التأمين الإسلامي .. مساعدة الضحية قبل وقوع الأزمة

التأمين الإسلامي ..
مساعدة الضحية 
قبل وقوع الأزمة

في الوقت الذي تشهد فيه شركات التأمين الغربية تأثيرها وهو يذوي وسط الأزمة المالية العالمية، تعيش شركات التأمين التكافلي وسط بحر تتلاطمه الأمواج الثائرة. فهي تقاسي من معضلة تثقيف عملائها بأهمية الاستعانة «بالتكافل»، و تعاني تردي قيمة أصولها وكيفية إدارة المخاطر النابعة من هذه الأصول

> “عندما كنا صغارا لم نكن نبالي بإذا ما كان الشامبو الذي نشتريه موضوعا عليه ملصق “حلال” أم لا . أما الآن فحتى أولادي يبحثون عن ملصق “ حلال” مع الآيسكريم الذي يشترونه”، كما يتذكر محمد تارميدزي بن أحمد نوردين وهو يروي للحضور في مؤتمر Islamic Investment World Asia كيفية انبعاث الوعي المفاجئ تجاه المنتجات المطابقة مع الشريعة لدى نفوس الماليزيين في مطلع الثمانينيات . فالمدير التنفيذي لشركة “ اتقى تكافل” كان يحاول أن يظهر أن الوعي الإسلامي تجاه منتجات تكافل بدأ في الازدياد منذ تلك الفترة و إلى وقتنا الحالي.
و تعيش شركات التأمين التكافلي في مأزق لا تحسد عليه, فهي تبحث عن عوائد استثمارية مناسبة مع طبيعتها الهيكلية التي تحرم عليها الاستثمار في المشاريع غير المتوافقة مع أحكام الشريعة. تقول ميلي ليونج، رئيسة قسم الأبحاث في الشركة الماليزية للتقييم في كوالالمبور “ زبائن هذه الشركات سيطالبون بسياسات التكافل التي تشتمل على عنصر ادخاري أو استثماري يعطي عوائد طيبة أو حماية مناسبة”.
وهناك نقص حاد تماماً في مجال الدخل الثابت. فمعظم شركات التأمين لا ترى أن أسواقها المحلية كافية لتلبية الاحتياجات الاستثمارية لها. وتجد شركة إيرنست آند يانج Ernst - Young، التي تدقق حسابات شركات التكافل، تجد أن هذه الشركات مضطرة إلى الاستثمار في موجودات المخاطرة، حيث تخصص الشركة في المتوسط ما يزيد على 60 في المئة للأسهم، و10 في المئة للعقارات والموجودات المادية الأخرى. هذا الوضع متغير بين البلدان ولكنه ربما يكون أكثر اختلالاً في بعض الأسواق في الشرق الأوسط.
وهذا يجعل شركات التأمين المذكورة في وضع أخطر بكثير من شركات التأمين التقليدي، التي يغلب عليها وضع الغالبية العظمى من موجوداتها في السندات، حتى تكون على ثقة من قدرتها بالوفاء بالالتزامات المستقبلية. في عام 2008 كانت معظم شركات التأمين تقتني سندات الخزانة الأمريكية، التي ارتفعت قيمتها بصورة هائلة باعتبارها ملاذاً آمناً. أما شركات التكافل فلا بد أنها كانت تقتني الأسهم، وعلى الأرجح أسهم الشركات الموجودة في أسواقها المحلية، التي كان يمكن أن تخسر ما بين 50 إلى 60 في المئة من قيمتها.
هذه الشركات الإسلامية تعمل ضمن مفهوم التكافل، المشتقة من كلمة «كفل»، والتي تعني ضمان شخص لآخر، وتوحي بالتعاون المتبادل. ورغم أن هذا المفهوم موجود منذ أكثر من 14 قرناً، حيث نشأ من قيام القبائل العربية بتجميع موجوداتها لتغطية عدد من الحالات الطارئة، إلا أن أول تحقق لهذا المفهوم في العصر الحديث جاء في عام 1979 في السودان، مع إنشاء شركة السلام للتأمين.
لكن الصناعة انطلقت فعلاً إلى الأمام بعد عام 1985، حين انتشر مفهوم التكافل بمباركة من مجلس أعلى يضم الفقهاء المسلمين. وهي تسد حاجة في كثير من البلدان التي تفتقر إلى أنظمة تقاعدية رسمية.
والتكافل، شأنه شأن المصرفية الإسلامية، يفترض فيه أن يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي يحظر الممارسات التي من قبيل استخدام الربا، ووجود الغرر في الاتفاقيات التجارية، والميسر. بطبيعة الحال، هذه الأمور تشكل جوانب أساسية في الأنموذج المالي الحديث الذي أنشئ في الغرب. ولعل هذا الأمر يفسر السبب في أن شركات التأمين الأجنبية تجد أن من الصعب عليها التوسع في الشرق الأوسط.
مع ذلك فإن مفهوم التكافل امتد ليأخذ منحى عالمياً، وهناك اليوم نحو133 شركة تأمين تعمل من خلال مفهوم التكافل. منها 22 شركة تعمل في جنوب شرق آسيا، و9 شركات في جنوب آسيا. ومعظمها، الذي يتألف من 59 شركة، تعمل في بلدان منطقة الخليج العربي، وإن كان بعضها يوجد في أوروبا والولايات المتحدة وإفريقيا وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط.
يعتبر هذا النمو مثيراً، ولكنه يخلق تحدياً لشركات التأمين المذكورة مع موجوداتها. ففي حين أن شركات التأمين الغربية أرست في الماضي ممارسات ثابتة في إدارة الموجودات، إلا أنه يتعين على شركات التكافل كذلك الاستثمار وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. ولا يوجد في الوقت الحاضر إلا عدد قليل للغاية من الموجودات التي تفي بالأحكام الشرعية لتلبية احتياجاتها. والواقع أن عدد هذه الموجودات ربما يكون حتى أقل مما يدرك اللاعبون في الصناعة.
يبلغ إجمالي الموجودات الملتزمة بالأحكام الشرعية في استثمارات التكافل نحو 65 مليار دولار، وفقاً لشركة الأبحاث في الخدمات المالية سيرولي أسوشييتس Cerulli Associates، وهو رقم أكثر من متواضع بالنسبة لرقم مئات المليارات من الدولارات التي غالباً ما تذكرها الأجهزة التنظيمية وشركات إدارة الاستثمارات.
تقول شركة برايس ووتر هاوس كوبرز Pricewatehouse Coopers إن شركات التأمين العاملة بالتكافل يمكن أن تنمو ست مرات خلال العقد المقبل، على اعتبار أن مبالغ التأمين الجديدة يمكن أن تحقق نسبة نمو مركبة مقدارها 20 في المئة لتصل إلى 4 مليارات دولار. وسيأتي معظم هذا النمو من شركات التكافل التابعة لشركات التأمين التقليدي، بما فيها شركة أليانتس Allianz، وشركة أفيفا Aviva، وإتش إس بي سي HSBC، وشركة برودنشال Prudential (في بريطانيا).
و في خضم هذه الأرقام و الصعوبات التي تحوم حول شركات التأمين الإسلامية، يعاني البعض كيفية إقناع كافة أطياف المجتمع الإسلامي بأهمية الحصول على بوصلة تأمين إسلاميه. يقول نوردين، الذي كان يحاول أن يحكي تجاربه مع عملائه من المالاي، في آخر أيام «مؤتمر الاستثمار الإسلامي العالمي – آسيا»، : «بعض الأحيان نصطدم ببعض العملاء الذين يقولون « لنا 10 سنوات ولم تتعرض مركباتنا لأي حادث. ولكن ما الذي حصدناه في المقابل؟ لاشيء !. فقط ورقة إيصال تفيد بدفعنا 1000 رينجت «. إلا أن رئيس أكبر شركات التكافلي بماليزيا يرد عليهم بأنه «يتوجب عليهم شكر الله على عدم تعرضهم لأي حادث. بعدها نخبرهم بأن رسومهم المادية قد وجدت طريقها نحو إخوانهم المسلمين الذين تعرضوا للأذى «.
لكن نوردين، المدير المحنك الذي يفهم عقلية عملائه، يضطر في بعض الأحيان إلى الاستعانة بكارثة « سونامي» لكي يسهل عملية جمع الرسوم «التكافلية» من عملائه ذوي الدخل المحدود. فهو يقول لهم « ألم تروا كيف هب غير المسلمين لجمع التبرعات لضحايا تسو نامي؟ فالفرق الوحيد هنا هو أن كارثة تسو نامي قد وقعت مأساتها و بدأ الناس بجمع التبرعات بعدها، أما في تكافل، فنحن نجمع الأموال قبل وقوع الحادث». بعدها يحاججهم نوردين بقوله «فهذا العمل لا يختلف كليتا عن مساعدة الضحية التي كانت في تسو نامي، فنحن نساعد الشخص الذي «يوشك» أن يصبح الضحية. ولكن من يعلم؟ فقد تكون أنت تلك الضحية المستقبلية» >

الأكثر قراءة