رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تحيز البنوك لمن لديه جدارة ائتمانية..!

وهذه من الفوائد التي أتحفنا بها الشيخ صالح الحصين ـ حفظه الله وأمد في عمره على طاعته - وهو شيخ الفقه, وفقيه النظام - وفعلاً فإن من سوء الحظ أن أكثر البنوك العالمية قائمة على النظام الربوي, ومن أبرز مشكلات هذا النظام أنه متحيز لمن لديه جدارة ائتمانية, لا لمن لديه جدارة إنتاجية..! ولهذا ففي عمق الأزمة المالية نجد أن البنوك لا ترفع رأساً بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الجدوى الاقتصادية والإنتاجية إذا لم يكن لديها رصيدا ائتماني، ولا شك أن هذا التحيز ليس موضوعياً, وإنما يسهم في تجاهل عديد من المشاريع التي يمكن أن تكون في يوم من الأيام من عوامل النمو الاقتصادي في البلدان التي تنشد التحضر والرقي, ولا أدري متى يأتي اليوم الذي تلفظ فيه البنوك هذا النظام المتحيز, الذي يحقن السوق بمزيد من الشكوك, ويحد من قرارات الاستثمار طويلة الأجل, ويسهم في النمو السرطاني للربا, ولا سيما مع ظهور الأثر السلبي لهذا النظام في الأزمة المالية العالمية, التي كان (من أبرز أسبابها) خفض ورفع الفائدة في البنك المركزي الأمريكي, ومعلوم أن تمويل الرهن العقاري في الولايات المتحدة عبر المؤسسات المالية يتم عبر الإقراض بفائدة عائمة حسبما يصدر من البنك المركزي, وكان البنك المركزي قد رفع سقف الفائدة بهدف تخفيض حدة التضخم الناتجة في أسعار العقار, مما أدى إلى تزايد نسبة الفائدة على المقترضين, ممن ليس لديهم ملاءة مالية كافية, والذي أدى بدوره إلى التوقف عن السداد, وبالتالي فقدان المنازل المشتراة بالفائدة, ما أدى إلى زيادة أعداد المنازل المعروضة للبيع, وانهيار أسعارها, وقد صرح بهذا عدد من رجالات المال والاقتصاد, وإن حاول البعض تبرير الأزمة بمبررات باهتة.
ولا ريب أن الفائدة العائمة أخطر من الفائدة الثابتة؛ وذلك لأنها تجمع بين عاملين من عوامل الضرر والخطر, وهما الربا, والغرر, وكلاهما محرم شرعاً, وصدر في تحريمهما قرارات مجمعية, تجمع طيفاً واسعاً من علماء المذاهب الأربعة, بل إن عدداً من رجالات الغرب طالب بإلغاء نظام الفائدة, ليكون صفراً, علماً بأن كثيراً من البنوك المركزية اقتربت فيها الفائدة من الصفر في ظل الأزمة الحالية..! وإذا اقتربت الفائدة من الصفر, تصاعدت حدة الاستثمار في البلد, وتحركت الأموال الراكدة في البنوك, وأضحى النمو مرهوناً بالإنتاج, لا بتوسد الفوائد البنكية.
ولنلاحظ هنا أن البنوك و(بني عمومتها) من مؤسسات التأمين التجاري يبرزون في زمن الرخاء, ويتوارون في زمن الشدة, فاليوم مثلا ارتفع الصراخ في وجوه البنوك من أجل أن تستمر في تمويلها للمشاريع الإنتاجية والخدمية, ومع ذلك تحجم عن الاستماع, وكأنها مصابة بالصمم, أو كأن الصراخ صادر من كوكب المريخ, وهكذا مؤسسات التأمين نجدها قد تهاوت في بلاد الغرب بسبب عدم قدرتها على دفع المستحقات للبنوك والشركات المنهارة, وكذا شركات إعادة التأمين, في الوقت الذي نجدها في زمن الرخاء تمضغ جيداً المستحقات السنوية التي تتقاضها من الأفراد والمؤسسات والشركات, ثم تبتلعها..! وهكذا تتعرف هذه البنوك ومؤسسات التأمين على الناس في الرخاء لتهرب منهم في زمن الشدة..! وهو خلق رذيل. وعلى البنوك والمصارف الإسلامية أن تثبت أنها نموذج مختلف, فتعزِّز دور التمويل بالمشاركة... إلخ, وتموّل من لديه جدارة إنتاجية, وتساعد على تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتقف على قدميها, حتى تحقق الاستثمار الحقيقي في البلد, وتبتعد عن الصورية في بعض تعاملاتها.
ومن أمثلة تحيز البنوك لمن لديه جدارة ائتمانية, تفريقها بين عميل وعميل, فالعميل الصغير ذو المرتب المتواضع, أو الرصيد المنخفض, لا ترقب فيه إلا ولا ذمة, وتسارع في الانقضاض عليه فور تعثره في معاملة ما, وحوادث تسييل المحافظ وقت أزمة سوق الأسهم أكبر دليل على هذا, مما أدى إلى خراب بيوت وأسر, ووصول بعضها إلى حافة الفقر المدقع - وإن كانت البنوك ليست المسؤول الوحيد عن هذه الأزمة - أما حين يقع التعثر من شركات كبرى فهنا يختلف التعامل, وتنشأ معايير أخرى, تليق بمقام أصحاب فضيلة ومعالي الأموال..! طبعا أتفهم جيداً أن من مصلحة البنوك أن تعالج مشكلات الشركات الكبرى بشيء من التعقل والتروي؛ لأن أي معالجة متهورة قد تهوي بالبنك في القاع سبعين خريفا.
ولكن في المقابل, لا يعني أن يتجرد البنك من إنسانيته حين يكون التعامل مع عميل ذي طمرين, مدفوع بالأبواب... لو أقسم على الله لأبره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي