رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


اللغة الإنجليزية في التعليم الجامعي

فيما حافظت الجامعات السعودية خلال العقود الماضية على توازن مقبول في المحافظة على اللغة العربية مع استخدام اللغة الإنجليزية، يدور حالياً في أروقة الجامعات جدل ''قديم جديد'' حول اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة للتدريس بالكامل. وحيث إن مثل هذا الجدل قد لا يكون مستغرباً، إلا أن المستغرب هو طريقة مؤيدي اللغة الإنجليزية في إدارة النقاش دون اعتبار للأبعاد الوطنية والثقافية والعلمية في هذه المسألة. وعلى الرغم من أن النقاش يدور في بيئة علمية في الأساس، إلا أن الكثير من الأساتذة الجامعيين وصلوا، وللآسف، إلى نتائج وتوصيات لم تعتمد على المنهج العلمي الذي تعلمناه في الجامعة. وباختصار فإن الواقع الحالي لهذا النقاش لا يعدو كونه فرضا لآراء وتعميما لظواهر جزئية على كليات تختلف وتتباين تماماً فيما بينها.
ولعلنا لا نبالغ بالقول إن ما يحصل حالياً هو تبن للتوجهات الشخصية لبعض المسؤولين في الجامعات والكليات بالدعوة إلى تبني اللغة الإنجليزية واستخدامها في التعليم دون إدراك لطبيعة التخصصات العلمية ودون إدراك لآثار ذلك على مخرجات التعليم في المدى الطويل. بل إن الأمر تعدى إلى ممارسة الضغوط الشخصية من بعض مسؤولي الجامعات والكليات على أعضاء هيئة التدريس لتبني هذا الطرح. والأدهى من ذلك هو وصف من يدعو إلى التمسك باللغة العربية في التعليم بالتقليدية ومقاومة التجديد، مع العلم أن بعض ''التقليديين'' ممن أبدعوا في تخصصاتهم، وشهد لهم أقرانهم في الجامعة بذلك. وهذا لا شك كارثة عندما ينقلب النقاش من نقاش علمي منطقي إلى نقاش شخصي بحت!! والواقع أن النقاش والحوار العلمي هو مطلب أساسي للأكاديميين دون استخفاف بالآراء أو التشكيك في النوايا.
وعلى هذا الأساس، فإنه يجب التفرقة بين أهمية اللغة الأجنبية وتعلمها، وبين الدعوة إلى استخدامها كلغة للتعليم في جميع المجالات. كما أنه لا بد أيضًا من التفكير في أن التعليم بلغة أجنبية يتطلب وجود أساتذة يتقنون اللغة، التي يتم التعليم بها فهمًا وإلقاءً، كما يتطلب وجود الطالب الذي يتقنها فهمًا واستيعابًا وتحدثًا وكتابة. وهذا لا يتوافر لدينا فقد سمعنا محاضرات أُلقيت في قاعات جامعاتنا بلغة هجينة، اختلطت فيها العامية المحلية بالمصطلحات الأجنبية اختلاطًا عجيبًا.
وعلى الجانب الآخر، فإن تدريس العلوم باللغة العربية ضرورة علمية ومطلب وطني وعربي لوجود العديد من الإيجابيات عند استخدام اللغة العربية في التدريس المتمثلة في مقدرة الطلاب على الفهم والاستيعاب والمناقشة والقراءة والكتابة بشكل أكبر مما يؤدي إلى زيادة استيعابهم للمفاهيم العلمية وتحسن تحصيلهم العلمي. ولذا، فقد أوصت منظمة ''اليونسكو'' باستخدام اللغة الوطنية في التعليم إلى أقصى مرحلة ممكنة، إذا كانت اللغة تسمح بذلك، ولغتنا العربية تسمح بذلك والحمد لله. وهذا ما أكده أيضاً نظام التعليم العالي الصادر من المقام السامي الذي ينص على أن اللغة العربية هي لغة الدراسة، وعدم استخدام اللغة الأجنبية إلا في أضيق الحدود. إن الدعوة إلى التعليم باللغة الإنجليزية يجب ألا تكون عبارة عن ردة فعل للمستوى المتردي لمخرجات التعليم الجامعي أو لما يسمى ''متطلبات سوق العمل'' وفقاً لآراء غير علمية متغيرة حسب الوقت والحاجة، ودون دراسة هذا الموضوع دراسة متأنية وشاملة وأخذ رأي أصحاب الاختصاص في مزايا وعيوب التدريس باللغة الأجنبية. فاللغة وحدها ليست السبب في تدهور التعليم الجامعي، فالمسألة أكبر بكثير من اللغة، وليس من العدل التعلق باللغة الإنجليزية لحل مشكلة التعليم العالي؟ كما أنه ليس منهجياً وعلمياً إجراء مقارنات غير منطقية حول هذا الموضوع مثل مقارنة جامعة الملك سعود بجامعة الملك فهد. فالجميع يعرف، أن هناك فارقا كبيرا في التوجهات والأهداف والقدرات الاستيعابية بينهما. كما أنه غير منطقي مقارنة الطب والهندسة بالاقتصاد والقانون. وهذا يعني أن المطالبة باستخدام اللغة الإنجليزية أمر غير منطقي في جميع المجالات وفي جميع التخصصات.

3

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي