رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


سؤال يتكرر: لماذا نحن هكذا؟

في المجالس والمنتديات الخاصة يدور حديث بشأن الواقع الذي تحياه المجتمعات العربية والإسلامية خاصة فيما يتعلق بضعفها, وتشتتها, وهوانها أمام الأمم الأخرى. وما من شك أن هذا الموضوع مقلق ويستحق الاهتمام به لأنه يمس الأمة بكاملها, ويهدد وجودها كأمة لها كيانها المنفرد, ولها مصالحها التي لابد من المحافظة عليها, والعناية بها. عند طرح هذا الموضوع يسمع المرء تحليلات كثيرة, وهذه التحليلات تتأثر سلباً, وإيجاباً بمستوى الإدراك, والثقافة التي يتمتع بها المناقشون, كما تتأثر, وبصورة واضحة بالمصالح الفردية التي تطغى على النقاش, وتؤثر فيه بصورة أو أخرى, ذلك أن البعض يقدم مصالحه الشخصية, ويربط تفسيره لواقع الأمة بمصلحته الذاتية, وعلاقاته الاجتماعية في هذا الطرف أو ذاك.
اتجاهان رئيسان يبرزان أثناء نقاش مثل هذا الموضوع أولهما يحيل الوضع إلى أطراف خارجية تتدخل في شؤوننا, وتؤثر في أوضاعنا, وعلاقاتنا مع بعضنا البعض, ويرى أصحاب هذا الرأي أن دولاً أخرى خاصة الدول الغربية ممثلة في أمريكا, والدول الأوربية تلعب دوراً بارزاً في إحداث الفرقة, والشقاق بين مكونات الأمة من خلال إثارة الشكوك, وطرح الأخبار الكاذبة بشأن بعض الدول, والوقوف بجانب دولة ضد أخرى في بعض المواقف, أو الظروف, ويستشهدون بالمفاعل النووي الإيراني, والذي تلعب الدول الخارجية دوراً بارزاً في إثارة المخاوف بشأنه, وكيف أنه يمثل تهديداً للدول العربية خاصة دول الخليج بحكم جوارها لإيران, وتستغل الدول الغربية التي تلعب على هذه القضية بعض التصريحات, أو المواقف السابقة لإيران من بعض جيرانها خاصة مساندتها لغزو العراق, وأفغانستان, حيث يرون أن المساندة الإيرانية منبثقة من مبدأ المصالح, وهذا الأمر قد يتكرر من قبل إيران في ظروف مستقبلية خاصة حين تدخل النادي النووي, وتمتلك أسلحة نووية تهدد بها جيرانها, أو من قد يدخل في خلاف معها, أو ربما يهدد مصالحها.
في كلا الحالتين سواء الدول الغربية التي تصور إيران كمصدر خطر قادم, وتخوف جيرانها من هذا الخطر, أو إيران التي قد تكون في يوم من الأيام مهددا محتملا, تشكل المصالح سواء كانت أيديولوجية, أو اقتصادية أساً لهذا الواقع الذي تعيشه الأمة أو الواقع المستقبلي الذي قد يتشكل عندما تنجح إيران في امتلاك السلاح النووي. ووفق هذه الظروف سواء استغلال الغرب لأي حادث أو ظرف يقع, وتضخيمه, ومحاولة الاستفادة منه من خلال صفقات سلاح, أو استشارات, أو تغيير في مواقف سياسية تكون الأمة هي الخاسر الأول, ذلك أن وضع التفكك, والضعف يزيد من استغلال الآخرين لنا, وتوجيه قضايانا بما يخدم مصالحهم, وأكبر دليل على ذلك أن مصانع السلاح العالمية يتم إنقاذها من الإفلاس بصفقة من هنا, أو هناك في عالمنا العربي, والإسلامي.
الاتجاه الثاني ينظر للمسألة من زاوية مختلفة, ومع إقراره بتدخل الآخرين في شؤوننا إلا إنه يعتقد أن الأمر يعود في المقام الأول إلينا نحن, ذلك أن تقبلنا, وسماحنا للآخر في توجيهنا, وتصريف أمورنا هو الذي أحدث, ويحدث هذا الشرخ في جسد الأمة, ومثل هذا الطرح يتطلب منا أن نبسط الموضوع, ونناقشه بشكل دقيق, أي هل لدينا نحن العرب, والمسلمون القابلية للتأثير فينا, ولذا يسهل على الآخرين التدخل في شؤوننا والتأثير فينا, وهل هذه القابلية ذات طبيعة وراثية مرتبطة بالعرق الذي ننتمي إليه, أم أنها ذات طبيعة ثقافية مرتبطة بالمحتوى المعرفي, والثقافي الذي نشأنا عليه منذ الصغر؟ أم أن الأمر يعود إلى مصالح خاصة توجد عند البعض خاصة المتنفذين وذوي الشأن ومن بيدهم القرار السياسي والذين يرون ضرورة الارتباط بالآخر, والاعتماد عليه لما له من دور لحماية مصالحهم, والذود عنها ضد أي تهديد. لا شك أن العلة فينا نحن ولو كانت لدينا المناعة والتقليل من التمركز حول المصالح الذاتية لصالح المصالح العامة لما تجرأ أحد في الدخول في تفاصلينا, وتحريك مشاعرنا السلبية, ومخاوفنا من بعضنا, وهذا هو واقعنا إذ أن الثقة بالآخر الأجنبي تفوق ثقتنا بأنفسنا حتى أصبح الواحد منا تساوره الشكوك بشأن أي تصرف, أو فعل يصدر من قريب, أو جار بينما هذا لا يحدث مع الآخر الذي أصبح يحكم حياتنا, ويوجهها بصورة مباشرة.
الأمر لا يعود إلى استعدادات وراثية, أو ثقافية, ولكنه يعود في المقام الأول إلى المصالح, وما لم ندرك هذا الأمر سنظل في حالة العداء البيني الذي أضعفنا أمام الآخرين, ومكنهم من التأثير في شؤوننا, والتصرف في ثرواتنا, وخيراتنا. إن الشفافية مع بعضنا أول خطوة نخطوها نحو التئام شمل الأمة, كما أن وضع قواعد للتعاون في جميع المجالات السياسية, والاقتصادية, والعسكرية, والتعليمية سيكون مسعى أساسياً نحو تجاوز حالة التشرذم التي نحياها. ولعل فكرة السوق العربية والإسلامية المشتركة تمثل إحدى اللبنات الأساسية في هذا الاتجاه لو تم تفعيلها بصورة مناسبة بعيداً عن التجاذب والتنافس العدائي وليس الشريف. إن وعينا بأنفسنا واستبصارنا بذواتنا, وما فيها من إيجابيات, وسلبيات يمثل إحدى خطوات التصحيح, وكما قال تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي