كل منا يمكن أن يكون مليونيرا... إذا أردنا ذلك (1من2)
قد تكون إحدى منافع الأزمة التي يعيشها العالم أجمع، إن كان هناك إيجابيات، أن كثيرا من المبادئ القديمة عادت إلى السطح بقوة على الأقل على المستوى الفردي. رغم أننا كأفراد في المملكة نعيش أزمة مالية منذ انهيار سوق الأسهم في 25 شباط (فبراير) 2006م بما كسبت أيدينا وأيدي السارقين منا! يعني نحن نعيش أزمة قبل الأزمة المالية العالمية بعامين ونصف! والتي نقلت عملياً المجتمع بكامله من حال إلى حال!
بطبيعة الحال من خلال العنوان أعلاه يصبح لدى القارئ العزيز افتراض أن كل من يقدم نصيحة أو إرشادا، عليه أن يكون هو أول من طبقها على أقل تقدير أو حاول! وهو افتراض رغم أن الأدبيات والتجارب تؤكد أنه قد يكون هناك من يعالج الناس وهو عليل، إلا أنه افتراض صحيح ومنطقي وأؤمن به! وعليه يجب أن أقول إني لست مليونيرا ولا أطمح أن أكون كذلك، كون الحياة فيها من الأهداف ما هو أهم وأجمل، ونحتاج إلى أن نعمل على تحقيقها طوال العمر، دون أن تتطلب أن تكون مليونيرا. ولكن ولله الحمد الحال مستورة كما يقال.
كما أن العنوان ليس ترويجاً لفكرة الكتب المنتشرة أصلا، والتي لا تحتاج إلى دعاية على شاكلة ''كيف تكون مليونيرا في...'' أو ما شابه. وهي ليست من الكتب التي أقرؤها أو أتعامل معها لا سابقا ولا حالياً ولا أتمنى مستقبلا، فالحياة قصيرة بحيث لا أملك ترف الإطلاع عليها، فما بالك بقراءتها ومحاولة الاستفادة منها. رغم ان الناشرين العرب ومع الأسف الشديد أكثر ما يركزون على ترجمة هذه النوعية من الكتب من كل الثقافات والمدارس للقارئ العربي، ويتجاهلون كتاباً بحجم جامعة أو جامعات من تلك المنتشرة في الوطن العربي، لو ترجمت للعربية وقدمت للمواطن العربي فهي (أي تلك النوعية من الكتب المليونيرية!) مطلوبة وتدل على مستوى التفكير داخل المجتمع العربي بشرائحه كافة!
كما أن العنوان لا يهدف فعلا إلى جعل كل مواطن مليونيرا، ولا يمكن أن يكون ذلك. كما أنه لا يقدم وصفة جاهزة للتطبيق. ولكن نحاول أن نؤكد حقيقة واحدة من خلال هذا المقال وهي حقيقة طالما سببت ألما كبيراً عندما أشاهد أو أتعامل مع حالات يكون فيها المواطن صاحب الحلقة الأضعف، رغم أنه يملك كامل القوة والقدرة والفرصة على تحقيق كل طموحاته بكل يسر وسهولة. وأنا هنا أعني ما أقول بجملة ''يسر وسهولة''.
عندما نشاهد كل بلاد العالم المتقدم والنامي وصعوبة الحياة على أفرادها وشركاتها وكيف عليهم أن يحفروا في الصخر كما يقال لتحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة، ويدفعوا الضرائب بشتى أنواعها، بينما لدينا - ولله الحمد والمنة - كانت الأمور ولا تزال حتى اليوم، أكثر سهولة، ولكنها أيضا ليست سهلة بالمطلق، بسبب المفهوم الأبوي الموجود لدينا سواء من خلال العلاقات الاجتماعية أو من خلال رعاية الدولة للمواطن عبر مفهوم ''من المهد إلى اللحد''! نستطيع أن نقول إن كل مواطن يمكن أن يكون مليونيراً، بقليل من الجهد والتعب لتحقيق الطموحات، إن كانت هناك طموحات للفرد! مع عدم إغفال أن كثيرا من الدول المتقدمة ورغم صعوبة النجاح فيها بسبب شدة المنافسة وقوتها إلا أنها تتمتع بشيء مهم وهو ''عدالة الفرص'' التي تتاح!
السؤال كيف يمكن ذلك؟
أولاً: عندما نقف على حالات كثيرة لمغتربين أجانب سواء كانوا عرباً أو عجما، ونجدها جاءت بمهن ودخول بسيطة جداً، وبعد فترة تقصر أو تطول، نجد أنهم حققوا مكاسب طائلة، وفي حالات استثنائية وصلت إلى أرقام بالمليارات من الريالات، ولحالات أخرى ملايين الريالات، فيما كثير منهم بمئات الآلاف من الريالات، من خلال استغلال فرص فطنوا لها، ولم يدركها المواطن ابن البلد! علينا أن نقول إن هناك خطأ ما في طريقة تفكيرنا! وأرجو من المواطن أن يدرك أنني أتحدث عن الحالات الطبيعية النظامية لهؤلاء المغتربين وليست الحالات المخالفة التي ليست قاعدة ولكنها استثناء. ولكن هذا يؤكد أن الفرص المتوافرة لدينا تجعل كثيرين يستغربون من الشباب الذي يستجدي وظيفة برواتب متدنية! فيما آخر مغترب لا يقرأ ولا يكتب يأتي من بلاده بعد أن باع كل ما يملك حتى يحصل على التأشيرة، وخلال سنوات يبدأ في تحويل الأموال وبناء المباني في بلده، من الأموال التي يجنيها من أعمال نراها أقل من أن ينظر إليها. وإن نظرنا إليها، فمن خلال استقدام العمالة وتشغيلها!!!
ثانياً: وضوح الهدف الذي يريده الشخص من خلال عمله مهم جداً في تحديد مدى نجاحه من عدمه في حياته! وهي إحدى مشكلات المنشآت الصغيرة والمتوسطة وحتى المتناهية الصغر، بما فيها الشركات الكبيرة في بعض الأحيان، فما بالك بالأفراد. آلاف الأفكار الجيدة تفشل بسبب عدم وضوح الهدف لصاحبها أو استمراره والقتال في تحقيقها، لأن النفس قصير جداً! لا أدري لماذا نحن مستعجلون لدرجة أننا مصرون على حرق مراحل مهمة من حياتنا على غرار طريقة قطع إشاراتنا المرورية؟!!! صراحة لا أدري!!!
ثالثاً: لدينا خلل على المستوى الشخصي وعلى مستوى الشركات في إدارة إيراداتنا ومصروفاتنا. مشكلة حقيقية بمعنى الكلمة. كم عدد من لديهم خطط تتناسب مع ظروفهم المالية؟ أستطيع أن أدعي أن ما يزيد على 50 في المائة من حالات القروض الشخصية التي حصل عليها المواطن لم يكن لها داع! ولكنها في نظرهم أقصر الطرق دخولا فيها، وأطولها خروجا منها! فضلا عن عدم معرفته كيف يقترض؟ ومتى يقترض؟
وحتى أختم أود استعراض مثال، لعل يكون فيه الفائدة لنا جميعاً. إذا كنت شابا جامعيا موظفا حديثا وعمرك 20 سنة، وحصلت على دخل شهري محدود لا يتجاوز خمسة آلاف ريال فقط لا غير(دخل ممتاز مقارنة بالمساكين حراس الأمن وبعض فئات موظفي القطاع الخاص!!!)، وليس لديك أحد يصرف عليك أو إمكانية أن ترث منه مستقبلا! وتريد سيارة وبناء أسرة (يعني زواج واستئجار بيت أو شراء بيت إن أمكن)، وتريد تحسين مستواك المعيشي كما تتطلبه مرحلة الاستقلال عن الأهل فلم تعد ذلك الطالب المعتمد في مصروفه على والديه! كيف يمكن إنجاز كل تلك الطموحات بدخل خمسة آلاف ريال شهرياً؟ أي ستين ألف ريال سنوياً دون الدخول في القروض! وعلى افتراض أن النمو السنوي للراتب بمعدل 7 في المائة إلى 10 في المائة سنوياً في أحسن الظروف خلال مدة الخدمة حتى عمر الستين (ما يعني أن الراتب قد يصل إلى 14 ألف ريال بعد أربعين سنة خدمة)! لاحظ لم أضع في الاعتبار مصروفاتك اليومية الأساسية من ملبس ومشرب وإيجار بيت كعزوبي حالياً، والذي يستهلك في أقل الأحوال 25 في المائة من دخلك (متوسط 15 ألف ريال سنوياً للشقة)، عطفا على فواتير الكهرباء والماء والجوال وما أدراك ما فواتير الجوال لشاب أعزب! والتي هي بمعدل 15 - 20 في المائة من الدخل للشخص الرشيد في استهلاكه! فضلا عن السفر!
في الأسبوع القادم سوف أحاول إعطاء إجابات عن هذه الحالة وحالات مشابهة من خلال استعراض تجربة حقيقية لكيفية التعامل المادي مع تلك المشكلة! والله من وراء القصد.