الأزمة المالية مقدمة للحمائية ودعاوى الإغراق

أفرزت الأزمة المالية العالمية مظاهر كثيرة كانت نتيجة للحراك السياسي أكثر منها استجابة للمتطلبات الاقتصادية. ومن أهم وأسوأ تلك المظاهر الحمائية التي بدأت تسري في جميع دول العالم تقريباً ويدور تداولها بشكل صريح داخل الدوائر السياسية البرلمانية للدول، كما يتم تبنيها من خلال إصدار قوانين إما تفرض استخدام المنتج الوطني أو تعطي تفضيلاً للشركات الوطنية من خلال الحوافز الضريبية لاستخدام منتجاتها. لذلك لم يكن مستغرباً ما قامت به الصين أو ما تسعى إليه الشركات الصينية لفرض رسوم إغراق على الشركات السعودية المصدرة للميثانول والبيوتانديول، إذ إنه يأتي في نسق عالمي يتجه نحو حماية مصالح الدول من خلال اتباع مثل تلك الإجراءات الحمائية.
والصين معروفة باتخاذ تدابير حمائية بهدف دعم مصدريها أو حمايتهم مما يساعدها على التمتع بفائض تجاري مع العالم الخارجي خصوصاً مع الولايات المتحدة. حيث عمد الرئيس الأمريكي أوباما منذ توليه منصب الرئاسة مدعوماً من المكسيك إلى الضغط على الصين التي تقدم حماية وحوافز تصديرية للمنتجين لديها تخالف روح قوانين منظمة التجارة العالمية من خلال تمتع المنتجين الصينيين بحوافز ضريبية لتمكنهم من المنافسة عالمياً. أضف إلى ذلك أن الصين اتبعت نهجاً عدائياً ضد الدول التي تفرض رسوماً عالية على صادراتها من خلال استخدام قوانين منظمة التجارة العالمية بشكل لا يبرر قانونياً من خلال فرض رسوم الإغراق.
ففي نهاية عام 2008 فتحت الصين قضية ضد الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالرسوم الجمركية التي تصل إلى 87 في المائة على صادراتها من البراغي والأقفال والتي تعد الصين أكبر منتج لها في العالم، كما يعد الاتحاد الأوروبي أكبر مستورد لها. وفي الوقت نفسه خسرت الصين قضية تتعلق بنظام الواردات الصينية من السيارات ضد كل من الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي في منظمة التجارة العالمية. كما أن الصين حالياً تعمل على إغلاق قطاع النقل بالسكك الحديدية بشكل تدريجي لحماية الشركات الوطنية من دخول شركات أجنبية إليها. كل تلك بعض الممارسات التي تمارسها الصين للعمل على المحافظة على الميزات التجارية التي اكتسبتها مع الزمن من خلال سياسات لا تتفق وروح المنافسة التجارية الحرة التي تؤسس لها منظمة التجارة العالمية.
والحرب التجارية لم تتوقف عند استخدام الصين بعض التدابير التي من شأنها أن تقيد الواردات أو تشجع الصادرات ولكنها تعدت ذلك إلى استخدام العملة الصينية كوسيلة لترويج المنتجات الصينية في الأسواق العالمية، الأمر الذي حدا بوزير الخزانة الأمريكي إلى اتهام الصين بالعمل على تخفيض العملة الصينية بشكل مصطنع أمام الدولار الأمريكي مما يشكل ضغطاً على الميزان التجاري بين الدولتين. ونتيجة للجدية التي أظهرتها الإدارة الأمريكية الجديدة في التعامل مع هذا الأمر ردت الصين بأن هذا الأمر غير صحيح وهو محاولة من الولايات المتحدة لفرض حماية ضد المنتجات الصينية وأتبعت ذلك بالتعامل باليوان الصيني لسداد قيمة صادراتها مع الدول والأقاليم المجاورة مثل مكاو وهونج كونج.
إضافة إلى ذلك، فقد حذرت الصين من النزعة الحمائية المقابلة التي تبنتها الإدارة الأمريكية من خلال حزمة التحفيز الاقتصادي التي تجاوزت الـ 780 مليار دولار أمريكي والتي تبنت فيها شعار (اشتر السلع الأمريكية) والتي قد تؤثر في التجارة العالمية ككل ومن ثم ستؤدي إلى نتائج مخالفة لأهداف حزمة التحفيز الاقتصادي. حيث قد يؤدي تراجع معدلات التبادل التجاري في العالم إلى التأثير في الشركات في مختلف الدول وفي قدرتها على أداء التزاماتها المالية إلى البنوك التي تتعامل معها وبالتالي في القطاع المالي العالمي ككل والذي يعاني في الأصل أزمة مالية حادة.
لذلك كان قرار قمة العشرين في كل من واشنطن والأخير في لندن قد أكد أن تتجنب الدول النزعة الحمائية التي قد تلجأ إليها في سعي منها إلى حماية اقتصاداتها، وكان الكل مجمعين على أهمية ذلك من ناحية المبدأ. ولكن على الرغم من ذلك الالتزام السياسي القوي، إلا أنه كان التزاماً ظاهرياً فقط، حيث أقدمت جميع دول العشرين، ما عدا ثلاث دول هي المملكة, والمكسيك, وجنوب إفريقيا، على تدابير حمائية بأشكال مختلفة. ومن شأن هذه التدابير أن تؤدي إلى التأثير السلبي الكبير في العمل الدؤوب الذي تقوم به الدول للتخفيف من آثار الأزمة المالية العالمية.
وعوداً على قضية الإغراق الصينية، فإننا نتوقع ظهور مثل هذه القضايا ليس من قبل الصين فقط، ولكن من قبل دول أخرى ستسعى إلى حماية صناعاتها المحلية في سعي إلى التخفيف من آثار الأزمة المالية القصيرة الأجل في موازين المدفوعات. وبالتالي فإن هناك حاجة ماسة إلى أن تكون جميع الجهات المختصة جاهزة لمواجهة مثل تلك القضايا سواءً من خلال الأطر القانونية المعتادة أو من خلال العمل من خلال منظمة التجارة العالمية على دحض تلك المزاعم. كما أن على الشركات المصدرة أن تجهز نفسها لمواجهة مثل تلك الدعاوى القانونية من خلال جمع الأدلة التي تدحضها وتخفف من آثارها السلبية في صادراتها لتلك الدول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي