رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التحولات الاجتماعية: ضغوط الوافد ومقاومة الأصول

تمر المجتمعات بتحولات وتغيرات بين فترة وأخرى من الزمن, وهذا التحول من سنن الله في هذه الحياة إذ إن هذه التحولات من مقتضيات الحياة, وضرورياتها التي لابد منها حتى تستمر الحياة, وتستقيم إذ لا يمكن تصور مجتمع يستمر لفترة طويلة يمارس نشاطاً اقتصادياً واحداً, ولا يوجد غيره إذ لابد من وجود نشاطات اقتصادية أخرى فبجانب الزراعة نجد التجارة، والصناعة حتى ولو كانت بسيطة ومحدودة فمرافق الإنتاج من زراعة, وصناعة تحتاج إلى تسويق, وبيع للمنتجات، وعملية التسويق تحتاج إلى طرق, وأساليب، ودعاية, وترغيب في المنتجات، والدعاية تحتاج إلى متخصص وذي مهارات عالية في هذا المجال مما أوجد فرصاً جديدة للعمل في مجال الدعاية والإعلان، والدعاية والإعلان تحتاج إلى مواد من إضاءة, وألوان, وأوراق, وغيرها, وهذه بدورها لها متخصصوها, ومنتجوها، ولذا فعند التأمل في هذا الشيء يجد المرء سلسلة, ومجموعة حلقات مرتبطة مع بعضها، كلما نشطت حلقة في هذه السلسلة أحدثت بعدها حلقة جديدة, وهذه بدورها تخلق وضعاً جديداً له آثاره, وظروفه التي لابد من أخذها في الاعتبار.
تأملت في مجتمعنا فألفيت أن أوضاعاً كثيرة استجدت في هذا المجتمع، ولم يعد المجتمع كما كان في السابق يعتمد على نشاطات محدودة كالزراعة بآلياتها ووضعها البسيط, والتجارة بأساليبها, وطرقها المحدودة, والصناعة بصورتها البدائية, بل لقد طرأ الكثير من التحولات في هذه المجالات، وهذه التحولات جلبت معها تحولات, وتغيرات طالت علاقات الناس مع بعضهم البعض، وأوجدت أنماطاً سلوكية بعضها ذو طابع إيجابي, وآخر سلبي, كما أفرزت عادات وقيماً جديدة لم يكن المجتمع يعرفها في السابق بل إن بعض هذه السلوكيات, وهذه القيم غريب على المجتمع, وربما يتعارض بعضها مع الذوق, والثقافة السائدة.
اللباس على سبيل المثال سواء للرجال, أو للنساء طرأ عليه الكثير من المستجدات ودخل مفهوم الموضة ليكون جزءاً من حياة الناس يؤثر في اختياراتهم سواء في اللون, أو التصميم, أو المصدر, وهذا الأمر ينسحب على المساكن في تصميمها, ومواد بنائها, أو أثاثها, كما أن مآكل الناس, وعاداتهم الغذائية هي الأخرى تأثرت بشكل واضح بهذه التحولات الاجتماعية العامة. يشاهد المرء منا وهو في الشارع, أو السوق, أو وهو في مكان العمل الكثير من التصرفات التي لم تكن معروفة, أو مألوفة في السابق, ويتساءل ما سبب هذه التحولات؟ هل جودة هذه الأشياء, أم ألوانها, أم ثمنها, أم جدتها, وغرابتها هي التي تغري بالإقبال على هذه الأشياء, أم أن هناك عوامل جذب وتأثير أخرى تكمن وراء هذا الشيء؟
اللباس على سبيل المثال, والمظهر الخارجي للشباب أحد الأمور التي استجدت في المجتمع, وأصبحت ظاهرة ملموسة, ولم تعد تصرفاً محدوداً بأفراد معدودين لهم ظروفهم, أو أوضاعهم الخاصة التي تشجعهم على هذا الشيء كأسرة عاشت لفترة خارج البلاد, أو أسرة ذات زيجات مختلطة. مثل هذه الظواهر تستدعي الأخذ في الاعتبار مكونين رئيسين, أولهما الفرد بتعليمه, وثقافته, ووضعه الاجتماعي, وطموحاته, وشخصيته من حيث الخصائص, والسمات التي يتمتع بها ذلك أن هذه عوامل قد تسهم بصورة, أو بأخرى في الانجذاب, أو التأثر بفعل, أو سلوك, أو وضع من الأوضاع, لو أخذنا على سبيل المثال قصات الشعر لدى الشباب, هل الأشكال الغريبة التي نلاحظها على البعض تعبير عن الذات الحقيقية للفرد, أم أنها تعبير عن ذات أخرى مستعارة, ولماذا يلجأ الأفراد إلى استعارة شخصية أخرى, ومحاكاتها, هل لقوة تأثير الشخصية الأخرى, وقوة حضورها في الساحة كأن يكون فناناً, أو رياضياً مشهوراً, أم لضعف داخلي يحس به الشاب, ولذا يلجأ لهذه الممارسة وهذا التصرف؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تقليداً لشلة الزملاء والرفاق في المدرسة, أو الحي الذي يسكن فيه؟ ما من شك أن وسائل الإعلام, والفضائيات, والانفتاح على العالم الخارجي كان له دور كبير في هذه التحولات التي نراها حتى وإن كانت هذه التحولات مرتبطة بسن, وبمرحلة من مراحل العمر تزول بتخطي الفرد لهذه المرحلة, ولكن لا يمكن إغفال البناء النفسي الذي يتمتع به الفرد والذي اكتسبه من الأسرة, والمدرسة فهذه لها دورها في إيجاد شيء من الموازنة بين واقع وافد, ومؤثر في الوقت ذاته, وبين مكونات اجتماعية لها قيمتها التاريخية, والقيمية, والدينية.
المكون الثاني, ألا وهو المكون الاجتماعي بثقافته العامة, وعاداته, وتقاليده وقيمه, والتي يتشربها الفرد من خلال المؤسسات الاجتماعية, والوسائط المتعددة. المكون الاجتماعي يشكل مصدراً مؤثراً من خلال مؤشرات القبول, والرفض لبعض الممارسات, وهذه معادلة دقيقة ذلك أن قبول بعض الممارسات هو في حد ذاته تنازل, وإضعاف لبنية المجتمع التي لا يمكن النظر إليها بصورة مجزأة, وإنما هي كل متكامل تعمل عناصره مع بعضها البعض لتشكل الكيان الاجتماعي المتماسك, والشخصية المميزة, وألا يتحول المجتمع إلى مجتمع هجين في ثقافته مما يفقد التجانس, ومن ثم الضعف, وافتقاد الهوية. المجتمع كالكائن الحي لابد له من عناصر تغذيه حتى تدب الحياة في عروقه, وتسري في شرايينه, وهذا لا يتم إلا من الموازنة الدقيقة بين المستجدات الحياتية, والمكونات الأساسية التي تميز المجتمع عن غيره من المجتمعات الأخرى, فالمجتمع الإسلامي لا يمكن وصفه بهذه الصفة إن هو تخلى عن أسسه, وخصائصه التي تميزه عن المجتمعات الأخرى. إن غرس الثقة بالذات, وبالمكونات الاجتماعية يمثل مشروعاً وطنياً لا مناص عنه إذا ما رغبنا في المحافظة على قوة المجتمع, وصلابته, ولتحقيق هذا المشروع تكون الخطوة الأولى في المنزل تليها المدرسة التي تتحمل العبء الأكبر في هذه المهمة من خلال منظومة معرفية, وثقافية, وقيمية تغرسها لدى الناشئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي