رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سعودة الوظائف أم أجنبة الاستثمار؟

لم أجد حتى الآن أن وزارة العمل منذ أن تسلمت ملف السعودة والاستقدام نجحت في رسم منهجية واضحة تجاه قطاع العمل، وبالتحديد تجاه سعودة الوظائف، وألزمت القطاع الخاص أو الجهات الحكومية أو شبه الحكومية بالالتزام بتلك المنهجية. فتارة سعودة سوق الذهب ثم تأجيلها، وأخرى سعودة وظائف الخدم، والآن المطاعم، وغداً مجال آخر الله أعلم به. وهذا التنقل من قطاع إلى قطاع والانتقائية غير المفهومة يؤديان إلى ارتباك، سواءً بالنسبة للمستثمر أو بالنسبة للمواطن الداخل إلى سوق العمل، كما لم نجد أنها أفلحت في الحد من تدفق العمالة الأجنبية التي زادت أعدادها بشكل مهول، في مقابل معاناة للمواطن الداخل إلى سوق العمل، سواءً من الأحكام المسبقة أو القرارات الجزافية أو امتهان كرامته داخل وطنه من قبل تلك العمالة الأجنبية وأرباب العمل الذين تعودوا على وضع استثنائي لا يريدون تغييره لتأثيره في مصالحهم الاقتصادية.
ولا ألقي باللوم كله على وزارة العمل، لأنها في هذا الملف كشرطي المرور الذي يحاول تنظيم المرور في تقاطع عشرة شوارع رئيسة. وقد لخص ذلك نائب وزير العمل في مقاله عن هموم سوق العمل، حيث يعكس ذلك المقال المعاناة التي تعانيها وزارة العمل في تنظيم هذا القطاع الحيوي المهم. فمشروع السعودة لا يرتبط بوزارة العمل وحدها، ولكن يرتبط بمنظومة من الجهات الحكومية الأخرى التي تؤثر سياساتها بشكل مباشر في نجاح مشروع السعودة وفشله. لكن مشكلة وزارة العمل أنها أشغلت نفسها بالجوانب التنفيذية للسعودة التي تقع في كثير من الأحيان خارج إطار سلطتها الإدارية، ونسيت أن تركز على تنظيم عمل ما يمكن أن نطلق عليه منظومة السعودة المتكاملة.
لذلك سارت عملية السعودة بطريق وسارت عملية تشجيع الاستثمار الأجنبي في طريق آخر. ففي حين تسعى وزارة العمل إلى سعودة سوق العمل بهدف زيادة فرص العمل للشباب السعودي والحد من الاعتماد على العمالة الأجنبية، تسعى هيئة الاستثمار الأجنبي إلى أجنبة ليس فقط سوق العمل، ولكن أجنبة الاستثمار برمته دون تصور واضح لما نريده من الاستثمار الأجنبي. وسار الاثنان – وزارة العمل وهيئة الاستثمار - في طريقين متعاكسين جعلا المستثمر والمواطن في حيرة من أمره.
ففي حين تسعى وزارة العمل إلى تطبيق أنظمة سوق العمل لتوطين الوظائف والحد من الاعتماد على العمالة الأجنبية، وجدت تلك العمالة الأجنبية باباً خلفياً تدلف منه إلى سوق العمل بغلاف ما يسمى الاستثمار الأجنبي. وهنا لن ألوم المستثمر السعودي إذا وقع في حيرة من أمره، فقد حول الاستثمار الأجنبي ذلك العامل إلى منافس له دون قيمة تذكر تحققت للسعودة التي كانت وزارة العمل تطالبه بها، والمستفيد الأول والأخير من كل ذلك هو العامل الأجنبي، والخاسر الأول والأخير هو المواطن السعودي – المستثمر والعامل – والاقتصاد السعودي.
وكلتا الجهتين – وزارة العمل وهيئة الاستثمار – تلامان في ذلك، لأن وزارة العمل، كما أشرت، لم تضع إطاراً تنسق فيه عملها وأهدافها واستراتيجياتها مع الجهات الحكومة الأخرى أو ما سميته منظومة العمل، ولأن هيئة الاستثمار فتحت الباب على مصراعيه للمستثمر الأجنبي دون اعتبار لنوعية الاستثمار وقيمته الاقتصادية المضافة، التي من أهم عناصرها زيادة التوظف، ورغبة منها، على ما يبدو، في زيادة أرقام الاستثمار الأجنبي، ودون اعتبار للمصالح الاجتماعية والاقتصادية للوطن.
هنا أعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً وبالتحديد عندما كان مجلس القوى العاملة برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز قائماً ومنوطاً به مشروع السعودة، وأقارن بين مشروع السعودة في ذلك الوقت ومشروع السعودة الحالي حين تولت زمامه وزارة العمل، لأجد فرقاً كبيراً في مستوى الالتزام، سواءً من مؤسسات القطاع الخاص أو من القطاعات الحكومية الأخرى المرتبطة والمؤثرة بهذا المشروع. وأتأمل في الدور المعنوي والمادي الذي لعبه وقوف الأمير نايف خلف هذا المشروع وكيف التزمت به جميع الجهات وعلى جميع المستويات، وكيف تحول المشروع إلى هموم في أروقة وزارة العمل وإلى أرشيف الوزارات الأخرى بعد إنهاء مهام مجلس القوى العاملة.
السعودة تعاني الآن أعراض فيروس الاستثمار الأجنبي بشكله الحالي الذي لا يعدو كونه مظهراً من مظاهر التستر التي حوربت في السابق لكنها لم تمت بعد. وقد يكون المشروع يتألم من أعراض هذا الفيروس، لكنه سيشفى - بإذن الله -، للقناعة التامة بوجود من سيقف خلف هذا المشروع الكبير. هذا المشروع سيمثل التحدي الاقتصادي والاجتماعي الأول والأكبر بالنسبة للمملكة خلال العقدين القادمين، وهو يتطلب قدراً من المسؤوليات يتناسب مع حجمه. هنا دعوة جادة إلى عودة مجلس القوى العاملة برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز وعضوية الجهات الحكومية وغير الحكومية كالغرف التجارية، لتولي زمام المبادرة في إعادة إحياء هذا المشروع، وتكريس أهميته لدى كل مسؤول ورجل أعمال ومواطن ومقيم على هذه الأرض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي