«جلوبل»: انحسار أسعار النفط سببه الشكوك المثارة حول الانتعاش الاقتصادي
توقفت أسعار النفط عن الارتفاع حيث تبددت الآمال المنعقدة على حدوث انتعاش اقتصادي وشيك نتيجة لتدفق عديد من الأنباء السلبية على الصعيد الاقتصادي. ووصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما معنويات المتعاملين وصفا موجزاً قائلاً: إنّ الانتعاش الاقتصادي ما زال أمراً بعيد المنال. فقد تجاوزت بيانات البطالة الأمريكية المسجلة خلال شهر حزيران (يونيو) تقديرات المُحللين، ما أدّى إلى تصاعد القلق بشأن الانتعاش الاقتصادي.
وقال تقرير أصدرته شركة بيت الاستثمار العالمي (جلوبل)، إن انخفاض سعر النفط الخام الأمريكي انخفض بنسبة 10.5 في المائة خلال فترة الدراسة (17 حزيران (يونيو) 2009 حتى 17 تموز (يوليو) 2009) ليستقرّ عند مستوى 63.56 دولار للبرميل. كما فقد 56.2 في المائة من سعره منذ أن بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق بتسجيل 145.16 دولار للبرميل في 14 تموز (يوليو) 2008.
وارتفع سعر الدولار أمام العملات الأجنبية الرئيسة في النصف الأخير من فترة الدراسة، حيث يلجأ المستثمرون إلى الاستثمار في الموجودات الآمنة خلال فترة الاضطرابات الاقتصادية. وارتفعت أيضاً مخزونات النفط الأمريكية خلال شهر حزيران (يونيو) الأمر الذي يدلّ على ضعف الطلب على النفط. على الرغم من ظهور بعض البوادر المُشجّعة، فإن الاقتصاد العالمي يواجه تحدّيات كبرى ومن المرجح أن يكون الانتعاش الاقتصادي انتعاشاً بطيئاً.
وأوضح تقرير (جلوبل) أن أسعار النفط الخام الأمريكي انخفضت بقيمة 2.62 دولار أو ما يعادل 3.8 في المائة في الـ 22 من حزيران (يونيو) من العام الحالي 2009، حيث حذر البنك الدولي من عدم استقرار الاقتصاد العالمي على الرغم من ظهر بعض البوادر التي تشير إلى تحسّنه. كذلك، خفض البنك الدولي من تقديراته المتعلقة بالنمو الاقتصادي لمعظم الاقتصاديات خلال العام 2009. وقد أدّى التعديل المستمر الذي تجريه مؤسسات التصنيف على التوقعات الاقتصادية العالمية إلى حدوث حالة من الارتباك وعدم التيقن فيما يتعلّق بتحديد توقيت الانتعاش وقوته مما جعل أسعار النفط متقلبة للغاية.
تقلبات الأسعار
راوحت أسعار النفط بين 59.52 و71.49 دولار للبرميل خلال فترة الدراسة. وبالنظر إلى هذا التقلب في الأسعار، دعت فرنسا وبريطانيا إلى اتخاذ التدابير اللازمة من أجل الحدّ من تقلب أسعار النفط في خطوة نحو تطبيق حوكمة عالمية أكثر صرامة بغية تفادي المشكلات التي واجهاها قبل حدوث الأزمة المالية. وتعهّد رئيس الوزراء البريطاني بإجراء محادثات مع الدول أعضاء في منظمة الأوبك خلال اجتماعي مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين لوضع حدّا للمضاربة على أسعار النفط واتخاذ إجراءات ترمي إلى زيادة الشفافية والتنظيم.
ويضيف التقرير أن متوسط سعر نفط غرب تكساس الوسيط بلغ في سوق نايمكس 69.70 دولار للبرميل خلال حزيران (يونيو)، بارتفاع نحو 18 المائة عن المستوى المسجل في الشهر السابق. وبلغ عدد العقود المفتوحة 1.172.800 عقد بانخفاض قدره 181800 عقد عن الشهر السابق. وانخفض الفرق بين أسعار العقود الآجلة والتسليم الحاضر خلال حزيران (يونيو)، مع وصول فارق السعر في اليوم الأول والثاني من الشهر إلى مستوى 0.78 دولار للبرميل، بانخفاض بلغت نسبته 0.15 دولار للبرميل عن مستوى الشهر السابق.
وأوضح التقرير أن أسعار خام النفط الأمريكي تراجعت في الأسبوع الأول من فترة الدراسة تراجعا هامشيا بلغت نسبته 0.6 في المائة وصولا إلى سعر 69.16 دولار للبرميل. وتراجعت أسعار النفط إلى مستوى 66.93 دولار للبرميل قبل تعافيها إثر الهجمات التي شنها متشددون نيجيريون على خطوط أنابيب مملوكة لشركة رويال داتش. في خلال الأسبوع الثاني من الشهر، انخفضت أسعار النفط بنسبة 3.5 في المائة لتصل إلى 66.73 دولار للبرميل بعد أن أظهرت البيانات الحكومية زيادة في مخزون النفط الخام الأمريكي قبل عطلة عيد الاستقلال الأمريكي في الرابع من تموز (يوليو)، التي تصادف فترة ذروة موسم القيادة.
واستمرت أسعار النفط في الانخفاض حيث انخفضت بنسبة 10.3 في المائة لتبلغ 59.89 دولار للبرميل في الأسبوع الثالث نتيجة للشكوك التي سادت بشأن حدوث انتعاش اقتصادي بعد أن تجاوزت أرقام البطالة الأمريكية ما كان متوقعا، وارتفاع مخزون النفط الخام الأمريكية إلى أعلى مستوى لها على مدى 25 عاماً.
الصين تتصدر الطلب
استعادت أسعار النفط عافيتها في الأسبوع الأخير من الشهر مرتفعة بنسبة 6.1 في المائة حيث شهدت الصين نمواًُ كبيرا بلغت نسبته 7.9 في المائة خلال الربع الثاني من العام 2008 بفضل تنفيذ خطة تحفيز اقتصادي هائلة بلغت قيمتها 586 مليار دولار. في حين استقرت أسعار النفط الخام الأمريكية عند مستوى 63.56 دولار للبرميل في نهاية فترة الدراسة مسجلة انخفاضا بلغت نسبته 10.5 في المائة. واتبعت أسعار النفط الخام لسلة أوبك والنفط الخام الكويتي الخاص بالتصدير النهج ذاته حيث تراجعت بنسبة 8.9 و7.2 في المائة على التوالي خلال فترة الدراسة لتستقر عند 63.23 و65.61 دولار للبرميل على التوالي.
وتوقعت دراسة (جلوبل) أن يصل متوسط معدل الطلب العالمي على النفط إلى 83.84 مليون برميل يومياً في 2009، بانخفاض قدره 1.65 مليون برميل يومياً على أساس سنوي. ومن المتوقّع أن يتجاوز انخفاض معدّل الطلب على النفط في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية معدّل نمو الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في المنظمة. كما يتوقّع أن تكون الصين ودول الشرق الأوسط وإفريقيا هي المصدر الأساسي لنمو الطلب العالمي على النفط.
وأدّت الأزمة المالية العالمية، التي نشأت من الاقتصادات المتقدمة، إلى تآكل الطلب على النفط بشكل كبير. وعلى الرغم من أن التراجع الاقتصادي يبدو متباطئاً، فإن تحديد توقيت الانتعاش وقوته قد تسبب في حدوث حالة من عدم التيّقن أثرت في ثقة المستهلكين. يمثل مؤشر ثقة المستهلك أهمية حيوية للاقتصاد الأمريكي، حيث يشكّل الإنفاق الاستهلاكي قرابة 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومن جهة أخرى، بلغت معدّلات البطالة في الولايات المتحدة 9.5 في المائة عقب فصل 467 ألف موظف من العمل في حزيران (يونيو) الماضي وهو ما يتخطى تقديرات المحللين بنحو 363 ألف موظف.
ويعزى الانخفاض الكبير في معدّل الطلب على النفط في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستهلك للنفط؛ فقد دخل الاقتصادي الأمريكي رسميا في مرحلة من الركود الاقتصادي في كانون الأول (ديسمبر) 2007، وفُقدت نحو 2.5 مليون وظيفة في الولايات المتحدة خلال العام 2008 ومن المتوقع أن يشهد عدد الوظائف مزيدا من التراجع خلال العام 2009. وصرّح المجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بأنّه من المحتمل أن يبلغ معدّل البطالة الأمريكي ذروة ارتفاعه ليصل إلى مستوى 10 في المائة. ووفقا للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من المتوقّع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 1.5 في المائة خلال العام 2009.
نمو الطلب في الشرق الأوسط
كذلك، يتوقّع أن يتراجع طلب الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بمعدّل 1.82 مليون برميل يوميا، وهو يفوق معدل نمو الطلب على النفط في باقي أنحاء العالم والبالغ 0.17 مليون برميل يومياً. ويعتبر العام الحالي، هو العام الثاني على التوالي الذي يتراجع فيه الطلب العالمي على النفط بعد تسجيل انخفاض 0.3 مليون برميل يوميا على أساس سنوي في 2008. وقد كان تراجع معدل الطلب العالمي على النفط عام 2008 هو الأول منذ عام 1983، عندما بدأ معدّل نمو الطلب على النفط يمضي في الاتجاه السلبي؛ حيث ارتفع متوسط معدل نمو الطلب على النفط بنسبة 1.9 في المائة منذ العام 1983.
من ناحية أخرى، يتوقّع أن يتراجع طلب أمريكا الشمالية على النفط بمعدل 0.91 مليون برميل يوميا خلال عام 2009، بينما يتوقّع أن يتراجع طلب أوروبا الغربية بمعدّل 0.44 مليون برميل يومياً. ويتوقّع أن ينمو معدّل طلب الصين على النفط بواقع 0.05 مليون برميل يومياً في العام 2009 ليصل إلى 8.02 مليون برميل يومياً. وتم خفض توقّعات نمو طلب الصين على النفط. ويتوقّع أن ينمو الطلب على النفط في الدول النامية بواقع 0.28 مليون برميل يومياً ليصل إلى 25.36 مليون برميل يومياً في العام 2009. وسيعزى نمو الطلب في هذه على النفط في هذه الدول إلى زيادة طلب الشرق الأوسط على النفط بما مقداره 0.20 مليون برميل يومياً.