بدائل نمو الكهرباء.. تمويل اليوم وتطوير الغد
شهد قطاع الكهرباء خلال الأسبوعين الماضيين ثلاثة تطورات مهمة تباينت أهدافها الزمنية بين قصيرة، ومتوسطة، وطويلة الأجل، وتشابهه أهدافها المهنية في استهدافها جميعا التمويل المالي. التطور الأول نجاح الشركة السعودية للكهرباء في توفير تمويل مالي بقيمة 4.1 مليار ريال، من خلال اتفاقية مع بنكي الصادرات والواردات الأمريكي وتنمية الصادرات الكندي. يستهدف هذا التطور تجاوز تحدي الائتمان المالي الذي تواجهه الشركة لتمويل توسعة محطات توليد الطاقة القائمة.
والتطور الثاني نجاح الشركة في تخصيص إصدارها الثاني للصكوك، من خلال حصولها على سبعة مليارات ريال من قاعدة عريضة ومتنوعة من المستثمرين. يستهدف هذا التطور تجاوز تحدي الائتمان المالي الذي تواجهه الشركة لإنشاء محطات إنتاج طاقة جديدة. والتطور الثالث نجاح الشركة في مشاركة القطاع الخاص مشاركة مستقلة في نشاط إنتاج الطاقة. يستهدف المشروع فتح المجال أمام المستهلكين لأداء دور الشريك في نشاط الطاقة.
وعلى الرغم من جميع إنجازات التمويل المالي هذه، بمعايير حاضر الاقتصاد السعودي، إلا أن إنجازات الأبحاث والتطوير، بمعايير مستقبل الاقتصاد السعودي، ما زالت دون الطموحات والآفاق.
يعد قطاع الكهرباء من القطاعات الإنتاجية الرئيسة في الاقتصاد السعودي. يعول على القطاع مهمة ليست باليسيرة من خلال توفير احتياجات القطاعات الإنتاجية الرئيسة الأخرى بالطاقة اللازمة لاستدامة ونمو منتجاتها وخدماتها.
مر قطاع الكهرباء بعمليات إعادة هيكلة جذرية منذ الخمسينيات الميلادية وحتى اليوم. كان الدافع الرئيس خلف عمليات الهيكلة هذه مواجهة تحديات جسام واجهها القطاع في توفير الطاقة اللازمة للقطاعات الإنتاجية الرئيسة إبان فترة الطفرة الاقتصادية الأولى خلال السبعينيات الماضية.
كان قطاع الكهرباء خلال تلك الفترة بعيدا بعض الشيء عن مؤشرات الطفرة الاقتصادية. كان القطاع عبارة عن عشرات الشركات المنتشرة في مناطق المدن الرئيسة، وشبكات كهرباء مستقلة تغذي مناطق المدن الرئيسة، وتعرفة سعرية عبارة عن 14 ريالا لكل كيلو وات في الساعة، وزيادة قليلة في الاستهلاك تقدر بـ 5 في المائة يقابلها زيادة مماثلة في الإنتاج، ومتوسط مكرر ربحية بين عشرات الشركات هذه يعد مرتفعا جدا، وعدم وجود هيئة حكومية تشرف وتراقب سير العملية الإنتاجية والتسويقية، وكفاءة تشغيلية متباينة بين عشرات الشركات هذه.
مرت الخمسينيات والستينيات الميلادية بسلام مع مرحلة التأسيس المبدئي للاقتصاد السعودي. إلا أن دوام الحال من المحال. حيث مر الاقتصاد السعودي بطفرة اقتصادية عمت بنفعها جميع جوانب الحياة الاجتماعية، والاقتصادية. حيث نما استهلاك الطاقة بمقدار 50 في المائة، وخفضت الدولة تعرفة الاستهلاك بمقدار النصف إلى سبعة ريالات لكل كيلو وات في الساعة، وضمنت الدولة في الوقت ذاته ربحية تقارب 15 في المائة للمساهمين، وتمت إعادة هيكلة القطاع بأكمله من خلال دمج شركات الكهرباء، وتفعيل دور الرقابة والإشراف الحكومي بإنشاء وزارة الكهرباء.
استمرت عملية إعادة الهيكلة بما يضمن استدامة نشاط توليد الطاقة لأداء دوره المنوط به في دعم عملية نمو الاقتصاد السعودي واستدامته. كان آخر مراحل إعادة الهيكلة هذه في عام 2000م، عندما دمج نشاط الطاقة تحت مظلة شركة جديدة سميت بالشركة السعودية للكهرباء، واعتمدت لها تعرفة جديدة، لتتولى الشركة الجديدة مهام بناء شبكات ومحطات إنتاج الطاقة، ونقلها، وتقديم خدمات كهربائية بكفاءة عالية لجميع مناطق المملكة.
