رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


صندوق التنمية العقارية .. ديونه متعثرة وحالة مأزومة!!!

هذا المقال نشر في 27 حزيران (يونيو) 2007م، يعني منذ أكثر من عامين. ولكن رأيت أنه من الضروري أن ينشر مرة أخرى لسبب بسيط، وهو أن مجلس الشورى الموقر وافق على رفع قيمة القرض المقدم من صندوق التنمية العقارية إلى 500 ألف ريال بدلا من 300 ألف ريال حالياً. فتأكد لدي أن ليس هناك نية ولا رؤية واضحة لحل حقيقي لمشكلة الإسكان في المملكة، رغم أن الحلول سهلة وميسرة إذا ما خلصت النوايا، عليه رغبت تذكير الجميع بهذا المقال.
''أعتقد جازما ورغم أن المملكة تعيش ورشة عمل كبيرة في كل المجالات، ونحن نعيش معها كمواطنين مرحلة بناء مادية وإنسانية شاملة، سواء في المشاريع الجديدة أو إكمال للبنى التحتية الأساسية أو في بناء مؤسسات المجتمع المدني، ولو على استحياء بعض الشيء، بسبب العنصر الاجتماعي المقاوم للتغير كطبيعة بشرية، إلا أن هناك بعض الجوانب التي تشهد سباتا أو ركودا غير طبيعي يحتاج إلى أن يدفع بطريقة أو بأخرى حتى وإن تطلب ذلك آخر العلاج وهو الكي، لأن سبات أو ركود تلك الجوانب يساهم بطريقة غير مباشرة في التقليل من المنجزات الأخرى، وإن كانت كبيرة وطموحة، فكل شيء مربوط بالآخر، وبالذات فيما يمس الشأن المعيشي للمواطن صاحب القضية الأكبر.
ونحن هنا لسنا بصدد سرد تلك الجوانب وإن كان هذا ممكنا، ولكن سوف أتحدث عن جانب واحد فقط أعتقد أنه كاف لإيصال الرسالة وتوضيح الصورة. ولكن قبل ذلك أود سرد بعض البديهيات والتي أولاها أن التنمية في أشكالها كافة هي للوطن والمواطن معا وليست لشيء آخر، فكل وطن هو تكوين أساسه المواطن، ودون هؤلاء المواطنين فلا وطن ولا يحزنون. البديهية الثانية أن كل الهياكل الموجودة داخل كل وطن سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية هي هياكل أنشئت لخدمة المواطن، وبالتالي عندما يكون هيكل إداري معين عائقا في سبيل تحقيق الأهداف فلا بد من وجود مشكلة ما، سواء كانت المشكلة في الهيكل نفسه أو فيمن يديرون هذا الهيكل الإداري. وقد شاهدنا الكثير من الحالات التي ما إن تغيرت الرموز التي تديرها حتى تغيرت العملية كلها بشكل إيجابي. البديهية الثالثة والأخيرة أن الأشخاص وجدوا لإدارة المنشآت ولم توجد المنشآت لخدمة مديريها أو مسؤوليها.
صندوق التنمية العقارية وفي القرن الحادي والعشرين بحاجة إلى إعادة هيكلة وفكر جديد، وقد صدر قرار تأسيس الصندوق بشكله الحالي بتاريخ 11/6/1394هـ، أي قبل أربعة وثلاثين عاماً، برأسمال 250 مليون ريال ثم تضاعف إلى أن بلغ أكثر من 92 مليار ريال بدعم سخي ومستمر من الدولة. وقد غطى الصندوق خلال عقود التنمية الثلاثة الأخيرة كل مناطق المملكة، حيث قدم قروضا لأكثر من نصف مليون عائلة سعودية، وذلك حسب آخر الإحصائيات المتوافرة لدينا، مغطيا بذلك أكثر من 3976 مدينة وقرية وهجرة في مختلف مناطق المملكة. وهو إنجاز يحسب للدولة صاحبة الفكرة وللمسؤولين عن الصندوق الذين نفذوا تلك الرغبة في تحقيق جزء من أهداف التنمية. ولكن الأمم لا تتوقف ولا تتثاءب فلابد من الاستمرار في الجري والإبداع وتحقيق المزيد للأجيال الجديدة، والتي لن تسأل عما قدم لها في السابق ولكن عما تقدمه لها الآن؟ وبأي صورة وشكل تعمل؟ وهل هي وفق رؤية الحاضر أم بأسلوب الماضي؟ إذن ما كان صالحا في زمن لن يكون في الغالب صالحا لزمان آخر وأجيال جديدة! ولهذا صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء هيئة للإسكان والتنمية العقارية في 8/5/2007م، فالحاجة تتعدى التمويل بالطريقة التقليدية إلى الابتكار وتحقيق أهداف تنموية متجددة.
أود أن أقول إنه لا يمكن أن نستمر في طريقة التفكير نفسها والتي وصل عمرها إلى قريب من 40 سنة فيما يخص صندوق التنمية العقارية، يجب أن تكون لدينا آلية عمل مبتكرة وعقول متجددة للاستمرار في خدمة الوطن والمواطن بشكل يخدم أهداف الدولة وأيضا يحقق التنمية المطلوبة للمواطن. الصندوق وبآلية العمل الحالية هو بالضبط ''كالقربة المشقوقة''، فالدعم الذي يحصل عليه من الدولة يذهب في طريق واحد ولا يعود، لأن نسبة التسديد متدنية جدا وتبقى الديون مجهولة المصير، فهل هي ديون متعثرة يمكن أن ترجع أم هي ديون معدومة رغم أن المنازل مرهونة للدولة؟ وهو الأمر الذي يجعل طوابير الانتظار في زيادة، لهذا السبب لم تستطع كل الجهود التي بذلتها الدولة تحقيق أهدافها ولن تستطيع تحقيق الرضا العام عما يقدمه الصندوق رغم الأرقام الفلكية المقدمة لدعم عمل الصندوق (92 ألف مليون ريال)، وبالتالي ما ذنب طوابير الانتظار التي قد تضطر للانتظار ربع قرن آخر للحصول على تمويل؟ لذلك وجوده بهذا الشكل الذي هو عليه الآن، والآلية الحالية لن يساعد المواطن ولن يساعد الصندوق نفسه ولن يخدم أهداف الدولة ولن يساعد القطاع المالي عموماً على الاستفادة من الدورة المالية لتلك الأموال التي تذهب في اتجاه واحد، فهو موجود وغير موجود في الوقت نفسه، وبالتالي يصبح السؤال أمام المواطن: هل ينتظر الصندوق؟ فربما يتغير الحال ويحصل على قرض، أم يذهب للقطاع المالي الذي بدأ يزحف ببط نحو التمويل العقاري بتكاليفه الباهظة على كاهل المواطن؟ ومعلوم أن نحو 20 في المائة فقط من المواطنين يمتلكون سكنا لهم ولأسرهم فيما 80 في المائة يعيشون على الإيجارات، ويحتاجون إلى أن يروا ضوءا في نهاية النفق.
وهنا أطرح للمسؤولين الاقتراح التالي لحل مشاكل الصندوق القديمة والمتجددة وتحويله من مركز تكلفة على الدولة إلى مركز مساند للدولة وللمواطن وللأهداف العليا للتنمية المستدامة. أقول وبكل بساطة ماذا لو جاء مستثمر وعرض عليكم شراء ديون الصندوق غير المسددة منذ تاريخ بدء عمله (1396هـ) وحتى اليوم، إضافة إلى الاستعداد التام للتوقيع الرسمي بعدم قيامه بمطالبته المواطنين بتسديد تلك الديون المتراكمة عليهم! نعم يعرض عليكم شراء ديون الصندوق القائمة (سواء عُرفت على أنها متعثرة أو ديون معدومة) ولن يطُالُب المواطن بتسديدها! لا بل سوف يدفع للمواطنين عوائد من خلال تحويل تلك الديون إلى استثمارات لهم بعائد قد يصل إلى 10 في المائة سنوياً! أيضا ماذا لو عرض على الصندوق كذلك زيادة القروض من 300 ألف ريال قيمة القرض الواحد والتي لا تقيم أساس بيت الآن أو بناء على مقترح مجلس الشورى الأخير إلى 500 ألف ريال، فما بالك بتأسيس فيلا إلى مليون ريال للقرض الواحد بعائد على تلك الديون يدفع للمواطن بنسبة أيضا قد تصل إلى 10 في المائة سنوياً! وكذلك يضمن أنه وبعد إعادة هيكلة عمل الصندوق سوف يكون للمواطن الحق في الحصول على القرض خلال 48 ساعة (لن تكون هناك قوائم انتظار، لا بل سوف يضطر الصندوق إلى إنشاء إدارة تسويق لمنتجاته وحث المواطنين على الحصول على التمويل كما تفعل البنوك الآن وينافسها)، وسوف يستطيع الصندوق أن يحقق أرباحاً للدولة أو المؤسسين له خلال مدة لا تتجاوز خمسة إلى عشرة أعوام أيضا! هل هذا ممكن؟ إذا تغير آلية العمل ووجدت الرغبة قبلها أعتقد أن ذلك ممكناً، وعندئذ يمكن أن ندخل في التفاصيل وهي موجودة!''
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي