اقتصاديون وماليون:شح الائتمان البنكي قد يطول.. والتمويل بالتسنيد أو التصكيك أقل تكلفة

اقتصاديون وماليون:شح الائتمان البنكي قد يطول.. والتمويل بالتسنيد أو التصكيك أقل تكلفة
اقتصاديون وماليون:شح الائتمان البنكي قد يطول.. والتمويل بالتسنيد أو التصكيك أقل تكلفة

قبل انطلاق سوق السندات في السعودية، وهي سوق وليدة لم يتجاوز عمرها عشرة أيام، دعا محافظ مؤسسة النقد الدكتور محمد الجاسر الشركات المحلية إلى توفير تمويلاتها اللازمة عن طريق إصدار السندات والصكوك، تزامنت دعوة المحافظ مع انسحاب عدد من البنوك الأجنبية من مشاريع سعودية كانت تخطط لتمويلها.
وفيما يبدو أن الحاجة سارعت بخطوات هذه السوق، انطلقت نهاية الشهر الماضي سوق السندات والصكوك وذلك عقب إجازة المشروع من هيئة سوق المال برئاسة الدكتور عبدالرحمن التويجري، وإطلاق السوق يمثل لبنة إضافية في استكمال هيكلة سوق المال المحلية، وتزامن إطلاق هذه السوق مع جمود في سوق الائتمان محليا، حيث تتردد البنوك في الإقراض طويل الأجل، وهي لا تنفرد بهذا الأمر، حيث شح الائتمان في العالم أجمع مع اندلاع الأزمة المالية العالمية التي قادت إلى إفلاس عدد من الشركات وجرت معها البنوك التي كانت مقرضة لها.
والبنوك السعودية ثبت – حسب القوائم المالية – أنها ليست منكشفة على مسببات الأزمة وهو قطاع الرهن العقاري الأمريكي، لكنها مع ذلك انقبضت في الائتمان المحلي، فيما يوصف بأنه تأثير نفسي، في المقابل انسحبت مؤسسات مالية عالمية من خططها لتمويل مشاريع سعودية؛ الأمر الذي عطل هذه المشاريع، وبعضها يعود في ملكيته لجهات حكومية، مثل بعض مصافي النفط.
أمام ذلك يتساءل المستثمرون وأوساط الاقتصاد بشكل عام، هل تملأ سوق السندات والصكوك الفراغ الذي تركه القطاع البنكي في سوق الائتمان المحلي؟ وهل نملك التشريعات والتنظيمات التي ترشح هذه السوق للتوسع والنمو وتدفع الشركات إلى إصدار السندات لتوفير التمويل بدلا من انتظار تحرك البنوك وإقراضها؟ وما المكاسب (أو المخاطر) التي تحملها هذه السوق على مصدري السندات أو المتعاملين فيها؟
هذه الأسئلة وغيرها من الجوانب الفنية طرحت في ندوة (المصرفية الإسلامية) أمام نخبة من المختصين في الشؤون الاقتصادية والمالية والشرعية، للوقوف على فوائد هذه السوق.
شارك في الندوة عبدالعزيز القاسم مدير عام مكتب القاسم للاستشارات القانونية ومختص في فقه المعاملات الإسلامية، الدكتور سليمان السكران أستاذ العلوم المالية المشارك في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، فهد عبدالجليل السيف رئيس قسم الاستثمار المصرفي المالي في بنك HSBC، وطلعت زكي حافظ مستشار اقتصادي وعضو لجنة الأوراق المالية في غرفة الرياض، هؤلاء يتفقون على وجود شح الائتمان في السوق المحلية، ويتفقون أيضا على أن سوق السندات كفيلة بتغطية هذا الفراغ شريطة استكمال تشريعاتها. والمشاركون في الندوة يؤيدون أن يتم الاستفادة من خبرات دول أخرى مماثلة أو مقاربة لاقتصادنا في جانب تطوير سوق السندات، وخاصة ما يتعلق بالصكوك (السندات الإسلامية)، وهم هنا يستحضرون التجربة الماليزية على وجه التحديد.
قبل ذلك يؤكد المشاركون أن سوق السندات والصكوك يجب أن تصبح أساس التمويل طويل الأجل بحيث لا تقل حصتها عن 90 في المئة والبقية (10 في المئة) تكون لصالح البنوك، أن تتفرغ السوق للتمويل طويل الأجل وتتفرغ البنوك للقروض قصيرة الأجل، وتلك هي القاعدة الاقتصادية الحقيقية. وإلى التفاصيل:

> في البداية وجهت الجلسة سؤالا للمشاركين حول ما إذا كنا نعاني في السوق المحلية بالفعل شحا في الائتمان (الإقراض طويل الأجل)، كما هو حاصل في الأسواق العالمية في أعقاب حدوث الأزمة المالية، وفي حال حدوث هذا الشح هل يعود إلى نقص في السيولة لدى البنوك أم يأتي في إطار رفع درجة المخاطر التي لجأت لها المصارف حول العالم، والبنوك السعودية ليست مستثناة من التحوط ضد المخاطر.

شح الائتمان
في هذا المحور يبدأ الحديث الدكتور سليمان السكران أستاذ العلوم المالية المشارك بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، مؤيدا القول الذي يذهب إلى أن هناك شحا في الائتمان في السوق السعودية، وأن هناك ترددا كبيرا لدى البنوك المحلية حول الإقراض للمشاريع الكبيرة، وهو يشير أيضا إلى أن شح الائتمان هنا يتعلق بالتمويلات وليس بالقروض الشخصية، ويستشهد السكران في قوله بتعطل عدد من المشاريع العائدة للقطاع الخاص في السوق المحلية، فضلا عن مشاريع أخرى مرتبطة بالحكومة ومسند تنفيذها للشركات الخاصة.
يعرج السكران جانب ثان، فيقول التجربة في العالم أثبتت أن البنوك تتحمل فقط 10 في المئة من سوق الائتمان والإقراض فيما يتحمل سوق السندات النسبة الباقية وهي 90 في المائة. لدينا في السعودية وحتى الدول النامية العكس، حيث إن حصة السندات والصكوك لا تتجاوز 5 في المئة من إجمالي سوق الائتمان. معلوم أن إحصاءات مؤسسة النقد لشهر (نيسان) إبريل الماضي أظهرت أن حجم الائتمان في السوق المحلية بلغ 936 مليار ريال.
ويضيف: “من المفترض أن تتحمل البنوك – كما هو في العالم – الإقراض قصير الأجل، فيما تتولى الصكوك والسندات التمويلات طويلة الأجل، خاصة في الوقت الحالي في المملكة هناك مشاريع بنية تحتية بحيث يتم السداد على مدى 15 سنة فما فوق مثل مشاريع الإسكان العملاقة، وهو يقترح أن يتم السماح لبعض الجهات ذات العلاقة بالمتقاعدين (مؤسسة التقاعد أو التأمينات) بالنشاط في التمويلات طويلة الأجل عن طريق الصكوك والسندات، فهي من جانب تفك أزمة التمويل ومن جانب آخر تستثمر أموال المستفيدين من خدماتها”.
في ذات المحور يتداخل طلعت حافظ عضو لجنة الأوراق المالية في غرفة الرياض، حول رأي السكران فيما يتعلق بشح الائتمان من قبل البنوك السعودية، فهو يقول إن مؤسسة النقد تصدت لتأثيرات السوق المحلية بالأزمة الائتمانية خاصة فيما يتعلق بالقطاع المالي، حيث خفضت الاحتياطي الإلزامي من 12 في المئة إلى 7 في المئة منذ (تشرين الأول) أكتوبر الماضي، كما أجرت تخفيضات متتالية على أسعار الفائدة، وهي أيضا مؤسسة النقد (وكذلك وزارة المالية) أعلنت أكثر من مرة في ثنايا الأزمة أنها على استعداد لإيداع مبالغ حكومية في القطاع البنكي لضمان عدم جفاف سيولته. واستنادا إلى ذلك، فإن طل عت حافظ لا يرى مبررا منطقيا لهذا الجمود من جهة، وهو أيضا يجزم بأن البنوك المحلية لن تتردد في التمويل متى تهيأت لها الفرص المواتية خاصة في المشاريع الإنتاجية.
على ذات المحور، يعلق فهد السيف رئيس قسم الاستثمار المصرفي المالي في بنك HSBC والذي يبدأ حديثه بالتأكيد على أنه يدلي برأيه في الندوة بصفته الشخصية وليس الاعتبارية، حيث يعرج على مسببات جمود سوق الدين في العالم وتداعياته على الاقتصاد العالمي، لكنه يرى أن البنوك السعودية من ناحية مالية لا تعاني شحا في السيولة، وإن حدثت تأثيرات محدودة في بعض نتائج البنوك فهي لم تصل إلى التأثير في مستوى السيولة في القطاع البنكي حتى في أوج حدوث الأزمة في الأسواق العالمية. لكن السيف يضيف أن العوامل الاقتصادية للمملكة كلها تعطي مؤشرات إيجابية، “ربما تأثرنا صحيح بالأزمة العالمية، لكن الإيجابية والتفاؤلية عادت من جديد.. السيولة في أعلى مراحلها وأسعار الفائدة في أدنى مستوياتها، والوقت مناسب الآن للفرص الاستثمارية في القطاع المالي”.
بالمجمل، انتهى الحديث في هذا المحور وهناك شبه اتفاق على أن هناك جمودا للائتمان في العالم، والسوق السعودية ليست مستثناة من ذلك، على الرغم من أن بنوكنا لا تعاني بالمطلق من نقص في السيولة وما تنتهجه حاليا من تردد في التمويل يعود إلى السياق العالمي في هذا الجانب من جهة ومن جهة ثانية فإن هناك مشاريع تحتاج ربما إلى تمويلات عملاقة كانت البنوك المحلية ترغب في دخول شركاء من المصارف الأجنبية معها، لكن انسحاب الأخيرة دفع البنوك المحلية إلى إعادة حساباتها ودراساتها تجاه تلك المشاريع.
#2#
ما البديل؟
المحور الثاني.. كان يتعلق بضمان توفير التمويل اللازم لتلك المشاريع وعدم الركون إلى تحرك البنوك الذي قد يطول أمده، هل سوق السندات والصكوك كفيلة بتغطية نقص التمويل؟ وهل نحن مهيؤون لهذه السوق من الناحية الفنية والتشغيلية.. بل الثقافية (ثقافة الاستثمار في سوق السندات)؟
قبل الشروع في هذا المحور، عرج المتحدثون على الفرق بين السندات والصكوك، من ناحية، فكلاهما أوراق مالية متداولة، غرضهما الأساس هو التمويل. ومن خلال الصكوك أو السندات يمكن أداء وتنفيذ كثير من الوظائف المهمة، كالتحكم في حجم السيولة النقدية، وتمويل الأغراض المختلفة. وتتصف الصكوك والسندات – بشكل عام - بأنها أوراق مالية ذات استقرار كبير ومخاطر متدنية. أما الاختلاف، فإن السندات ورقة مالية غير مجازة من فقهاء الشريعة، والصكوك ورقة مالية مباحة مهيكلة على عقود شرعية. (طالع الاتفاق والاختلاف بين الصكوك والسندات المرفق مع الندوة).
عودة إلى الجاهزية، هنا يبدأ الحديث عبدالعزيز القاسم مدير عام مكتب القاسم للاستشارات القانونية ومختص في فقه المعاملات الإسلامية، فهو يقول من ناحية فنحن مهيؤون ومن ناحية أخرى غير مهيئين، فمن الناحية المبدئية النظرية الوضع مناسب لانطلاق سوق السندات ولكن من الناحية الفعلية التشغيلية الوضع غير مهيأ.
يوضح القاسم بالقول: “لدينا إطار قانوني أوسع وعندنا ممارسات أطول في الأوراق المالية، لكن الوضع غير مناسب قياسا على ما يحدث في سوق الأسهم، فكيف سيتم الأمر في سوق الصكوك، “لنأخذ سوق الأسهم على سبيل المثال فهي لا تزال تحبو وفي بداياتها ولم تبلغ المرحلة الاحترافية، ولذلك دائما الضحايا فيها كثر والعمليات غير المشروعة فيها كثيرة.. والنفاذ إليها بشكل احترافي أيضا نادر، أيضا على سبيل المثال صناديق الاستثمار، صناديق الاستثمار في الأسهم لا تزال ثقة الناس فيها متدنية، بل انهارت بسبب ممارسات تنم عن أن البنية التحتية لدينا لم تكتمل وأن السوق الاحترافية المسؤولة لا تزال في بداية خطواتها.. ولا نزال بحاجة إلى كثير من الممارسات ليكون لدينا بالفعل حضور مؤسسي يستطيع الناس إيداع أموالهم فيه وهم في مأمن، بمعنى أنك تجد صعوبة في التفريق بين المساهمات العقارية وصناديق الاستثمار في الأسهم أو بين التداول في سوق الأسهم “تداول” وبين الدخول في أي استثمار غير منظم.. للأسف الشديد المشوار طويل، والجهات الحكومية المعنية بحاجة كبيرة إلى فرض هيبتها بحيث يكون للقانون حضور يرهب صاحب كل نوايا غير مشروعة”.

أنظمة تشريعية
كما يبدو فإن القاسم يعتقد أن سوق السندات التي انطلقت فعليا في السعودية، تحتاج إلى أنظمة تشريعية قوية تعزز ثقافة الاستثمار وتصون حقوق المستثمرين من التلاعب، هو يطرح هذا الفكرة في قطاع الاستثمار في الأوراق المالية بشكل عام وليس في سوق الصكوك على وجه التحديد.
السكران يتفق مع القاسم في عدم الجاهزية، فهو يقول “أعتقد أننا تماما غير مهيئين.. وأعتقد أن سوق الأسهم للأسف لم تضبط إلى الآن؛ فما بالك بسوق السندات الأكثر تعقديدا؟ طبعا عندما أتحدث عن التهيئة لا أعني فقط شراء نظام آلي، وهو أمر أيضا مهم، بل أقصد عدم وجود أجزاء في بعض الأحيان تكون محورية ومهمة لمثل هذه الإصدارات أو لمثل هذه الأدوات المالية، مثال كيف نصدر سندات ولا يوجد لدينا مقيمون؟ هذه من ضمن البنية الأساسية لسوق السندات”.
ويضيف السكران متحدثا عن أسباب عدم الجاهزية فيقول “إن سوق الأسهم تعاني حاليا من عدم كفاءة المعلومة (الإفصاح والشفافية والعدالة في المعلومات)، وهي جوانب يفترض أن تؤثر في سعر السهم بالارتفاع أو الهبوط، ولا يمكن لأي سوق متعلقة بالأوراق المالية تحقق أهدافها وتتوسع دون الاستناد إلى كفاءة المعلومة وهو ما يغيب في سوق الأسهم حاليا، فما بالك بالأمر مع سوق السندات”.
في ذات المحور يتحدث طلعت حافظ حول الجاهزية، حيث يبدو أكثر تفاؤلا من القاسم والسكران حول مستقبل سوق السندات، فهو يقول عندما نتحدث عن جاهزية السوق السعودية لاستيعاب مثل هذه الأدوات (الاحتياج الاقتصادي)، فبلا شك هناك احتياج اقتصادي لا سيما إذا نظرنا إلى ما يعرف بالمشاريع الضخمة ذات العلاقة بالبنى التحتية من طرق وخلافه، فالحاجة موجودة وملحة. لكن من الناحية التشغيلية – والحديث لحافظ – فنعم ليس لدينا تشريعات مكتملة لإدارة سوق السندات، وليس لدينا القوانين ليس لدينا، وكما قال الدكتور سليمان لا يوجد شركات متخصصة في تقييم السندات.
يعتقد طعلت حافظ أن الخبرة التراكمية التي نشأت لدينا خلال السنوات الماضية كفيلة بتجاوز عقبة غياب التشريعات، فهو يقول: “لدينا خبرات وتراكمات من قانونيين وماليين قادرين على تخطي هذه العقبات، وإذا استطردنا في القول بأننا غير جاهزين ونقيس على مشكلة سوق الأسهم وما حصل فيها من عثرة فسنبني حائطا أمام نشوء سوق السندات وتقدمها”.
يعزز طلعت زكي حافظ رأيه في هذا الجانب بالإشارة إلى بعض الإصدارات السابقة فهو يقول: “أعتقد أن كثيرا من الصكوك والسندات تم ترتيبها من الداخل من بنوك محلية سواء الصكوك الخاصة بسابك على سبيل المثال HSBC بنك يعمل في السعودية قام بترتيب هذه الصكوك.. أيضا كان الرأي القانوني من الداخل والرأي التشريعي من الداخل أيضا.. فإذن نحن جاهزون تقنيا فليس لدينا مشكلة في نظام “تداول”، وفيما يتعلق بوضع التشريعات والتنظيمات يمكن أن نستوردها لبعض الوقت”.
حول النطاق المتوقع لسوق السندات والجاهزية التشغيلية والفنية، يلتقط الحديث فهد السيف الذي يتفق مع الدكتور السكران حول حاجة السوق إلى شركات محلية للتقييم الائتماني، ويتساءل السيف أيضا: “هل نحن متأخرون في هذا الجانب”، ويجيب: “نعم نحن متأخرون ولا يوجد لدينا في السوق المحلية شركات معتمدة لتقييم السند أو الصك”، وهو يقترح أن نأخذ بالتجربة الماليزية أو اللبنانية، حيث تأسس هناك شركات تقييم محلي، ومن شأن وجود هذه الشركات أن تساعد على توسيع قاعدة المستثمرين وتوسيع قاعدة قطاعات الشركات المصدرة للصكوك أو السندات.

إنها في مرحلة مبكرة
ويشرح السيف أن سوق السندات لدينا ما زالت في مرحلة مبكرة من عمرها والطروحات مقتصرة على قطاعات محدودة، ففي الفترة من 2004 إلى 2009 تم طرح سندات وصكوك بقيمة 27 مليار ريال وهي “سابك1” أصدت في 2006 ثلاثة مليارات، صكوك “سابك2” في 2007 بقيمة ثمانية مليارات، و”سابك3” في 2008 خمسة مليارات، وصكوك الكهرباء خمس مليارات ريال، كلها كانت صكوك طرح عام، وهناك طروحات طبعا خاصة كانت عن طريق بنوك داخلية وعن طريق شركات مقاولات وعن طريق شركات تطوير عقاري.
لكن مشتريي تلك الأوراق – والحديث للسيف – لا يخرجون عن المحافظ الاستثمارية الحكومية وخزائن البنوك وشركات التأمين، وهو مؤشر على محدودية المستثمرين ودليل – كما يرى السيف – على ضيق نطاق السوق في هذه المرحلة، لكنه يعود بالحديث للإشارة إلى أهمية شركات التقييم والتي ربما توسع هذه القاعدة.

تقييم عالمي أو محلي
ولمعالجة موضوع التقييم الائتماني، يطرح السيف مقترحا، وهو قبل ذلك يشير إلى أن بعض الشركات المحلية اضطرت إلى إصدار سنداتها للمستثمرين في الخارج لتوافر المقيمين هناك، ويقترح أن يتم جذب شركات عالمية للتقييم للعمل في السوق السعودية وبالتالي نطبق في هذه الحالة المعيار العالمي في تقييم السند أو الصك أو الأصول، والخيار الثاني هو تأسيس شركات للتقييم بتشجيع من الدولة أو أن الشركات المساهمة التي تملك فيها الدولة حصصا مثل الكهرباء والاتصالات وسابك تنشئ تقييما خاصا بها، وهنا يمكن اعتباره تقييما ائتمانيا محليا.
يعود القاسم للحديث عن الجاهزية، مفصلا بين السندات والصكوك، فيقول “من ناحية السندات كإطار قانوني لدينا إطار قانوني جيد.. لكنا بحاجة أكبر إلى آليات التنفيذ والضبط وبحاجة أكبر إلى الآليات المهنية التي تجعل النماذج التجارية قادرة على ممارسة أعمالها داخل هذا الإطار، فلدينا نحو عشر مواد في نظام السوق المالية تنظم آليات الإصدار ولدينا أيضا في اللوائح بنود واضحة.. لدينا آليات أو واجبات محددة بدقة في نشرات الإصدار في أدوات الدين وكلها الحمد لله مكتملة وخطونا فيها خطوات كبيرة. أما في مجال الصكوك فالقصة أخرى، الصكوك بحاجة إلى وسيط ائتماني تنتقل إليه الأصول أداة الغرض الخاص، هذه لا تزال عائقا كبيرا في المملكة في الإصدار ولذلك تعالج بحيل قانونية لا تزال غير مقعنة، وفي نظام الشركات الجديد أو بالأصح أنظمة التمويل العقاري وافق مجلس الشورى على تعديل في نظام السوق المالية يسمح بإنشاء أدوات للأغراض الخاصة SPV وأيضا يفوض هيئة السوق المالية أن تنظم أدوات الأغراض الخاصة من حيث الأغراض من حيث الوصف من حيث آليات الإصدار من حيث الضمانات القانونية لعدم التلاعب بهذه الأدوات لأنها جزء مشتق من الذمة المالية يجب أن يخضع لسيطرة متكاملة.
إذن الإطار العام موجود لكن تبقى التفاصيل وهي لا تقل أهمية عن الإطار العام، على سبيل المثال الإفصاح عن البيانات يجب أن توضع تحت قانون صارم، وكذلك صدقية التقييم في حال الحديث عن صكوك أو عن أصول عقارية. بالنسبة لآلية تقييم الأصول فلدينا نظام للمقيمين المعتمدين لم يكتمل ولم يصدر بعد من مجلس الشورى وهو يناقش منذ سنوات”. وفي التفاصيل التي يرى أنها مهمة جدا، يتساءل القاسم: “الجرائم المتعلقة بتداول هذه الأوراق.. ما عقابها؟ نحتاج إلى ممارسة ذات كفاءة عالية تحمي الناس من هذه الفجوات، وفي تصوري هذا إجمالي للصورة القانونية التشريعية للموضوع.
يبقى الجانب المؤسسي.. هل توجد كوادر بشرية تمثل السلطة العامة قادرة على تحويل هذه المبادئ إلى عمليات على الأرض؟. في الجانب التجاري أيضا.. هل لدينا من البنوك والمؤسسات من قدم التزامه ومارس في هذا الجانب؟ هذه هي الأسئلة التي ما زالت بحاجة إلى مبادرات حكومية ومبادرات من قطاع خاص تحول هذه الإمكانية إلى واقع ملموس”.
مع تساءل القاسم حول وجود مؤسسات المالية محلية تستطيع التعامل في سوق الصكوك والسندات، يصر طلعت حافظ على الإشارة إلى ما سبق وذكره وهو أن سندات “سابك” تمت إدارتها من بنك يعمل في السعودية وكذلك الأمر بشأن الاستشارة القانونية والفنية للطرح، وبالتالي فهو يرى أن بعض التفاصيل التي عرج عليها القاسم متوافرة وتكونت من خلال تراكم الخبرات في السوق المحلية.

الإصدارات الحكومية
من المحاور السابقة اتضح أن السوق بحاجة إلى توسيع قاعدتها من جهة واستكمال تشريعاتها وهي أيضا بحاجة ماسة إلى دعم لوجستي حكومي عن طريق الشركات التي تملك فيها حصصا أو عن طريق المؤسسات شبه الحكومية مثل التقاعد والتأمينات، لكن هل يمكن للطرح الحكومي أن يساهم في دعم هذه السوق؟
هنا يتحدث الدكتور سليمان السكران، مشيرا في البداية إلى أن الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد نادى منذ أشهر بضرورة إصدار الشركات صكوكا وسندات للاستفادة من هذا الجانب الائتماني سواء كان مقيسا أو غير مقيٌس، والحقيقة أن الدكتور محمد اقتصادي ويعرف الفوائد التي يجنيها أي قطاع من جراء استخدام مثل هذه الآليات التمويلية.. لماذا؟ لأن الشركة أو المنشأة سواء حكومية أو غيرها تستفيد من الزخم الذي بنته لنفسها (الصورة الاستثمارية)، وبالتالي فإذا كانت صورتها جيدة فستطيع الحصول على التمويلات اللازمة بأقل قدر من المخاطر.
يقول السكران “للأسف أجريت بحثا في وقت سابق استشفيت من خلاله رأي الشركات عن الاستفادة من الديون المقيسة، حيث طرحت استفسارا حول الطريقة التي تفضلها الشركة في حال رغبة زيادة رأسمالها، توصلت إلى أن الأغلب يختارون إصدار الأسهم وهي أكثر تكلفة وهي كذلك توسع قاعدة الملكية، ولم يتنبه أحد لسوق الدين، وهي سوق يفترض أن تكون معلومة في أي اقتصاد حر.
أما لجهة الإصدارات الحكومية، فيقول السكران: “هناك ثقافة ليست إيجابية؛ فالبعض يعتقد أن الحكومة لا تصدر سندات إلا عندما يكون لديها عجز وهذا غير صحيح، فينبغي النظر إلى الحكومة من منظار أنها ترغب في الاستثمار، مع الإشارة إلى أن الحكومة أصدرت في وقت سابق أوراقا مماثلة للسندات لسداد مستحقات المزارعين والمقاولين على سبيل المثال، وعلى أية حال ينبغي أن يكون هناك سندات حكومية لزيادة السيولة وتعميق السيولة في الاقتصاد وفي سوق المال بشكل عام.
الأمر الآخر.. يجب أن تشجع الدوائر الحكومية المعنية بالسياسات المالية والنقدية، الشركات على إصدار السندات والصكوك للاستفادة من تدني تكاليف مثل هذا النوع من الائتمان أو ما يسمى بالروافع المالية، لكن ينبغي ألا نذهب بعيدا بشكل أكبر؛ ما يجعلنا نفرط في مثل هذا الاستخدام لأنه سلاح ذو حدين مثلما هي تزيد العوائد أيضا تزيد المخاطر”.

أهمية سوق السندات للمستثمرين
في هذا الجانب، يدلي طلعت حافظ برأيه ويقول إن التجارب العملية أثبتت أن سوق السندات والصكوك أكثر استقرارا من سوق الأسهم، وأحيانا تكون عوائدها الاستثمارية أكبر بكثير من الفوائد العادية اللي تكون في السوق ومخاطرها أقل. ويضيف طلعت أنه بشكل عام عندما يكون لديك قاعدة قوية في سوق المال يكون من بينها سوق للسندات، فإن ذلك يعني فتح قناة إضافية للاستثمار ربما تقود إلى جذب رساميل أجنبية أو مؤسسات مالية خارجية للعمل في السوق المحلية.
سألنا السيف ما إذا كانت المؤسسات المالية العالمية ستجذبها مثل هذه السوق، وهو يؤيد حافظ في القول إن هذه السوق ربما تجلب مؤسسات مالية للسوق السعودية، ويعتقد السيف أن السوق المالية المحلية تكتنز فرصا استثمارية، ومع وجود تشريعات جلية لسوق السندات فإن ذلك يعني مزيدا من تحسين البيئة الاستثمارية بشكل عام.
ويعود السكران للحديث، ليشير إلى أن فوائد السوق جمة، فكما هو معروف من النظرية المالية بأن إيجاد مثل هذا النوع يحقق أولا تنويع للخيارات المتاحة أمام المستثمر صغر كان أو كبر، ويقلل من مخاطره ويضمن على الأقل عائدا دوريا وإن كانت تلك العوائد أقل من العائد الممكن من قنوات استثمارية أخرى، إلا أنه يتميز عنها بانخفاض معدل المخاطر.

الفروق بين الصكوك والأسهم
> الصكوك (بشكل عام) ورقة مالية منخفضة المخاطر، بينما الأسهم ورقة مالية ذات مخاطر عالية.
من الفروق من جهة الشركة المصدِرة أن الصكوك –في أغلب هياكلها- أداة تمويل خارج الميزانية، بينما الأسهم حصة مشاعة في رأس مال الشركة؛ وعليه فحامل الصك مموِّل للشركة المصدرة، وأما مالك السهم فهو شريك ومالك لحصة مشاعة في رأس مال الشركة.
لما كانت الصكوك أداة مالية غرضها تمويل المصدِر؛ فإنها – في الغالب – لا بد وأن تكون مؤقتة ولها تاريخ استحقاق “إطفاء”، بينما الأسهم ورقة مالية غير مؤقتة.

أنواع الصكوك
* صكوك المضاربة: وهي أوراق مالية تعرض للاكتتاب على أساس قيام الشركات المصدرة بإدارة العمل على أساس المضاربة فتمثل عامل المضاربة (المستثمر) ويمثل مالكو الصكوك أصحاب رأس المال. ولها عدة أنواع منها صكوك المضاربة التجارية وصكوك المضاربة الصناعية وصكوك المضاربة الزراعية: شراء المستلزمات الزراعية وتنفيذ المشاريع الزراعية ويمثل الصك حصة شائعة في المواد والمنتجات.
* صكوك الاستصناع: وهي وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تصنيع سلعة، ويصبح المصنوع مملوكا لحاملي الصكوك.
* صكوك المرابحة وهي وثائق متساوية القيمة تصدر لتمويل شراء سلعة المرابحة مملوكة لحامل الصكوك، ومثال على صكوك المرابحة ما قام به بنك أركابينا من تنظيم صكوك مدعومة بالمرابحة متعددة العملات (بتكليف كل من مصرف بايرش هيبو، ومصرف ستاندرد بي إل سي، ومصرف ويست إل بي أيه جي – فرع لندن).
* صكوك المشاركة: وتعرف بأنها وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلتها في إنشاء مشروع، أو تمويل نشاط على أساس الشركة، ويصبح المشروع ملكا لحاملي الصكوك، وتدار صكوك المشاركة على أساس الشركة أو على أساس المضاربة. ومثال عليها صفقة صكوك «طيران الإمارات» بمبلغ 550 مليون دولار أمريكي وذلك لتطوير وإنشاء مبنى جديد للشركة.
* صكوك الإجارة: وهي صكوك ملكية شائعة في أعيان مؤجرة مملوكة لمالكي الصكوك ويتم توزيع عائد الإجارة على الملاك حسب حصص ملكيتهم، وهي قابلة للتداول وتقدر قيمتها حسب قيمتها السوقية. ويندرج تحت هذا النوع عدة أنواع من بينها، صكوك ملكية المنافع وصكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة أو (الموصوفة في الذمة), وصكوك ملكية الخدمات من طرف معين أو (من طرف موصوف في الذمة) ومثال على صكوك الإجارة ما قامت شركة دار الأركان للتطوير العقاري السعودية من إدراجه في سوق البحرين للأوراق المالية بقيمة مليار دولار.
* صكوك السلم: وهي صكوك تمثل ملكية شائعة في رأس مال السلم لتمويل شراء سلع يتم تسلمها في المستقبل ثم تسوق على العملاء ويكون العائد على الصكوك هو الربح الناتج عن البيع، ولا يتم تداول هذه الصكوك إلا بعد أن يتحول رأس المال إلى سلع وذلك بعد تسلمها وقبل بيعها، وتمثل الصكوك حينها ملكية شائعة في هذه السلع إلى غير ذلك من أنواع أخرى متعددة .

توصيات الندوة
* من المفترض أن تعي الشركات السعودية أهمية سوق الصكوك والسندات وألا تركن إلى تحرك البنوك في التمويلات طويلة الأجل، فالصكوك والسندات أقل تكلفة في التمويل.
* تحفيز الشركات التي تملك فيها الحكومة حصصا لإصدار سندات أو صكوك لتوسيع قاعدة السوق، وبالتالي تشجيع الشركات الأخرى على الالتفاف لهذه السوق وتوفير تمويلاتها اللازمة عن طريقها.
* أن تطرح الحكومة سندات وصكوكا في السوق، فالطرح لا يعني بالضرورة أنها تعاني عجزا ماليا في الخزانة العامة، بل إن الطرح يكون جزءا من إدارة السياسة المالية في البلاد، وهو في ذات الوقت يوسع قاعدة السوق الثانية للأوراق المالية.
* من المفترض أن تصبح سوق السندات والصكوك المصدر الرئيس للائتمان طويل الأجل بحيث لا تقل حصتها عن 90 في المئة وتكون الحصة الباقية (10 في المئة) للبنوك، وفي هذه الحالة تركز البنوك أنشطتها على القروض قصيرة الأجل.
* تحتاج سوق السندات والصكوك إلى تشريعات واضحة، خاصة فيما يتعلق بالصكوك، ففي حين أن نظام هيئة سوق المال يحدد إجراءات طرح السندات، فإنه لا يُوجِدُ تنظيما يختص بالسندات.
* التأكيد على الشفافية والإفصاح في الشركات المساهمة، لأن من شأن ذلك دعم طروحاتها من الأوراق المالية ويدفع المستثمرين والمؤسسات المالية للتعامل معها متى ما كانت معلومات الشركة صاحبة الطرح تتسم بالشفافية.
* تحتاج سوق المال بشكل عام إلى “قوة النظام” لضمان العدالة وتكافؤ الفرص فيها، وضمان عدم التلاعب، وفي حال امتدت بعض الممارسات في سوق الأسهم لسوق السندات والصكوك بالقطع ستعطي نتائج سلبية على سوق المال بشكل عام.
* تحفيز المؤسسات شبه الحكومية المرتبطة بالمتقاعدين التي تملك سيولة عالية بالتعامل في سوق السندات والصكوك لتوسيع قاعدتها ورفع درجة الموثوقية فيها.
* تأسيس شركات معتمدة لتقييم الأصول، حيث تلجأ بعض الشركات المحلية إلى طرح أوراقها المالية في الخارج لوجود شركات مقيمة معتمدة، وبالتالي يكون سندها محل قبول المؤسسات المالية العالمية.
* وضع نظام محدد للتقييم الائتماني أو الاستناد إلى المعيار العالمي المعروف في هذا الجانب، لأنه لا يمكن لسوق السندات والصكوك التوسع دون وجود نظام للتقييم الائتماني.
* طرح الصكوك على وجه التحديد يحتاج إلى وسيط ائتماني تنتقل إليه الأصول عند الطرح، وهو غير موجود في السوق المحلية حاليا، ويتم التحايل لتجاوزه، الأمر الذي يستدعي وضع تنظيم خاص يتيح الترخيص من قبل هيئة سوق المال لوسطاء ائتمان.
* فيما يتعلق بالتمويل الإسلامي والمصرفية الإسلامية، يفترض أن يكون هناك مرجعية واحدة للفتوى لضمان عدم حدوث ارتباك وبلبلة في السوق قد تؤثر في طرح الشركة المعنية.
* إنشاء قطاع أو جهة مسؤولة تأخذ القرار أو المبادرة وتعمل كصانع للسوق خاصة فيما يتعلق بالسندات.
* الجانب التوعوي مهم للمستثمر أو لراغبي الحصول على التمويل، أي يفترض أن يكون هناك حملة توعوية لأهمية سوق السندات والصكوك، تشرح بالتفاصيل للشركات كيفية حصولها على التمويل من هذه السوق، وتطلع المستثمرين على الفرص التي تكتنزها.
* يجب ألا يعيقنا ما حدث في سوق الأسهم (الإشارة إلى الانهيار)، عن تطوير سوق السندات، ولعله من المناسب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي تماثلنا في وضعها الاقتصادي.

الأكثر قراءة