حققت الشركة الجديدة مجموعة من الإنجازات، وواجهت في الوقت ذاته مجموعة من التحديات. يشير «تقرير الإنجازات» الصادر أخيرا من الشركة إلى مجموعة من هذه الإنجازات منذ نشأة الشركة وحتى اليوم. من أهم هذه الإنجازات نمو معدل إنتاج الطاقة بنسبة 52 في المائة، ونمو مساحة طول خط نقل الطاقة بمقدار 38 في المائة، ونمو طول خط توزيع الطاقة بمقدار 55 في المائة، ونمو عدد المشتركين بمقدار 57 في المائة، ونمو عدد المدن والهجر المستفيدة بمقدار 51 في المائة.
وعلى الرغم من جميع هذه الإنجازات، إلا أن مجموعة من التحديات ما زالت قائمة. من أهم هذه التحديات انخفاض الإيرادات بنحو أربعة مليارات ريال سنوياً، وتأجيل مجموعة من المشاريع المقررة لإنتاج الطاقة وتعزيزها، وتوافر احتياطي إنتاج الطاقة لتلبية الطلب الصناعي، والتمويل المالي لتمويل الطلب المستقبلي في المدى المتوسط والطويل.
تقودنا هذه الإنجازات والتحديات إلى النظر في مستقبل القطاع والمساهمة في طرح الرؤى والأفكار والاقتراحات، التي من شأنها، بعون الله و توفيقه، المساهمة في دعم نشاط قطاع الكهرباء وبلوغ طموحاته وآفاقه بما يمكن القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد السعودي من نموها المستقبلي واستدامتها.
من الأهمية بمكان توضيح إطار عمل قطاع الكهرباء. يعمل قطاع الكهرباء على نشاطين رئيسين. النشاط الأول تطوير إنتاج الطاقة. والنشاط الثاني تمويل إنتاج الطاقة. ويركز كلا النشاطين في عملهما على مرحلتين زمنيتين. المرحلة الأولى من قصيرة إلى متوسطة الأجل. والمرحلة الثانية من متوسطة إلى طويلة الأجل. ويشكل هذان النشاطان والمرحلتان مصفوفة من أربعة أجزاء.
الجزء الأول زيادة الطاقة الإنتاجية القائمة. والجزء الثاني زيادة ربط شبكات الكهرباء. كلا هذين الجزءين يستهدفان المديين القصير والمتوسط من خلال تلبية الطلب الحالي على الطاقة بتوفير تمويل قصير إلى متوسط الأجل. من الأمثلة على ذلك التمويل اتفاقية التمويل مع بنكي الصادرات والواردات الأمريكي وتنمية الصادرات الكندي. والجزء الثالث زيادة إنتاج الطاقة المستقبلية. والجزء الرابع تطوير بدائل إنتاج جديدة. كلا هذين الجزءين يستهدفان المدى الطويل من خلال تلبية الطلب المستقبلي على الطاقة بتوفير تمويل طويل الأجل. من الأمثلة على ذلك مشروع شركة رابغ للكهرباء.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن قطاع الكهرباء يركز، بشكل رئيس، على الجزءين الأول والثاني، وبشكل ثانوي، على الجزء الرابع، ويغفل الجزء الثالث. والمقترح أن يترك المجال للجزء الأول والثاني للقطاع الخاص، وذلك من خلال آليات أدوات استثمار مختلفة، والتي من أمثلتها مشروع شركة رابغ وصكوك الكهرباء. ويتم التركيز على الجزء الثالث من خلال توجيه الدعم الحكومي نحو تطوير بدائل طاقة كفيلة بمواجهة الطلب المتزايد المتوقع على الطاقة خلال عشر إلى 30 سنة المقبلة. مصدر الطلب المتزايد هذا سيكون منبعه زيادة المدن الصناعية والاقتصادية في الاقتصاد السعودي، وما يتوقع من هذه المدن أن تضيفه من قدرة إنتاجية على باقي قطاعات الإنتاج في الاقتصاد السعودي. سيناريو تحديات توفير الطاقة حدث مع الطفرة الاقتصادية الأولى, نتمنى ألا يكرر نفسه مع نمو مؤشرات طفرة اقتصادية جديدة - بعون الله تعالى.