رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


في ألمانيا: «خصم العلامة ابن جبرين وقاتل مروة وجهان لعملة واحدة»

شيخنا الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين من العلماء الندرة الذين جمعوا بين خصال كثيرة, حيث كان قمة سامقة في العلم, والعبادة, والدعوة, والتواضع, والزهد, يعرفه كل من خالطه, أو تتلمذ عليه.
وقد كان له جلد عجيب في طلب العلم, وتحصيله, ثم في تعليمه, وبذله لطلابه, حتى إنه من أكثر مشايخ هذه البلاد دروسا في المساجد, حيث كان يُقْرأ عليه في الأسبوع الواحد أكثر من 40 كتابا, وفي علوم متنوعة...!
ومن حرصه على العلم وتحصيله أنه كثيراً ما كان يتردد على أهل العلم, ويتودد إليهم, ويتواضع لهم, ومن هنا كانت علاقته بجدي الشيخ عبد الرحمن بن قاسم, وكان للشيخ ابن جبرين عليه أيادٍ بيضاء, ومن تلك الأيادي:
1- أنه قام رحمه الله, هو والعم سعد - حفظه الله - بمقابلة بعض كتب الجد رحمة الله عليه, ومنها: حاشية كتاب التوحيد, والإحكام شرح أصول الأحكام الجزء الرابع منه, وذلك في عام (1396هـ). أما الجزء الأول والثاني والثالث من الإحكام فقد طبعت في أثناء حياة المؤلف ـ رحمه الله.
2- كما قاما جميعا بمقابلة ومراجعة حاشية الروض المربع (التي أصبحت بعد ذلك من المقررات الرئيسة في كليات الشريعة), مع مقابلة الروض المطبوع على الروض المخطوط, منذ عام 1397, وحتى عام 1400هـ, أي لمدة أربع سنوات. وكانا يقومان بالمقابلة والمراجعة في جامع الأمير ناصر في حي دخنة, وذلك من صلاة العصر إلى صلاة المغرب, وأحياناً يجتمعان يوم الخميس في بيت الشيخ ابن جبرين لهذا الغرض, حتى أنهيا الكتاب, وهيآه للطباعة, وقد لاحظ العم - حسبما ذكر لي - نباهة الشيخ, وقوة حفظه, حيث كان يستشكل بعض المسائل, ويلاحظ خللاً في السياق, فإذا راجعا الأصل, وجدا أن هناك خطأ ما, يحتاج إلى تعديل, حسبما فطن له الشيخ ـ عليه رحمة الله ـ, وبهذا كان للشيخ ابن قاسم سبق التأليف, وكان للشيخ مع العم سبق المراجعة والتصحيح.
3- كما شارك الشيخ ابن جبرين في وضع فهارس مجموع الفتاوى مع العم محمد بن قاسم ـ رحمة الله عليه ـ, وكان ذلك في مكة المكرمة.
4- بل قام الشيخ ابن جبرين بجهد مشكور في مقابلة نسخ مجموع الفتاوى وقت إعدادها للطباعة مع مجموعة من المشايخ منهم الشيخ غيهب الغيهب - حفظه الله -, والشيخ سالم الدخيل - رحمه الله -, والعم محمد بن قاسم, والوالد ـ رحمهما الله تعالى جميعا ـ, وقد حدثني الوالد والشيخ ابن جبرين أيضا أكثر من مرة أنهما كانت تربطهما علاقة صداقة وودّ وقت أيام الطلب الأولى, حتى إنهما كانا يحفظان جميعا بعض المتون العلمية في المزرعة المعروفة على طريق العمارية, وقد كان من محبة الشيخ ابن جبرين للجد أنه كان يتعاهده بالزيارة في مقر إقامته في مزرعته تلك المسماة «مغيدر», بصحبة بعض المشايخ أحياناً من أمثال الشيخ ابن فريان, وابن غديان وابن سنان وعبد الرحمن بن مقرن والأمير عبد الرحمن بن عبد الله.
لقد جاهد الشيخ - عليه رحمة الله - جهاداً عظيماً في سبيل تبليغ العلم, فكان يسافر مرات عديدة في السنة الواحدة, ويقطع المسافات البعيدة؛ من أجل إلقاء الدروس والمحاضرات النافعة, وقد جمعني به يوماً لقاء في مطار جدة, وكنا جميعاً ننتظر الإعلان عن رحلة المغادرة, فأخذ يقص علي- برحابة صدره, وابتسامته الجذابة- بعض أخباره مع الوالد في فترة أيام الطلب, وبعض المواقف الطريفة, كل ذلك بتواضع جم, وببساطة وعفوية غير متكلفة, مما يكشف عن معدن الشيخ ـ رحمه الله ـ, وما كان يتمتع به من لين الجانب, وسماحة النفس, وكرم الخلق, والغريب أنه أخذ يكشف لي عن بعض التفاصيل الدقيقة قبل أكثر من 50 عاماً, وكأنه يتحدث عن أحداث وقعت بالأمس, مما يكشف عن ذاكرة متوقدة, وذهن حاضر يستوعب أدق التفاصيل.
لقد تميز الشيخ ـ رحمه الله ـ بمحبة الناس له, كباراً وصغارا, طلاباً ومستفتين, حتى كان الشيخ دوما محاطاً بشريحة واسعة من المحبين والمستفتين, وكانت فتاواه محل حفاوة وقبول للقاصي والداني, كما كان يتمتع بصدق اللهجة, والنطق بكلمة الحق, لا يخشى في الله لومة لائم, ولهذا كان من أبرز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في عصرنا الحاضر, وكان الكثير من الغيورين يبحثون عنه ويسألونه حينما تنزل نازلة, أو يحصل منكر ما, فيسارع ـ رحمه الله ـ بكل ما يستطيع من واجب الإنكار, سواء بمخاطبة المسؤولين, أو بإصدار الفتاوى التي تبين الموقف الشرعي من النازلة, وقد كانت له فتاوى واضحة ضد بعض أصحاب المعتقدات الفاسدة, فابتلي بسبب هذه الفتاوى حتى وهو على فراش المرض, وذلك حين رفعت ضده دعوى قضائية وهو في مستشفى في ألمانيا, حيث تحرك بعض أصحاب تلك العقائد المنحرفة برفع دعوى ضده؛ بهدف مقاضاته هناك, ومحاولة منعه من الرجوع إلى بلده؛ بحجة الدفاع عن الحريات وكرامة الإنسان كما زعموا, وأصحاب الدعوى هم من يغتال الحرية ذاتها بمخاصمة الشيخ على فتوى تقتضي حرية الكلمة أن تكون محل احترام وتقدير, ويستهدفون بهذه الدعوى القذرة الإنسان المريض وهو على فراش المرض, فأي حرية ينشدونها, وأي إنسان يتحدث عنه هؤلاء؟!! إذا كانوا يستهدفون الإنسان, العالم, الكبير السن, وهو على فراش الموت..!!! هل هذه معالم الحرية والإنسانية التي ينشدونها, أم هي توظيف للقضاء وللعدالة لتكميم أفواه العلماء, وإهدار إنسانيتهم وهم يصارعون المرض..؟!! لقد أبى هؤلاء إلا أن يرفعوا من مقام الشيخ وهو على فراش المرض, وأن يسلطوا أنظار العالم إلى فتاواه العابرة للقارات, وأن يطرق اسمه الكبير البرلمان الألماني...! ثم جاءت حادثة قتل مروة الشربيني في المحكمة الألمانية لتكشف عن حقيقة بعض العناصر المتطرفة التي تعيش في ألمانيا..! ومنهم رافعو الدعوى القضائية ضد الشيخ, لتكشف بأن القاتل والمدعي وجهان لعملة واحدة..! وأن الشيخ قد استهدف في حريته كعالم, كما استهدفت المرأة في كرامتها كمحجبة, ولم تنجح محاولة تشويه سمعة الشيخ, كيف, وقد سبقه إلى ذلك نبي الرحمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ, والذي ما زادته حملة التشويه والكراهية والرسوم المسيئة, إلا رفعةً في الدرجة, ورغبةً من العالم المتحضر للتعرف على شخصيته, وسيرته, والاهتداء بهديه, والدخول في دين الله أفواجا..! وبموت الشيخ ابن جبرين - رحمه الله - طويت صفحة بيضاء من صفحات التاريخ, وسيظل أثرها باقياً - بإذن الله - بما خلفه الشيخ من طلاب بررة, ومن كتب وفتاوى علمية ستظل محفورة في الأذهان, ويبقى الواجب علينا جميعاً أن نحافظ على تراث الشيخ وعلمه, ليبقى ما بقي الزمان, ويتأكد الواجب على أقارب الشيخ وطلابه ومحبيه, أفراداً ومؤسسات, بأن يهيئوا البنية التحتية, والأرضية المناسبة, لإبراز جهوده وعلمه للعامة وللمتخصصين, مستفيدين من وسائل التقنية الحديثة قدر الإمكان, وهم ـ بإذن الله تعالى ـ على مستوى الهم والمسؤولية. اللهم تغمد الشيخ بواسع رحمتك, وارفع درجته في المهديين, واجعله في عليين, مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, آمين يا رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي