رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التطوير العقاري الشامل .. متى يصبح نظاما إلزاميا؟

نسير في أحيائنا القديمة في مدينة الرياض، والتي مضى عليها أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، فنرى معظمها متهالك المساكن ومهجورا وتحول سكانه إلى أحياء أخرى تاركين تلك الأحياء لتصبح بؤر فقر وتخلف رغم اكتمال بنيتها التحتية بعد عقود من الزمن لتصبح تلك الأحياء عبئا على الدولة بما يستدعي التفكير في إعادة تطويرها من جديد كما هو الحال وسط مدينة الرياض، ولاشك أن في ذلك تبديدا كبيرا للثروة الوطنية، إذ تهالكت العقارات في تلك الأحياء وتناقصت قيمتها بمرور الزمن بدل أن تتعاظم كما هو الحال في الكثير من الدول المجاورة.
ونسير في أحيائنا التي مضى عليها حوالي العقدين فنرى التقادم على المساكن المقرون ببداية هجرة للأحياء الشمالية، إضافة إلى التباين العجيب في الوحدات السكنية التي تتخللها أراض فضاء تملؤها الردميات والحجارة رغم مرور أكثر من عشرين سنة على هذه الأحياء، حيث ما زال سكانها يسمعون بين الفينة والأخرى أصوات المعدات الثقيلة معلنة بداية إنشاء عقار جديد، كما نرى الطرق التي حفرت لأكثر من مرة لاستكمال البنية التحتية مليئة بالحفر والتشققات، أما عمليات الترميم لكثير من المساكن والتي تتطلب مبالغ كبيرة تعادل في كثير من الأحيان قيمة فيلا جديدة فحدث ولا حرج.
وعندما نسير في الأحياء الجديدة فإننا نعلم علم اليقين أن الخطأ ما زال يتكرر حيث التباين في المساكن، حيث تستطيع أن ترى العمارة والفيلا والديبلكس والاستراحة في شارع واحد وبجانبها أرض يقع عليها برج جوال، وهذا بخلاف التباين في الشكل والمواد الخارجية المستخدمة، حيث لا معايير لأي منطقة يجب أن يلتزم بها المطورون لعقاراتهم، كما ترى الردميات المؤذية للعين والحفريات لإيصال التيار الكهربائي وخدمات الهاتف الأرضي والصرف الصحي إلى غير ذلك من الخدمات، كما ترى المساكن كالجزر متناثرة على مساحات كبيرة من الأراضي تجعلك على يقين أن هذه الأحياء لن تكتمل إلا بعد ثلاثين سنة على أقل تقدير.
ما يجمع هذه الأحياء حديثها ومتوسطها وقديمها من حيث الزمن أن مطوريها، سواء من طور أراضيها أو مساكنها أو مرافقها وخدماتها لم يعطوا أي بعد لمكوناتها العقارية، خصوصا الإسكانية منها، سوى كونها مقرا لنشاط تجاري أو خدمي أو كونها مأوى لأسرة رغم أهمية الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والصحية والأمنية والبيئية لهذه الأحياء، ولكم أن تعرفوا أهمية بعدها الاقتصادي اليوم حيث الجميع ينظر إلى مؤشر المساكن في الولايات المتحدة الأمريكية على أنه المؤشر الحقيقي في تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية الحالية.
نعم فهذه الأحياء من الناحية الاقتصادية تعتبر أحياء متهالكة لا تحقق مبدأ تراكم الثروات ولكم أن تتخيلوا المليارات من الريالات التي اختفت في هذه العقارات ثم بدأت بالتناقص حتى التهالك بدل التعاظم، وهو ما جعل عقارات هذه الأحياء لا تصلح كضمانات طويلة الأجل تعزز سوق التمويل العقاري، كما تعزز دور السوق المالية في استجلاب الرساميل الخارجية ونقلها بين القطاعات، أما من الناحية الاجتماعية والنفسية فهي أحياء تقطع أواصر الجيرة وتبعث الضيق النفسي حيث صعوبة الخروج من المساكن والحركة والتنقل من مكان إلى آخر دون مخاطر فالحركات الثلاث (حركة السيارات والمشاة ومواقف السيارات) غير مفصولة، كما أنها أحياء تفتقر إلى الساحات والحدائق التي تجمع أهالي الحي وتسمح لهم بالتواصل ولأطفالهم باللعب واللهو.
من الناحية الأمنية في الأحياء، فهي أحياء شبكية ومفتوحة بالكامل على الأحياء الأخرى وتفتقر إلى الخصوصية، فبمجرد خروجك من منزلك تشعر بأنك في كامل مدينة الرياض لا في متجاورة ثم في مجموعة متجاورات ثم في الحي ثم المدينة، كما أن تداخل المحال التجارية الكثيرة والمتعددة، إضافة إلى حركة العمران غير المنتهية لسنوات طويلة تجعل سكان الحي لا يفرقون السكان من الغرباء ما يجعل هذه الأحياء عرضة للسرقات بشكل دائم، ومن الناحية الصحية والبيئية فإنها أحياء تفتقر إلى أرصفة واسعة وفسيحة ومشجرة تحفز السكان على ممارسة رياضة المشي، فضلا عن المشي المعتاد للوصول إلى مراكز خدمات المتجاورات المعتادة، إضافة إلى مشكلة التلوث الدائمة خصوصا التلوث البصري، حيث ألفنا مناظر الردميات والحفر والحيوانات الضالة في الكثير من الأحياء، كما افتقدنا الذوق الجمالي لدرجة كبيرة.
عندما نبحث في أسباب هذه المشاكل تتبين لنا حقيقة مؤلمة أننا في التطوير العقاري في المملكة نختلف عن الدول المتقدمة، حيث يسود التطوير الإفرادي غير المخطط طويل المدة دون معايير واشتراطات لنوع وشكل المباني والذي تلاحقه البلديات على مدى سنوات طويلة لاستكمال الخدمات من شوارع وأرصفة وحدائق وإنارة، كما تلاحقه البقية لإيصال الكهرباء والماء والهاتف، بينما الذي يسود في الدول المتقدمة بل وحتى الدول الخليجية المجاورة التطوير المؤسساتي المخطط محدد المدة وفق معايير واشتراطات صارمة تحقق استكمال الحي بكافة مكوناته التحتية والعلوية والأبنية في مدة من 3 إلى 5 سنوات.
وبعد معرفة هذه الحقيقة علمنا أن التطوير الشامل للأحياء ما زال أمرا اختياريا مع بعض الاشتراطات التي بدأت تضعها الأمانات والبلديات بمرور الوقت، وأن الأراضي المخططة والمتوقع تطويرها وفق هذه المفاهيم القديمة تعادل ضعف ما هو مطور حاليا، ولاشك أن هذه مشكلة كبيرة تجعلنا نمارس الخطأ رغم علمنا بسلبياته التي ذكرناها وأصبح يعلمها الجميع، والسؤال متى يصبح التطوير الشامل إلزاميا؟ وكيف لنا أن نشجع المطورين على الالتزام بهذا النوع من التطوير الذي دون أدنى شك سيحقق لهم أرباحا أكثر من التطوير الحالي المضر بالمجتمع والبلاد على المديين المتوسط والبعيد فضلا عن المعاناة على المدى القريب؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي