رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جامعة الملك عبد الله.. حلم يتحقق

عندما قرر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ـ حفظه الله ـ تنفيذ الفكرة التي كانت تراوده لأكثر من 20 عاما، وهي إنشاء جامعة سعودية علمية عالمية متميزة، و مستقلة بذاتها، أراد أن يتولى تصميم برامجها الأكاديمية ومُنشآت أبحاثها جهة لا تخطر بسهولة على البال. الملك عبد الله ـ رعاه الله ـ حكيم و يُقدِّر مستوى الإمكانيات المُتوافرة، و هو يُريد للجامعة أن تكون جاهزة لبدء العمل خلال أقصر فترة ممكنة دون أن يُؤثر ذلك على المستوى الذي كان يطمح إليه. وفي الوقت نفسه، فهو يُدرك أن أعمال المؤسسات الحكومية ذات الاختصاص ترزح تحت كثير من المُعوقات الروتينية التي ليس من المتيسر التغلب عليها. أضف إلى ذلك عدم وجود جهاز فني وإداري متكامل داخل تلك المُؤسسات، ولا البنية التحتية التي لا تحتاج إلى مساعدة خارجية كبيرة. فوجد ـ أطال الله في عمره ـ ضالته في الشركة الوطنية، أرامكو السعودية، التي تمتلك جميع المزايا التي يحتاج إليها المشروع. فتوكل على الله وأناط بها القيام بمهمة إنشاء الجامعة بكل تفاصيلها ومتطلباتها، ومن ثم تسليمها إلى إدارة مسؤولة مستقلة تكون "أرامكو" قد أشرفت على اختيار كوادرها. وقد وجه جلالته أن يكون للجامعة مجلس خاص يُشرف على كيفية أدائها وتنفيذ مهماتها، وفي الوقت نفسه أوجد وقفاً كبيراً يُخصَّص دخله للجامعة لضمان استقلاليتها المالية.
ومن يومها لم تُضع شركة أرامكو السعودية ساعة واحدة من الوقت، فقد بدأت فوراً باختيار نخبة من الشباب السعودي المُؤهل من أجل وضع الصورة المتكاملة لما ستكون عليه الجامعة تحت توجيه مباشر من وزير البترول والثروة المعدنية ورئيس شركة أرامكو السعودية، وكان الوزير ـ حفظه الله ـ حلقة الوصل بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله و بين شركة أرامكو السعودية خلال المراحل الأولى من بلورة الفكرة الأساسية لما ستكون عليه الجامعة، ثم واصل متابعته الدقيقة لنمو وتقدُّم المشروع، وشارك شخصياًّ في عدة جلسات داخل المملكة وخارجها مع المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية التي سترتبط باتفاقيات المشاركة والتعاون مع الجامعة الفتية. وقد تقرر أن تُحصر الدراسة في الجامعة في تقديم الماجستير ودرجة الدكتوراه، وألا تشمل ما دون ذلك من أجل ضمان التأكد من أن المتقدمين للدراسة هم من المتفوقين الذين تظهر رغبتهم واستعدادهم لإجراء البحوث العلمية التي من أجلها أنشئت الجامعة.
وقد بذلت الشركة مجهوداً جباراً يليق بالمسؤولية التي وُضعت على عاتقها، فالأمر بالنسبة لها، لم يكن مُتعلقاً فقط بتصميم وبناء المرافق الثابتة من مبان للتدريس ومعامل ومرافق السكن والترفيه، بل كان هناك ما هو ربما أهم وهو ما يتعلق ببناء الإنسان الذي سيتلقى التعليم فيها وفي مخارج البحوث العلمية التي ستكون ـ بإذن الله ـ من أهم إنجازات جامعة الملك عبد الله. استعان الفريق المُكلف بمهارة فائقة وجهد كبير بمؤسسات علمية وأكاديمية عالمية متميزة لوضع النظام التعليمي الأساسي للجامعة واختيار المناهج المناسبة لما يتطلبه طموح ورغبة خادم الحرمين الشريفين، وكذلك تحديد مواضيع البحوث العلمية التي سيُكلف بها الباحثون من أساتذة وطلاب. وقد تضمن عمل الفريق المختص إبرام اتفاقيات ومفاهمات مع مراكز بحوث علمية عالمية وشركات صناعية من أجل تسويق النتائج العلمية والبحثية التي سيتوصل إليها منسوبو الجامعة، محلياًّ وخارجياًّ. ومن ضمن البحوث التي من المقرر أن تكون محل عناية خاصة من الجامعة، دراسة مصادر الطاقة وارتباطها بالبيئة وعلم المواد والبحوث البيولوجية وعلوم الرياضيات والكمبيوتر التطبيقية.
