رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التخطيط السبيل الأمثل للنجاح

يمثل التخطيط أهمية بالغة على المستويات: الفردي, الاجتماعي, والأسري، فالفرد الذي يخطط يومه, وأين يذهب, وماذا يفعل, وكيف يفعل, يجد في نهاية اليوم أنه حقق أهدافه, أو أوشك على تحقيقها, ويمكنه تحقيقها في اليوم التالي, كما أن الأسرة التي تخطط ليومها, وشهرها, وسنتها تحقق نجاحاً واضحاً في تربية أبنائها وترتيب شؤونها، حيث ترسم إجازتها, وتنظم شؤونها المالية, وتعمل على تحسين أوضاعها الاقتصادية. وإذا كان التخطيط مهم على مستوى الفرد, والأسرة فهو ذو أهمية بالغة على مستوى المؤسسات, الدول, والشركات.
ونظراً لأهمية التخطيط, ودوره في تنظيم شؤون الحياة على المستوى الضيق المحدود، أو على المستوى الشمولي والأوسع, أصبح التخطيط علماً يدرس في الجامعات, وتمنح فيه الدرجات العالية, كما أن كثيرا من الشركات, والإدارات الحكومية أوجدت إدارات ووحدات تخطيط ترسم مسار الإدارة أو الشركة أو الحكومة خلال فترة زمنية سواء كانت طويلة أو قصيرة, لذا نجد في جميع الحقول والمجالات دوراً للتخطيط، فالمعلم يخطط في بداية الفصل الدراسي ويحدد الخطوات، الإجراءات, الأعمال, والواجبات, والاختبارات, ويحدد وقتها, كما أن الشركة تخطط, بشكل مفصل آليات ومراحل وأوقات تنفيذ المشروع الذي تقوم به. وفي أدبيات التخطيط يوجد كثير من المصطلحات من مثل خطة قصيرة الأمد, خطة طويلة الأمد, خطة استراتيجية, وخطة عسكرية, وتخطيط مدن وما إلى ذلك من المفاهيم, والمصطلحات التي تحتويها أدبيات, وكتب التخطيط وبحوثه, ودراساته. من خلال مشاهداتي سواء في محيطي الضيق, وداخل أسرتي, أو في مدينتي, أو على مستوى الوطن, أو خارجه كثيراً ما أتوقف وأتساءل: ما دور التخطيط في جمال هذه المدينة؟ وهل للتخطيط دور في نجاح هذا الفرد أو هذه الأسرة؟ وهل كفاءة هذه الشركة, وكثرة المشاريع الناجحة التي قامت بها تعود للتخطيط الجيد أم للمصادفة؟
التخطيط الحسي أو المشاهد يتضح في تخطيط المدن, حيث توزيع الأحياء, الشوارع, أماكن الحدائق العامة, المدارس, المستشفيات, المرافق, والدوائر الحكومية, ويلمس المرء حسن تخطيط المدينة من عدمه من خلال جمال المدينة, تناسق أجزائها, ويسر التحرك داخلها, وهذا بلا شك على عكس المدينة التي تفتقد التخطيط، إذ الزحام والحوادث والعشوائية تمثل أهم مظاهر سوء التخطيط.
في زياراتي لمدن داخل المملكة أو خارجها ألمس الفروق بين المدن الناجم عن عملية التخطيط, الذي ينعكس على جمالية المدينة. لقد استرعى انتباهي سواء في الداخل أو في الخارج التفاوت في تخطيط المدن، حيث تخطط بعض المدن بناء على الواقع الجغرافي للمدينة، إذ قد تجد المنازل والأحياء قد بنيت على الهضاب, والجبال، ما أكسب هذه المدينة جمالاً ورونقاً مبعثه الارتفاع والانخفاض في جغرافية المدينة, والتدرج في المباني، بينما تجد مدينة أخرى اكتسبت جمالاً نتيجة انبساط أرضها وسهولتها. ويمكن التمثيل على النوع الأول في مدينة مكة المكرمة, وأبها, والباحة، حيث جبال هذه المدن أكسبتها جمالاً, وأضفت عليها صفة تميزها عن غيرها من المدن. كما أن المدن المنبسطة تتمثل في مدينة جدة أو الدمام.
في مدينة الرياض أتساءل كثيراً عن السر في تعمد هد الجبال, والهضاب وعدم البناء فوقها, ولو قدر لأحدنا التجوال في شمال الرياض على سبيل المثال لا الحصر لشاهد معدات الحفر من بوكلينات وشياول تعمل ليل نهار لتسوية جبل أو هضبة مرتفعة, ومن حق من يشاهد هذه المشاهد المتكررة أن يسأل: ما المانع من إقامة حي فوق هذا الجبل وعلى سفوحه؟ إن عدم توظيف جغرافية المدينة, وعدم الإبقاء عليها يفقدها كثيرا من الجمال، إضافة إلى التكلفة البالغة لتسوية الجبال والهضاب, كما أن عدم استغلال طبيعة المدن الجغرافية يترتب عليه كثير من المشكلات في تصريف السيول والمجاري, وهذا ما يتكرر عندما تسقط الأمطار مع قلتها، حيث سدت الأودية والمجاري الطبيعية وذلك بدفنها وتحويلها إلى أحياء.
يتذكر الجميع في مدينة الرياض, وقبل بضع سنين شعاب, وأودية كانت تجري فيها الأمطار, والسيول، لكن هذه الشعاب مع توسع المدينة وظهور الأحياء اختفت, ولم يعد لها ذكر أو وجود, وعلى سبيل المثال لا الحصر وادي الأيسن الذي يخترق حي العقيق, النخيل الغربي, والمحمدية الغربية لم يعد له وجود واختفى, وأتذكر قبل سنين قليلة دخول السيول على الساكنين في حي المحمدية الغربية بسبب دفن هذا الوادي, وهذا بلا شك دليل على عدم الاستفادة من الظروف الطبيعية، خاصة مجاري الأمطار والسيول.
إن تخطيط المدن يفترض ألا يتجاهل إمكانية الاستفادة من جغرافية المدينة، بل لا بد أن يوظفها أحسن توظيف, وأقترح أن تلزم الأمانات والبلديات مطوري المخططات السكنية بضرورة المحافظة على الأودية والشعاب التي توجد في المخططات, ولا تردم, وتدفن كما هو حاصل في الوقت الراهن, وهذا يكون جزءاً من فلسفة تخطيط تعتمد في المدن والمناطق كافة، إذ إننا بهذا العمل نوفر الوقت, الجهد, والمال بدلاً من ردم المجاري الطبيعية, والبحث عن أساليب بديله وهذا هو ما يحدث الآن، حيث اضطرت الجهات المعنية إلى حفر مجرى بديل لوادي الأيسن وتركيب مواسير كبيرة لتكون مجرى للسيل بدلاً من المجرى الطبيعي الذي جرت فيه الأمطار, والسيول لأزمنة لا يعلمها إلا الله. ولعله من المناسب أن أقترح على الأمانات والبلديات الاستفادة من ذوي الخبرة في المناطق والمدن من كبار السن الذين يعرفون اتجاه الأمطار, مجاريها, وشعابها إلى جانب المهندسين حتى تكتمل فرصة الاستفادة من جميع الظروف المتوافرة وحتى نوفر الأموال لنصرفها في أمور مهمة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي