القرض العقاري ومجلس الشورى: العمل المؤسساتي أهم!
توصية مجلس الشورى برفع القرض العقاري إلى 500 ألف ريال من مستواه الحالي 300 ألف ريال، ورفع رأسمال بنك التسليف العقاري إلى 200 مليار ريال يؤكد أن مجلس الشورى يساند المطالبات الشعبية التقليدية، ويغفل البناء المؤسساتي الذي يجب أن يكون. فمجلس الشورى لم يوجد لمناقشة قضايا فردية أو شعبية بمعزل عن المنظومة المؤسساتية التي يجب أن تكون موجودة في المجتمعات المدنية. فمجرد رفع قيمة القرض حتى إلى مليون ريال لا يحل مشكلة توافر المساكن، ورفع رأسمال صندوق التنمية العقاري حتى إلى تريليون ريال لن يأتي إلا بآثار سلبية تؤثر في المجتمع نفسه. فمنذ تأسيس الصندوق العقاري حتى الآن أقرض نحو أكثر من 120 مليار ريال لنحو 444 ألف مستفيد، وأقرضت بنوكنا المحلية نحو 15 مليار ريال، ووصل مجمل الإقراض العقاري إلى إجمالي الناتج المحلي نحو 2 في المائة وهي نسبة ضئيلة. ولو ارتفعت إلى 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي ، أي لو تم إقراض نحو 1.4 تريليون ريال للمساكن وهو ما يعادل تقريباً إجمالي الناتج المحلي للمملكة في عام 2008، فإن ذلك أيضا لن يحل مشكلات الإسكان، بل سيفاقمها لأن ذلك قد يؤدي إلى ارتفاع جنوني في الأراضي السكنية، وكذلك مواد البناء، والصناعات المتعلقة بها. ذلك أن النظر إلى أن حل مسألة الإسكان على أنها مسألة مادية لها علاقة بحجم القرض لا تؤدي في النهاية إلا إلى مزيد من خسائر المجتمع المادية وغير المادية.
والبديل بعد كل تلك التوطئة، لا يمكن إلا بالنظر إلى مسألة الإسكان والمساكن كمنظومة مؤسساتية تتكامل فيها الأنظمة التشريعية والتمويلية والتطويرية، وإلا أصبح الحديث عن مسألة توفير السكن الكريم للمواطن مجرد أحلام وردية يعزف عليها مجلس الشورى تارة، والكتاب تارة أخرى، والمسؤولون في تارات عدة. وبحكم أن مجلس الشورى مؤسسة برلمانية، فإنه يجب أن يناقش المواضيع المطروحة عليه بشكل شامل ومتكامل، وألا يعالج جزئية واحدة إلا ضمن أطر متكاملة (اجتماعية، سياسية، اقتصادية، قانونية) وإلا أصبحت طروحاته وحلوله مجرد حلول سطحية تعالج الطارئات من الأحداث مستخدماً أساليب مهدئة، وليست حلولا جذرية. ذلك أن الحلول الجذرية هي التي نبحث عنها على كل المستويات الرسمية وغير الرسمية. فالحاكم يريد علاجاً ناجعاً للمنخرطين في صناعة القرار وليس حلولا وقتية - يقترحه عضو مجلس شورى أو مسؤول في أي من الوزارات - في فترة بقائه في منصبه.
إن من الواضح أن رفع حجم القرض لن يفيد كثيراً، ولن يحل مشكلة فردية أو جماعية، لأن قضية توفير السكن هي قضية أكثر من 75 في المائة من المواطنين. فمع إعلان التوصية برفع قيمة القرض، بدأ أصحاب الأراضي السكنية برفع أسعار تلك الأراضي، وبدأ الكثير من الناس في الاستعداد لطلب قرض من البنك، وهو الأمر الذي سيفاقم المشكلة، فمع زيادة الطلبات على الصندوق ستزداد فترات الانتظار حتى لو ارتفع رأسماله إلى 200 مليار، كما يوصي المجلس، لذا فإن معضلة الحصول على قرض سكني أو مسكن هي معضلة هيكلية متجذرة. ولن تجد لها حلا إلا بعد توافر عدة شروط تشكل الإطار التنظيمي للقطاع السكني أهمها:
1- وجود أراض سكنية بأسعار مناسبة.
2- وجود نظام رهن عقاري.
3- وجود شركات تمويل عقارية برؤوس أموال ضخمة.
4- وجود مطورين للمشاريع السكنية على قدر عال من الكفاءة.
5- وجود سوق ثانوية للرهن العقاري.
6- نظام عدلي وشرعي قادر على تنفيذ وكذلك حل الخلافات الناشئة ضمن تفاعل هذه الشروط مع بعضها بعضا.
هذه الشروط الستة (أو العوامل) مهمة جداً للحصول على تنظيم متكامل للقطاع السكني في المملكة. وهو الإطار الذي على مجلس الشورى أن يناقشه بشكل مستفيض للخروج بتوصيات مهمة تحث على العمل المؤسساتي الذي يخدم في النهاية صناعة القطاع السكني، ويسهم في إيجاد حلول جذرية ومستدامة. وهي الحلول التي نؤمل من مجلس الشورى أن يسعى لها في كل القطاعات والمواضيع التي تطرح عليه لإخراج توصياته بطريقة ومنهجية مؤسساتية، وليست بطريقة فردية، لا تتجاوز أهميتها أهمية الرأي الفردي الذي ينظر إلى الأمور نظرة ضيقة ومنطلقة من مصالح وخبرات فردية ليس إلا.