نظامنا الصحي بين التوجه والتوجيه
في نيسان (أبريل) الماضي تجمع عدد كبير من الناس في طوارئ المستشفى الرئيس في إحدى المدن بإحدى الولايات الأمريكية، لأنهم شعروا بأعراض إنفلونزا الخنازير. هذا جعل قسم الطوارئ يعج بهم مما جعل الأطباء ومسؤولي المستشفى في حالة ذعر لعدة أسباب أهمها الخوف من زيادة انتشار المرض لو كان أحدهم أو عدد منهم مصابا فعلا بالمرض أو أي مرض آخر معد. واقعيا لا يمكن تصور حال الفريق الطبي والمرفق الصحي كإدارة من جانب، وكم انشغل المهتمون بالنواحي الصحية من شركات التأمين الصحي وخدمات الإسعاف الموحدة وجهات عدة أخرى بغرض فهم كيف يمكن علاج هذه المشكلة وإمكانية التصدي لها أو لمثلها في المستقبل مع أن نظامهم الصحي واضح؟. لقد كان الإعلام وبالتعاون مع مختلف الجمعيات والهيئات الصحية مسلطا الضوء على إهمال الناس لسؤال أطبائهم المسجلين لديهم عن ماهية التصرف المثالي في هذه الحالة قبل التحرك للمستشفى والتسبب فيما حصل. فلو أن الفرد تعود على أن يزور طبيب العائلة أو الأسرة أو حتى يتصل به لكان وجد العناية المناسبة لديه وفي حالة الشك في إصابته وحاجته لعناية صحية متقدمة فسيتم تحويله للمستشفى ليتلقى العلاج المناسب. من هذه الحادثة يمكن التأكيد على أن نظام الرعاية الصحية الأولية (بلسم) الذي أعد وخطط له قبل ست سنوات في المملكة، لا بد أن يتم تبنيه بشكل صحيح، وقد نوهت لذلك من قبل، ولا بد أن يتم التركيز عليه لأنه من نواح أخرى يعد من أهم الحلول لمعالجة تفاقم مشكلة نقص الأسرّة في المستشفيات على سبيل المثال. إن طبيب الأُسرة محور القضية الآن هو من يفترض الاتصال به أو طلب موعد معه أو زيارته عند الشك في ظهور أي أعراض مرضية لأي فرد وليس قصد المستشفى والسؤال عن الطبيب الاستشاري.
يتوقع أن يكون اتباع هذا المفهوم حلا لكثير من المشكلات الصحية والتنظيمية الصحية أيضا؛ حيث يمكن تفادي تكدس المستشفيات بالمرضى والمراجعين ومعالجة الحالات المرضية في أول مراحلها والتحكم في نسبة إشغال الأسرة. هذا سيجعل أيضا الأطباء أكثر قربا لأفراد المجتمع، فيتم تحسين عملية جمع وإحصاء أنواع الحالات المرضية المختلفة ويتم رفع مستوى القدرة على تمييز وتحديد الأولويات فتساعد بالتالي صاحب القرار على إصدار أفضل القرارات الصحية ووضع الخطط الصحية بشكل سليم. في مثل هذا النظام يمكن في هذه الفترة تصور طبيب الأسرة مشغول لدرجة أنه يعتمد على تقنية الاتصالات والمعلومات في أغلب الأحوال لتخطي عجزه عن التواجد في كل مكان مطلوب فيه أو الاتصال بجميع الراغبين في استشارة طبية. هذا مما اعتبره تمرينا جيدا لبرنامج طب الأسرة ابتداء من المادة والمعلومات التي يجب أن يبحث عنها ويدور فيها وتقييم وضع المجتمع الذي من المفترض أن يخدمه كسائلين أو زائرين أو مجالسين. من ناحية أخرى بمتابعته اللصيقة لجميع مصادر المعلومات التي يحتاج إليها في تقديم الخدمات التوعوية أو الصحية المباشرة والتي من ضمنها متابعة وضع المستشفيات واستعدادها ووضع الأسر وأنماط معيشتها وأساليبها المختلفة في ردة الفعل عند أي طارئ صحي، فهو في هذه الحالة عليه أن يكون مقنعا بتمكنه من المعرفة التي كونها ليستميل جميع الشرائح التي يخدمها ويوثق قناعتهم به.
إن طبيب الأسرة في معظم الدول التي تطبق هذا النظام يعتبر أكثر مصدر معلوماتي صحي يوْثَق به في كل الظروف، بل إنه في أحيان يسأل عن شؤون غير تلك المعنية بالصحة لفرط الثقة بقراراته وحكمته في اتخاذ الرأي المناسب في الوقت المناسب وبالآلية المناسبة. لقد جمع من أكثر من مصدر مقولة مفادها «إنه إذا تكلم طبيب الأسرة فعلى المجتمع أن يسمع ويعي». إن طبيب الأسرة هو الذي يعول عليه أساسا تغيير العادات السيئة في المأكل والمشرب والنظافة الشخصية وتناول الأدوية وذلك بأنه يمد الإخصائيين في كل تخصص بما يحتاجون إليه ليتسلموا مهامهم مع هذه الأسرة أو تلك فيحققوا ما هم متواجدون من أجله. في الواقع ما يتم رصده دائما يعد مصدرا لأبحاث اجتماعية وصحية موسعة لا غنى عنها في تطوير مفاهيم وتبني قرارات مهمة مفيدة للفرد والمجتمع بشكل عام؛ حيث يمكن تصميم عدة أبحاث يشارك فيها الأطباء والإخصائيون والقائمون بالعمل وسيجدون مادة ضخمة تمكنهم من فهم أسرار ردود أفعال الأسر بمختلف مشاربها للاستفادة منها في تطبيق النظام. أما أكاديميا فهو أيضا الملهم الحقيقي لكثير من أساتذة الطب الذين اهتموا بتطوير مناهج التعليم الطبي في جامعات العالم المرموقة. هذا بالتالي سيفتح لنا أفق الاهتمام ببرامج الزمالات وتوجيهها ودعمها وزيادة مقاعدها بشكل يتواءم وحجم الاحتياج الذي سيتطلب منا الانتظار لعقدين من الزمان حتى نصل لدرجة الكفاية فيه أو الرضا عنه. قد يجد كثير من المتابعين أن هناك دعوة إلى «تطبيب» أو مناقشة كل العلوم والشؤون الحياتية المعاصرة من زاوية صحية وطبية، مما قد يوجد فجوات بين المسؤولين والمستفيدين في قطاعات أخرى وبين الناس في محاوراتهم وشؤونهم، من وجهة نظر شخصية، لأن ما نبحث عنه جميعا هو حياة عملية وصحية متكاملة، فإن ما يهمنا هو أن تبقى النفوس في صحة دائمة، والأبدان مقاومة لكل المؤثرات الاعتراضية من ملوثات وممرضات، لذلك نحتاج إلى تحوير كثير من المبادئ والممارسات الصحية، التي يشترك فيها أفراد المجتمع في المملكة، فحادث هذا العام ضرب أكبر مثل في أهمية تواجد طبيب الأسرة بيننا، فهل سنبدأ في تبني النظام فعليا؟.