رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عصر الطاقة الشمسية (2 من 2)

تحدثنا في الحلقة السابقة عن ضرورة البدء في إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية وعن أهميتها الاقتصادية حتى في بلد النفط.
ومن المعلوم أن هناك مصادر أخرى كثيرة لتوليد الطاقة، إلى جانب المصادر النفطية القابلة للنضوب المهيمنة على سوق الطاقة اليوم. ولكن لكل مصدر من غير المصادر النفطية ما يحد ُّمن استخدامه على نطاق واسع حيث لا يُتيح له المجال لأنْ يغطي الطلب العالمي، وسنذكر بعضاً منها. فالطاقة المتولدة من حركة الرياح ومن المجاري المائية لا تكون عادة متوافرة إلا في أماكن محدودة من العالم. أما الطاقة الحيوية، التي نحصل عليها من المحاصيل الزراعية مثل القمح والذرة وأنواع أخرى، فهي أيضا محدودة ولا يمكن أن يُعتمد عليها لأسباب كثيرة، لعل أهمها التأثير السلبي والمباشر في مصادر الغذاء العالمي الشحيحة، إلى جانب كون زراعة المواد الغذائية بوجه عام تحتاج إلى كميات هائلة من المياه وإلى نسبة مرتفعة من الطاقة. أما مصادر الطاقة النووية وهي الأكثر شهرة، وتعوِّل عليها بعض الدول الأوروبية على أنها المنقذ، فهناك كثير من العوائق التي تقلل من أهميتها، نذكر منها خطورة وجود المرافق النووية على سلامة وحياة المجتمع الذي يعيش بالقرب منها لو تعرضت لعمل إرهابي أو حصل خلل ما في محطات التوليد، وما تُخلِّف تلك المرافق على الدوام من مواد مشعة يصعب التخلص منها، إلى جانب احتمال قُرْب نضوب مادة اليورانيوم التي تغذي مولدات الطاقة لو توسع العالم في استخدامها. وعلى وجه العموم، فإن بناء مرافق توليد الطاقة النووية يستغرق مدة زمنية طويلة من وقت بداية التصميم إلى إكمال المشروع. أضف إلى ذلك كون تشغيلها وصيانتها يتطلب أيدي متخصصة وماهرة غير متوافرة لدينا على المدى القريب. أما مرافق توليد الطاقة الشمسية فتتميز بالبساطة وسهولة التشغيل والصيانة، مما يجعلها مثالية لبيئتنا ووضعنا الاجتماعي.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو أي جهة في المملكة من الممكن أن تتبنى إنشاء أول مشروع كبير لبناء مرافق توليد الطاقة الشمسية؟ وبطبيعة الحال، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن شركة الكهرباء التي هي في الواقع مسؤولة عن توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية في المملكة. ولكن من المرجح أنها لا تمتلك الحماس للأخذ بزمام المبادرة لإنشاء محطات التوليد الكهربائية من الأشعة الشمسية وهي حاليًّا تحصل على الوقود من المشتقات النفطية بأسعار زهيدة. والجهة الأخرى التي من الممكن أن تتولى إنشاء محطات توليد الطاقة الشمسية هي المؤسسة العامة للتحلية إذا تقرر بناء مرافق التوليد على شواطئ البحار من أجل إنتاج الماء مع الطاقة الكهربائية. وبما أن شركة أرامكو السعودية الوطنية المتميزة قد أخذت على عاتقها القيام بمشاريع اقتصادية وتعليمية ضخمة بتوجيه من حكومتنا الرشيدة، خارج نطاق عمليات إنتاج النفط، فمن الممكن أن تتولى هي أيضا إنشاء المرحلة الأولى من مرافق توليد الطاقة الشمسية، نظراً لوجود البنية التحتية المتكاملة لديها وخبرتها العريقة في مجالي التصميم والإنشاءات، إلى جانب كونها مؤسسة وطنية وتحتل مكانة متقدمة في ثقة الحكومة بإدارتها وبرجالها. والاختيار الأخير هو إعطاء مهمة بناء مرافق الطاقة الشمسية بمجمله للقطاع الخاص تحت مظلة شركة وطنية مساهمة، مع الاتفاق على أسعار شراء الكهرباء والماء بأسعار تُغطِّي التكلفة ويضمن لهم مردوداً مناسباً، ولا نشك في أنه سيكون استثماراً طويل الأجل ومربحاً على المدى البعيد.
ولكن قبل أن نبدأ بتنفيذ مشاريع توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، لا بُدَّ من أن نزيل العائق الرئيس الذي يتمثل في تدني الأسعار الحالية للوقود الذي تحصل عليه شركة الكهرباء ورفعها إلى قيمتها الحقيقية في السوق الخارجية. وهذه الخطوة التصحيحية لأسعار الوقود لا تعني بالضرورة رفع تسعيرة الكهرباء بالنسبة للمواطنين، فذلك أمر تقرره الدولة في أي وقت تشاء. وإنما القصد من هذه العملية الشكلية هو لإثبات أن الوقت قد حان لمقارنة التكلفة الحقيقية لتوليد الطاقة الكهربائية بتكلفة إنتاج الطاقة من الأشعة الشمسية، والذي من المؤكد أن النتيجة ستكون لمصلحة بناء مرافق الطاقة الشمسية. وبما أن العالم كان قد اعتمد اعتماداً شبه كلي على الطاقة النفطية القابلة للنضوب خلال العقود الطويلة الماضية ولم يُبد اهتماماً كبيراً بمصادر الطاقة الأخرى، فإنه اليوم وغداً سيدفع ثمناً باهظاً ليتحول من النفط إلى مصادر جديدة أكثر أمناً، وسيستغرق التكيُّف مع مصادر الطاقة الجديدة وقتاً طويلا. وإن كان من المستحيل حسب معلوماتنا الحالية أن يجدوا بدائل لها خصائص النفط، إلا أنه كان من الممكن مع بُعد الرُّؤية قبل سنوات مضت أن يُمزج بين الطاقة النفطية التي تُناسب وسائل النقل والمصادر الأخرى كالطاقة المتولدة من الأشعة الشمسية التي تناسب توليد الطاقة الكهربائية. وكان للتدني الكبير في أسعار النفط خلال السنوات الماضية والإسراف في الإنتاج الذي بدأته شركات النفط الغربية عند ما كانت تسيطر سيطرة كاملة على منابع النفط الأثر الأكبر في تحويل أنظار العالم عن فكرة إيجاد مصادر جديدة لتوليد الطاقة تسير جنباً إلى جنب مع المصادر النفطية، فتطول من عُمر النفط لمصلحة البشرية جمعاء.
ومن حسن الحظ أن لدينا بيئة مناسبة لإقامة مصانع محلية لإنتاج المواد اللازمة لإنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية، من مواد أولية وأيد عاملة قابلة للتدريب وحوافز مالية وتسهيلات للتصدير. ولا نعتقد أن هناك ما يمنع من السماح لمشاركة الشركات الأجنبية في الاستثمار في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية على أرضنا الواسعة وتصدير الفائض منها. وهناك مفاوضات تجرى الآن بين بعض الدول الأوروبية ودولة الجزائر حول بناء مرافق توليد الطاقة الشمسية على الأرض الجزائرية ومن ثم نقلها إلى أوروبا.
وما يُقلقنا اليوم، ونحن لا نزال نتحدث عن مشاريع قد يستغرق تنفيذها عشرات السنين، هو عدم القدرة على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية معظم أيام الصيف، وضرورة اللجوء إلى قطع التيار الكهربائي عن عدد من الأحياء السكنية، وربما تعطيل أعمال بعض المصانع. ونرجو أن يكون لمشروع الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الذي أوشكت المرحلة الأولى منه على الانتهاء، أن يساعد على تغذية شبكتنا بما نحتاج إليه خلال وقت الذروة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي