استراتيجيات استغلال المواهب وتحويل العمل إلى متعة
نقضي معظم أوقات يقظتنا في العمل في مهن غالبا ما نختارها في مراحل عمرنا المبكرة، إلا أننا نادرا ما نسأل أنفسنا كيف وصلنا إلى هذا ونادرا ما نحاول أن نعرف ما تمثله مهننا بالنسبة إلينا.
والواقع أنه في كثير من الحالات يعد وجود عمل في حد ذاته نعمة لا يدرك أبعادها إلا من يحرم منها، فبعض الناس يجد أن العمل الذي يوفر له أجرا كافيا للنفقات المعيشية هو في حد ذاته كاف تماما. والبعض الآخر يحتاج إلى ذلك العمل الذي يحفزه على إطلاق طاقاته الإبداعية واستغلال مواهبه إلى أقصى حد لها.
يستعرض الكتاب متع العمل ومخاطره في أماكن العمل الحديثة، ويستحضر صور المهام التي يقوم الناس من أجلها في الصباح وفي المساء أيضا ليقدم لمحة من عالم اليوم، موضحا ما يجعل بعض المهن يجلب المتع وبعضها يدمر النفس.
يقدم الكتاب نظرة فلسفية ومزيجا من الفكاهة والحكمة ليصطحب القراء في رحلة مثيرة تشمل عددا كبيرا من المهن المتنوعة من العمل، حيث يتتبع عشرة مسارات مهنية منها: العمل اللوجستي، تصنيع البسكويت، الاستشارات المهنية، المحاسبة، علم الصواريخ، الرسم، الهندسة التحويلية، والطيران.
عبر صفحات الكتاب يحاول المؤلف الإجابة عن أكثر الأسئلة إلحاحا التي نوجهها إلى أنفسنا فيما يتعلق بالعمل: لماذا نعمله؟ ما الذي يجعله ممتعا؟ وما المغزى منه؟ وما الذي يجعلنا نرهق أنفسنا بصورة يومية مستنزفين أيضا موارد كوكبنا؟
يتناول الكتاب مجموعة من الحقائق التي صارت بديهية في عالمنا المعاصر، ومنها أن الاقتصاد العالمي الصناعي يباعد بين العاملين فيه وبين عملهم معتبرهم مجرد تروس في آلة الإنتاج الضخمة يؤدون عملا متكررا عقيما بلا معنى. يشير الكتاب إلى أحزان العمل أكثر من متعه.
بالنسبة لمعظم الناس تعني كلمة العمل: الوظيفة والمهنة أي الأشياء التي نفعلها لنتمكن من دفع الإيجار أو ذلك النشاط الذي يطغى عليه الروتين اليومي. يذكرنا الكتاب بأهمية تقدير التفاصيل الصغيرة للعمل ولمكان العمل، فمن هنا يمكن أن نفهم تأثير المهام اليومية في الثقافة وفي المجتمع وربما نتخذ قرارا بأن الوقت قد حان لاتخاذ مهنة جديدة.
يتتبع الكتاب رحلة سمكة التونة من موطنها في أعماق المحيط الهندي إلى نهايتها على طبق على مائدة في أحد البيوت الإنجليزية. لم تكن هذه المهمة سهلة، فمحاولات التتبع بالإضافة إلى محاولات التصوير لرحلة هذه السمكة تثير كثيرا من التساؤلات والشكوك.
يضع الكاتب دائما سؤالا مهما نصب عينيه: «متى يصبح العمل ذا معنى». والإجابة التي يقدمها لنا هي: «عندما يتيح لنا الفرصة لبث السعادة أو تقليل المعاناة في نفوس الآخرين». وهذا من السهل قوله لكن من الصعب تطبيقه، فمعظم الناس تكافح من أجل إيجاد العمل الذي يرضيها.