التدخين: هدر الصحة والمال
مع بداية إجازة الصيف كنت أسير في الشارع فلاحظت شابين صغيرين يشعلان السجائر, ويدخنان على الرصيف, وأمام المارة والناس دونما مواربة أو خوف أو خجل, ومثل هذا السلوك له دلالته، فمع الفراغ الذي قد يحس به الشباب حتى الصغار يظن البعض أن أي ممارسة حتى لو كانت خاطئة قد تخفف عنهم وطأة الفراغ, كما قد تحقق لديهم الشعور بإثبات الذات.
التدخين في مرحلة مبكرة من العمر بلية كبيرة لا يحس بها الفرد في حاضره، لكنه قد يجد آثارها فيما بعد, سواء على مستوى صحته, أو مستوى علاقاته الأسرية مع زوجته أو أبنائه أو آثارها الاقتصادية، حيث يصرف من ميزانيته كثيرا من المال في أمر لا فائدة منه البتة.
أرقام مخيفة نقرأها, ونسمع عنها سواء أعداد المدخنين أو الأموال التي ينفقونها على هذه الممارسة السيئة, قرأت في إحدى الصحف أن الإنفاق في السعودية على التدخين يبلغ 12 مليار ريال سنوياً. أما في مصر فينفق المصريون ثمانية مليارات جنية سنوياً, وفي الأردن ينفق المدخنون نصف مليار دينار أردني، أي أربعة مليارات ريال سعودي, أرقام مخيفة للإنفاق المباشر على التدخين في ثلاث دول عربية وإسلامية, ولو وسعنا دائرة التأمل في باقي الدول العربية والإسلامية لوجدنا أن عشرات المليارات تهدر على هذه الممارسة الخطرة, والسيئة, لكن حساب الإنفاق على التدخين لا يقتصر على الإنفاق المباشر، بل إن هناك إنفاقاً آخر يتمثل فيما ينفق على المرضى, الذين يعالجون بسبب إصابتهم بأمراض مزمنة سببها التدخين, كما أن التلوث الذي يحدثه التدخين في البيئة له أضرار كثيرة يترتب عليها إنفاق إضافي, ويدخل ضمن حزمة الآثار الاقتصادية المترتبة على التدخين الوقت المستقطع الذي يأخذه المدخن في عمله، ما يؤثر في الأداء والإنجاز في العمل.
الوقوع في التدخين والشره فيه مأساة، لكن لا بد من البحث في أسبابها, سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي, أي هل يوجد أسباب نفسية أي داخل الفرد تضطره إلى التدخين, أم أن العوامل الخارجية أي البيئة الاجتماعية تمثل أسباباً لذلك؟ أعتقد أن إيهام الذات والبحث عن الأسباب التي يبرر بها الفرد سلوك التدخين ليس من الصعب الحصول عليها، لكن تبقى هذه المبررات أوهاماً لا تصمد أمام حقائق الأضرار المترتبة على التدخين, فما يتوهمه الفرد من متعة يجدها في التدخين أو أنه بلغ مبلغ الرجال أو أنه يخرج من همومه, وضغوط الحياة، كلها مبررات تسقط أمام الحكمة لو توافرت عند الفرد أو لو فكر ملياً في سلوكه الذي لا يقتصر ضرره عليه، بل ينتقل إلى أبنائه, والمحيطين به, وكذلك البيئة العامة.
مع حقيقة ازدياد عدد المدخنين, وزيادة تكاليفه على الاقتصاد الوطني يستوجب الأمر التساؤل عن كيف نتصدى أفراداً أو مجتمعا لهذه الآفة؟ جمعيات محاربة التدخين تبذل جهداً, ووسائل الإعلام من الممكن أن تبذل جهوداً هي الأخرى, وكذلك الخطباء في المنابر، لكن لا بد من إجراءات, وتنظيمات رسمية ترتبط في الوظيفة, والترقيات, والقبول في الكليات خاصة العسكرية, ولا بد من التفكير في الحد من الاستيراد إن لم يكن منعه. في الغرب الذي ينتج هذه الآفة ويعتمد على إنتاجه كثير من المزارعين, والعاملون في المصانع، يسعى جاهداً إلى إيجاد البدائل التي تقدم على شكل حوافز للإقلاع عن زراعة التبغ, واستبداله بمنتجات أخرى، رغم أن هناك حركة قوية مضادة لهذا التوجه من قبل شركات التبغ ومصانعه، التي تحاول الإبقاء على الوضع على ما هو عليه, بل تطوير صناعته, والتوسع فيها حتى لو كان على حساب صحة الناس وأموالهم.
دعونا نحلم ونحن نناقش هذا الموضوع لو أن نصف المدخنين في السعودية، مصر, والأردن، التي استشهدنا بها في بداية المقال، توقف عن التدخين كم سيوفر المدخنون من أموال تعود لهم في أمور أهم؟ وكم سيوفر المجتمع في اقتصاده؟ ذلك أن ما ينفق على هذه البضاعة ما هو إلا استهلاك لا مردود له على الإطلاق, هذه الدول الثلاث سيوفر نصف المدخنين فيها ما يقارب 12 مليار ريال يمكن توجيهها لبناء مدارس, مستشفيات, مساجد, تعبيد طرق, بناء دور للأيتام, مساعدة المحتاجين والمقبلين على الزواج, وتقديم بعثات للراغبين في الدراسة خارج الأوطان, منافع جمة لا يمكن حصرها ستكون آثاراً إيجابية فيما لو توقف نصف المدخنين فقط عن التدخين.
أعود لما بدأت به من ملاحظة شابين صغيرين يدخنان لأشير إلى أن السلوك الفردي من الممكن أن يكون في أي صورة إذا افتقد الفرد القيم والرقيب الذاتي الذي يمثل البوصلة التي توجهه نحو الأفضل في حياته الحاضرة والمستقبلية, لكن لا ننسى أن الرقابة الاجتماعية العامة, التي تشكل مصدر تأثير في أفراد المجتمع، تمثل هي الأخرى عاملاً قوياً يردع الأفراد عن كثير من الممارسات, لذا فالحاجة لتقوية ثقافة رفض التدخين والمدخنين ربما يكون لها تأثير، خاصة أنها كانت موجودة في السابق وكان المدخنون يتوارون عن الأنظار, ويمارسون الحيل حتى لا يعرف أنهم مدخنون. إن ثقافة المجتمع الرافضة للتدخين تمثل قوة ضاغطة على المدخنين تحد من هذا السلوك، فهل نعيد تفعيل هذه القوة الضاغطة؟
إن سلطة المجتمع، متمثلة في ثقافة حازمة ضد التدخين، سيكون لها دور يحد من هذه الممارسة السيئة, كما أن المدرسة ووسائل الإعلام لا بد لهما من ممارسة دور قوي في هذا المجال حتى نحصن الشباب, والشابات من هذا البلاء المدمر.