بدأت الشركة العمل بوضع جدول زمني لجميع مراحل وخطوات العمل وإنهائه كاملا خلال فترة زمنية متواصلة، ليكون جاهزاً للعمل في نهاية رمضان المبارك من عام 1430هـ، رغم ضخامة المشروع وتنوع مُتطلباته التي تشمل أيضا إعداد البرامج الأكاديمية ونظام الدراسة وتنظيم صلة أداء البحوث العلمية مع الأداء الأكاديمي. وقد تعمد المسؤولون في شركة أرامكو السعودية أن يكون إنجاز المشروع خلال الفترة الزمنية المقررة تحدياً لقدراتهم ومهاراتهم وخبرتهم في تنفيذ المشاريع الكبيرة، على الرغم من اختلاف طبيعة بناء صرح أكاديمى من لا شيء وبناء المرافق النفطية العملاقة التي اعتادوا على تنفيذها. وقابلوا التحدي الذي وضعوه لأنفسهم، بعمل المستحيل من أجل إنجازه في الوقت المحدد، وربطوا ذلك بعمل الترتيبات اللازمة لوصول الأساتذة والطلبة إلى مقر الجامعة في الوقت ذاته، مما ضاعف من مسؤولية الانتهاء من المشروع في الموعد الذي رسموه لأنفسهم.
والشاهد هنا أن مشروع الجامعة قد أوشك على الانتهاء وأصبح لا يفصله عن بدء الدراسة إلا شهران، وجاءت المناسبة المُنتظرة وهي دعوة راعي المشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ـ أطال الله في عمره ـ على عمل صالح، ليطَّلع بنفسه على المراحل النهائية. وكان حضوره والتقائه ببعض العاملين على تنفيذ المشروع ومراسم الحفل، على الطبيعة، قمة في البساطة والتواضع، وروعة في أداء ممثلي شركة أرامكو السعودية وعلى رأسهم رئيس الشركة خالد عبد العزيز الفالح. وقد اختاروا أن يستقبلوا الملك مُرحبين به وهم يرتدون ملابس العمل ليكون ذلك تعبيراً عن أن المشروع لم يكتمل بعد. وكان من الواضح من ملاحظات واستيضاحات الملك أنه كان متابعاً لخطوات التنفيذ.
وقد تساءل بعض الغيورين على مصلحة الوطن والمواطنين عن الأسباب التي دعت إلى اختيار إنسان غير سعودي ليرأس الجامعة، وهو تساؤل في محله. ولكن يجب ألا يغيب عن البال أن فكرة إنشائها كانت مبنية على أن تكون مؤسسة علمية عالمية و تكون محصلة بحوثها لصالح البشرية جمعاء. ويجب علينا ألا ننسى أننا نستخدم في شؤون حياتنا تقنيات واختراعات ليست من صنعنا، بل توصل إليها غيرنا. وكان من المبادئ الأساسية للجامعة اختيار أعضاء الإدارة وهيئة التدريس على أساس الخبرة، كل في مجاله، إلى جانب البروز الأكاديمي والبحث العلمي. وإذا وُجد من تنطبق عليه معادلة التقييم من أبناء السعودية وإخواننا العرب، فسوف دون شك تكون لهم الأفضلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي