تعلم اللغة الإنجليزية.. تعلم لغة أم ثقافة?

ما زلت أجد صعوبة في إقناع متعلمي اللغة الإنجليزية بأن عليهم فهم ثقافة البلد المراد تعلم لغته قبل أن يتعلموا لغته. فمثلا وبحكم دراستي في أمريكا وبريطانيا فإنني أجد أن اللغة الإنجليزية في بريطانيا تختلف عن اللغة الإنجليزية في أمريكا ولأسباب واختلافات ثقافية بين أمريكا وبريطانيا. لذا يستحيل تفهم اللغة الإنجليزية بعيدا عن تفهم الثقافة الإنجليزية.
وتصديقا لمفهوم العلاقة بين الثقافة واللغة أجد أن بعض الكلمات العربية لا يوجد لها مضاد ومعنى باللغة الإنجليزية. فمثلا كلمة العفة وهي من الكلمات المهمة في القاموس العربي بل وتسببت كثيرا في إعلان الحروب والقتال على المستوى الشخصي أو على المستوى القبلي منذ قديم الأزل, بل لا يزال مصطلح قتل الشرف من المصطلحات الرائدة في بعض الدول العربية, لكن كلمة العفة ليس لها معنى "حرفي" في اللغة الإنجليزية.
وتأكيدا على أن اللغة ثقافة نجد في اللغة الإنجليزية أن المال يربط بالصرف كصرف المال. فالوقت في الثقافة الغربية يقاس بالمال, لذا تستخدم عبارة spend على صرف الوقت، بينما في عرفنا العربي لا نقول "صرفت أربع ساعات أقرأ كتابا ما". فللأسف أن الوقت في عرفنا مفتوح وممتد وليس له حدود, بينما الوقت في العرف الغربي محدود وينضب كالمال.
يجب النظرة إلى الغة بالمؤثرات المحيطة بها, لذا نجد أن المؤثرات في اللغة تختلف باختلاف الدول, فمثلا تجد أن بعض الدول الخليجية وبحكم كثرة الجالية الهندية يستخدمون عديدا من الكلمات والمصطلحات الهندية, فيقال مثلا "أمشي سيده" أي على طول, بينما نجد أن بعض الدول العربية وبحكم تأثرها باللغة الفرنسية تجد اختلاطا واضحا بين اللغة العربية بكلمات فرنسية خصوصا بلدان المغرب العربي, والأمثلة على هذا كثيرة ولا تحتاج إلى كثير من الإيضاح.
البعض يعتقد جهلا أن القدرة على التحدث باللغة الإنجليزية أرقى درجات اللغة، بينما الحقيقة تقول إن القدرة على الكتابة أعلى درجات اللغة, لذا نجد أن اليابانيين يكتبون باللغة الإنجليزية بطريقة مميزة وأفضل في كثير من الحالات من الإخوة العرب, لأن الهدف من اللغة التعلم والتواصل المعرفي والذي عادة ما يكون مكتوبا.
أجد أن تعلم اللغة الإنجليزية ناقص إذا لم يؤد تعلمها إلى معرفة, فاللغة وسيلة وليست غاية, لذا تجد أن شعوبا تتكلم الإنجليزية بطلاقة لكنها لا تزال تصنف كدول عالم ثالث كالفلبين, بينما تعد اليابان من الدول المتقدمة مع أنك تشعر بصعوبة في أن تجد من يرشدك باللغة الإنجليزية عند زيارتك إلى اليابان. يتحدث البعض لدينا الإنجليزية أو الفرنسية من أجل إثبات أنه إنسان حضاري دون الاستفادة من تعلم اللغة لتفهم منطلقات وثقافة الآخر أو للتواصل المعرفي مع الآخر.
كنت أتمنى وما زلت أتمنى أن يتحول موقفنا من اللغة الإنجليزية من مجرد تعلم لغة "تشخيص وإثبات أني إنسان حضاري" إلى نقل معرفي وتواصل ثقافي مع الشعوب الأخرى.
لذا أجد أن بعض تصرفات الإخوة السعوديين في الخارج ممن يتحدثون الإنجليزية ولكنهم لا يعون كيفية مخاطبة الآخر وفق ثقافته ما ينعكس سلبيا على النظرة للسعودي, وكأنه متخلف, لديه المال لكن لا يعرف كيف يستخدمه, لذا فهو يهدر ماله ولا يعرف أن يستخدمه حسب التصور والعقلية الغربية، بينما نعتبر تصرفه كرما عربيا "وإن كان في غير محله".
البعض يفكر في السياحة الخارجية خلال إجازة الصيف, لكن ما أريد التأكيد عليه إضافة إلى ما يذكر عادة في مثل هذا السياق من التمثيل الديني والوطني أن يكون التعامل والتواصل بناء على التفهم الثقافي للبلد المضيف، فما تعتبره كرما يعتبره البعض سوء إدارة للمال. وما يعتبره البعض دليلا على أنه "هامور أو كاش" يفسره الآخر على أنه رجعية وتخلف مع عدم إدارة للمال بشكل حضاري.
أعود للحديث الذي بدأت به المقال من أن تعلم اللغة إن لم يقد إلى تواصل وتفهم لمنطلقات الآخر فلا داعي منه, فاللغة وسيلة لتفهم الآخر ولا يعني أنها تحقق هذا التواصل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي