف المعيشة لجميع السكان قد تغيّر من 100 نقطة في 1999، مروراً بـ 97.8 نقطة في 2001، كأدنى مستوى وبالتالي أقل تكلفة معيشة، وصولاً إلى 116.5 نقطة في 2008، كأعلى مستوى وبالتالي أكثر تكلفة معيشة.
تشير هذه الإحصاءات كذلك إلى أن متوسط دخل الفرد قد تغيّر من 30.210 ريال في 1999، مروراً بـ 32.712 ريال في 2001، كأدنى متوسط دخل، وصولاً إلى 59.016 ريال في 2008، كأعلى متوسط دخل. تحمل هذه الإحصاءات في طياتها مجموعة من الملاحظات.
من أهم هذه الملاحظات التجانس بين الرقم القياسي لتكاليف المعيشة ومتوسط دخل الفرد. فعندما تراجعت تكلفة المعيشة إلى أدنى مستوى في 2001، انخفض متوسط دخل الفرد إلى الحد الأدنى. والملاحظة ذاتها يمكن مشاهدتها عام 2008.
ولكن ماذا عن انعكاسات هذه الإحصاءات على معدل التضخم خلال الفترة ذاتها؟ تشير بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن معدل التضخم للاقتصاد السعودي تغيّر من دون 1 في المائة قبل 2000، مروراً بـ 2.25 في المائة في 2006، وصولاً إلى 9.87 في 2008.
اتسم هذا المعدل طيلة العقد الميلادي الحالي بالاتجاه التصاعدي. لعل من المسببات لعدم حدوث التجانس أسوة بالرقم القياسي لتكاليف المعيشة ومتوسط دخل الفرد مراعاة معدل التضخم لمتغيرات اقتصادية أخرى كمعدل الناتج المحلي.
يقودنا نقاش معدل التضخم وحيثياته إلى قراءة مستقبل الاقتصاد السعودي من واقع معدلات التضخم وجزئياتها خلال العقد الحالي. مر الاقتصاد السعودي خلال رحلة عبور الموجة الخمسينية الأولى (1950 - 2000) بخمس موجات صغيرة، تراوحت الواحدة في طولها قرابة الأعوام العشرة، وجسدت في رحلتها حالة من التأسيس، والنمو، والتباطؤ.
صنفت الموجة الصغيرة الأولى (الخمسينيات الميلادية) بمرحلة تأسيس بما يتوافق ومتطلبات الاقتصادات الناشئة في منظومة الاقتصاد العالمي. وصنفت الموجة الصغيرة الثانية (الستينيات الميلادية) والثالثة (السبعينيات الميلادية) على أنهما موجتا نمو، أسهمتا في ضخ الوقود الكافي لعبور الموجة الخمسينية الأولى بنجاح. وصنفت الموجة الصغيرة الرابعة (الثمانينيات الميلادية) والخامسة (التسعينيات الميلادية) على أنهما موجتا تباطؤ، أسهمتا في إعادة ترتيب الأولويات بما يضمن السيطرة على تحديات تلك الفترة.
بدأ الاقتصاد السعودي مطلع هذا العقد رحلة عبور الموجة الخمسينية الثانية (2000 - 2050) بعد أن عبرت الموجة الخمسينية الأولى (1950 - 2000) بنجاح، مسجلا مستويات اقتصادية مرموقة ستمكنه، بإذن الله، من مواصلة المسيرة بما يعود بالنمو والرخاء المستديمين على جميع مكوناته.
يعد العقد الحالي مرحلة إعادة تأسيس الاقتصاد السعودي. تشابه هذا العقد في ظاهره مع الموجة الصغيرة الأولى (الخمسينيات الميلادية). يستعد الاقتصاد السعودي خلال الفترة المقبلة إلى الدخول في مرحلة نمو شبيهة في ظاهرها بالموجة الصغيرة الثانية (الستينيات الميلادية). تباينت كلا المرحلتين في جوهرها بتباين معايير الماضي عن المستقبل.
من أحد هذه المعايير الجوهرية ظاهرة التضخم، والتي لم تكن تورّق الاقتصاد السعودي خلال الموجة الخمسينية الأولى. وظهور مثل هذه الظاهرة صحي في حد ذاته كونها لا تظهر إلا في الاقتصادات المتقدمة.
من الأهمية بمكان العمل على آليات بمعايير المستقبل، عوضا عن الماضي، تكون قادرة ليس على توجه هذه الانعكاسات المتوقعة على نمو الاقتصاد السعودي خلال المرحلة المقبلة نحو الطريق الإيجابي فحسب، وإنما على الاستدامة في السير على الطريق الإيجابي بما يضمن تحقيق آفاق الاقتصاد السعودي بنهاية المرحلة الخمسينية الحالية، بعون الله تعالى وتوفيقه.