اليحيا .. وفيلم من ورق
إذا كان عفاريت الفن الرحابنة قد اقترفوا سابقتهم الجميلة بـ (ناس من ورق) وقبلهم فش «ماو» غله في الإمبريالية بوصفها بـ (نمر من ورق) فقد أفلت كتاب الدكتور الصديق فهد سعود اليحيا (كيف تصنع فيلما – مدخل إلى الفنون السينمائية) من عقاله واستحال (فيلما من ورق) كلماته مشاهد بالصوت والضوء والصورة، مع أن المؤلف ليس مخرجا سينمائيا ولا كاتب سيناريو أو منتجا أو مصورا أو متخصصا في الدبلجة أو المكسجة.. بصريح العبارة ليس من قبيلة صناع السينما ولا حتى من العاملين عليها.. لكنه طبيب نفسي يداوي الناس وهو عليل..
وعليل هنا تعني أن الدكتور فهد مهموم بالسينما، عاشق متيم بها.. آنس نار الفن والقصة والرواية والشعر فظل منذ عرفته، قارئا لها، يأتينا منها بقبس بل أقباس، على أنه في السينما آنس حريقا فطفق يخصف من شجر أوارها زهرا يتلظى يستطعم وهجه ويتلذذ بشرره عبر ترحال نهم في أدغالها وفي أحراشها، أو في صحاريها وفي قرارة أمواج محيطها وأثباجه.
لو قدر لك أن تجلس في ركن ركين مع الدكتور فهد اليحيا وهو يجوب بك أجواز فضاء عالم السينما، عربيها وأجنبيها، لما فاتك صوته النهري وهو يتدفق بحماس عفوي كطفل اشتعل فيه مرح غامر لا يملك سوى الانسياق وراء دهشته.
يحكي لك الدكتور فهد، في رحلة مخضوضرة لأيام الصبا كيف تلبسه حب السينما منذ الطفولة المبكرة، وكيف فتح له جارهم المصري إبراهيم وزوجته «كوسو» (كوثر) في مدينة الطائف باب مغارة علي بابا وكان محظوظا مع غيره من الأطفال برؤية العرض للفيلم مرتين، مع الآباء مرة ومع الأمهات مرة أخرى، ثم تكر سبحة حكاية فهد مع السينما غاطسا بك في كل البحيرات التي جرب السباحة فيها مكتفيا بالإشارة حتى لا تطول العبارة، فليس الكتاب سيرة ذاتية مقصورة على السينما، لكنه سيرة صناعة السينما، ليس من منظور تاريخي وإنما من منطلق صناعة الفيلم السينمائي، كيف يتم وما شروطه والمواصفات والأدوات والإمكانات التي لا بد من توافرها كي يصبح الفيلم السينمائي ناجحا فنيا وموضوعيا.
يمسك الدكتور فهد بزمام الصناعة من بدايتها، عارضا – بقصد - العناء الفظ الذي تكبده رائد السينما الفرنسي جورج ميليه في نهاية القرن التاسع عشر وفجر القرن العشرين سارقا إياك لتمضي معه في سياحة معلوماتية عن الفيلم، والفيلم الخام، ومقاسات الأفلام بالقدم والوقت ثم القصة، الفكرة، الصراع، الحبكة، السيناريو، المعالجة، الشخصيات، الحوار، التصوير، الإضاءة، الإخراج، التمثيل، المونتاج، الإنتاج، الصوت والموسيقى، الخدع، الديكور، أنواع الأفلام: درامي، تسجيلي، وكذلك النقد السينمائي. ومثلما حرص الدكتور اليحيا على وضع مسرد للمصطلحات السينمائية في مقدمة الكتاب حرص كذلك على تقديم مقتطفات مختارة لثلاثة سيناريوهات فضلا عن ثبت بمراجع الكتاب.
وبعد.. لقد قال صاحب الكتاب عن نفسه في المستهل: (طبيب نفسي! فما علاقتي بالسينما ولماذا أكتب كتابا عن السينما بعد ما يقارب 25 سنة من ممارسة الطب النفسي؟)، ولأنه هو بذاته من ضبط نفسه متلبسا باهتمامه هذا، فلسوف أتنحى عن الطريق كي تقابلوه أنتم على مشارفه وأجزم أنه سيهرول بكم بشقاوة الأطفال في دروب هذه الـ (سينما) التي أكلت دهرا من شغاف قلبه وشربت من خفي نبضه، فالكتاب ليس نصا مدرسيا يقرع رأسك بالتعالم وإنما بوح حميم عن فن جميل شاء الدكتور فهد اليحيا أن ينثر فتنته فينا وفي الهواء الطلق، فإن كنتم ممن لا يملكون إشاحة أبصارهم عن فيلم متلفز أو في صالة سينما فهذا الكتاب يمنحك سلما من النشوة تصعده درجة درجة لتطلع على سر ما ترى!!