رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مأسسة الأفكار لتحويل القيم والمفاهيم الإنسانية إلى ثقافة مجتمعية

أفكار تولد في أذهان البشر يوأد أكثرها في المهد رغم أن معظمها يستند إلى مرجعية قوية وقناعات راسخة في أذهان السواد الأعظم من الناس خصوصا تلك الأفكار المتعلقة بإعادة تشكيل منظومة المعارف والقيم والمفاهيم التي تشكل المواقف والسلوكيات الإنسانية، فما السبب؟!
هذا السؤال تم تداوله في جلسة حوار فكري أخوية تناولت أسباب التناقض بين ما نقوله وما نفعله، وبين ما تعلمناه عبر سنوات طويلة من الدراسة وما ربانا عليه والدانا ومجتمعنا وبين تصرفاتنا اليومية لدرجة أننا صرنا نرى البعض في أربعة مواقف بأربع شخصيات مختلفة، بل إننا نرى البعض يطالب الآخرين بحقوقه في حال كان مراجعا من استقبال لائق ومعاملة إنسانية واحترام لوقته إلى غير ذلك من الحقوق، وحينما يصبح مكانهم لا يعطي أحدا حقا من ذلك أبدا ويمارس تسلطا لا يخجل منه بل يفخر وللأسف الشديد, به عند الآخرين.
كلنا تعلمنا حقوق الجار ولكن السائد عقوق الجار ولو سألت معظمنا عن اسم جاره لما عرفه، وكلنا تعلمنا الإيثار ومآثره ولكننا لا نؤثر على أنفسنا ولو كنا في سعة، كلنا تعلمنا أن الكبر لله ولكننا نبالغ في تقدير الذات رغم ما نحن فيه من تخلف مقارنة بالدول المتقدمة، كلنا تعلمنا أن الراحمين يرحمهم الله ولكننا نقسوا على بعضنا بعضا بطريقة فظة وكأن لدينا رغبة في إهانة بعضنا بعضا وهذا ما نشعر به عند مراجعة معظم موظفي الخدمات من القطاعين الحكومي والخاص الذين يتجهمون عند استقبال المراجع أو العميل ولا يبتسمون إلا عندما يعرفون أن أوراقه ناقصة وأن بإمكانهم إرجاعه من حيث أتى وإن جاء من مسافة بعيدة تصل إلى مئات الكيلومترات.
هذا الواقع المر الذي بات الجميع متضايقا منه – وهذا شيء جميل لأن معرفة أننا في مشكلة بداية الحل – يشي به بعض ما يتم نقله من خلال التواصل الإلكتروني حيث تقول إحداهن على سبيل المثال « لله درك يا وطني فقد تجرنا من مفهوم الإنسانية وغرقنا في البحور القصائدية! لله درك يا وطني فقد وقعت تحت وطـأه جيــل لا مثيــل له, اختلّــت لديه الموازين, وانقلبت في فكــرة المفاهيم, وتربعـت على قلبه المزايين!» ولكن كيف لنا الفكاك من هذا الوضع الذي بات معروفا ومعترفا به خصوصا بعد الانفتاح العالمي نتيجة العولمة الاتصالية التي أكدت لنا بما لا يدع مجالا للشك أن قيمنا ومفاهيمنا أقوال وليست قيما ومفاهيم أفعال.
سرد لنا أحد الإخوة قصة الدكتورة مها المنيف المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني كيف انتفضت عندما رأت العنف الأسري يمارس بحق النساء والأطفال من خلال عملها في الشؤون الصحية في الحرس الوطني وكيف حولت القيم والمفاهيم الإنسانية التي تختزنها إلى فكرة تمثلت في ضرورة إنشاء برنامج للأمان الأسري وكيف بذلت جهودا كبيرة وحثيثة لتحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وكيف أثمر هذا البرنامج ثمارا يانعة أسهمت في تحقيق الأمان الأسري وحماية أفراد الأسرة خصوصا النساء والأطفال من جميع أشكال العنف الأسري، وخلص من كل ذلك أن القيم والمفاهيم يجب أن تتحول إلى أفكار قابلة للتطبيق من خلال مؤسسات تؤسس لهذا الغرض كما فعلت الدكتورة مها المنيف ـ وفقها الله ـ في مهمتها الإنسانية التي تفاعل معها الجميع إيجابا.
بعد ذلك استعرضنا جميعا تجارب وطنية أخرى مماثلة ومنها كيفية تحويل قيم الرحمة والتكافل الاجتماعي إلى مؤسسات مثل مؤسسة إنسان التي تتكفل اليوم بكفالة آلاف الأيتام وتقيهم شر العوز والفقر وفقدان الوالد أو الوالدة وتحولهم بمرور الزمن من عالات على المجتمع إلى عناصر سوية منتجة تشارك في البناء، ومنها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي يسهم اليوم بفاعلية في تحويل مفاهيم الحوار واحترام الرأي والتفاهم والتعايش رغم الاختلاف في ظل المشترك الإنساني والوطني إلى ثقافة مجتمعية تثمر محبة وتعاونا وتكاملا فيما هو متفق عليه وعذرا فيما هو مختلف عليه.
أما التجارب العالمية التي تقول إن القيم والمفاهيم لا يمكن أن تصبح واقعا معاشا إلا إذا تحولت إلى أفكار يتم تحويلها إلى مؤسسات تقوم بمهمة تحويلها إلى ثقافة راسخة وسلوكيات مجتمعية سائدة فحدث ولا حرج حتى توصلنا إلى نتيجة مفادها أن بعض القيم والمفاهيم تحولت إلى أفكار متنوعة تأسس بناء عليها مؤسسات متعددة لتحويلها إلى واقع اجتماعي سائد، حيث هناك مؤسسات لحماية المرأة وأخرى لحماية الطفل وثالثة لرعاية كبار السن ورابعة لمحاربة الأمراض والأوبئة وخامسة لنشر ثقافة الابتكار والإبداع والاختراع وهلم جرا.وإذا اتفقنا على أن تحويل القيم والمفاهيم إلى أفكار تتم مأسستها على أسس إدارية سليمة فإنني أعتقد جازما أن على وزارة الشؤون الاجتماعية أن تقود توجها ودعما بل وتحفيزا للأفراد والمؤسسات لتأسيس وتطوير مؤسسات متخصصة بتحويل الأفكار المحولة للقيم الإسلامية الإنسانية السامية إلى واقع معاش وسائد للنهوض في بلادنا لتكون في مصاف الدول المتقدمة في سلم الإنسانية بما يؤصل لقاعدة صلبة لنهضة تشمل جميع المجالات لنكون من دول العالم الأول - بإذن الله .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي