أرقام الانتخابات الإيرانية تكشف المستور
في أكثر من مقالة تطرقت إلى خطر التعامل مع الإحصاءات وأنها قد تؤدي إلى نتائج خطيرة بسبب سهولة التعامل معها ولأن كثيرين يأخذونها كمسلمة علمية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق في تلك الأرقام. لذلك، فإن من المهم أن يكون هناك تدقيق وتمحيص لأي رقم يعرض علينا ويتعلق بقضية عامة كقضية استهلاك الكهرباء التي تطرقت لها في وقت سابق أو قضية العلاقة بين استهلاك البنزين وسعره في المملكة التي رمى فيها البعض بإحصاءات ما أنزل الله بها من سلطان.
ولأهمية هذه القضية أستعرض مع الإخوة القراء مقالاً نشر على صفحات جريدة ''واشنطن بوست'' الذائعة الصيت للكاتبين بيرند بيبر وأليكس سكاكو، وهما طالبا دكتوراه في العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، ويستنتجان من خلال تحليلهما لأرقام الانتخابات الإيرانية أن هناك تلاعباً في نتائج تلك الانتخابات. والتحليل لا يتطرق بأي حال من الأحوال إلى أي جانب سياسي ولكنه فقط يركز على الجانب العلمي المتعلق باحتمالية تكرار أرقام معينة ومدى اتفاق ذلك مع مبدأ العشوائية في تحديد الأرقام من خلال الانتخابات. ويركز الكاتبان على تحليل آخر رقمين من أرقام الانتخابات لـ 29 من الأقاليم الإيرانية ولكل من المرشحين الأربعة في الانتخابات (بما مجموعه 116 رقما إحصائيا) المنشورة على موقع التلفزيون الرسمي الإيراني. والسبب في التركيز على الرقمين الأخيرين أنهما يمثلان معلمة عشوائية، حيث يمكن ظهور أي رقم من 1 إلى 10 بالاحتمالية نفسها (10 في المائة لكل رقم). وبالتالي فإن تكرار ظهور رقم أكثر من غيره سيثير الشك في أن الأرقام تم التلاعب فيها بطريقة مقصودة. لكن التساؤل هو لماذا لا يكون نمط الأرقام المتلاعب بها نمطاً عشوائياً مشابهاً للأرقام المنتجة من خلال انتخابات نزيهة وعادلة؟
الجواب على ذلك أن العلماء السلوكيين وجدوا من خلال التجربة العلمية العملية أن الإنسان لا يمكنه إنتاج نمط أرقام عشوائي متسق مع العشوائية الطبيعية التي تنتج عن عدم التدخل في اختيار الأرقام. وبالتالي فيمكن التركيز كما أشرت على نمط الرقمين الأخيرين للتأكد من عشوائية الأرقام ومعرفة ما إذا كانت الأرقام قد نتجت بطريقة عشوائية أم لا. وحسب الكاتبين، فقد ظهر من خلال التحليل الرقم 7 بشكل متكرر أكثر من غيره وبنسبة 17 في المائة من مجموع الأرقام المنشورة، بينما ظهر الرقم (5) بما نسبته 4 في المائة من الأرقام. وهذا النمط من الأرقام يمكن أن يحدث بما نسبته 4 في المائة فقط من انتخابات غير متلاعب فيها، بما يعني أنه نمط نادر الحدوث بشكل عشوائي.
الطريقة الأخرى التي تم بها اختبار أرقام الانتخابات الإيرانية من خلال الاعتماد على فرضية العلوم السلوكية التي أظهرت من خلال التجارب العلمية أن البشر يعانون ضعفاً في إنتاج نمط يتضمن أرقاماً غير متقاربة لآخر رقمين كـ 23 مثلاً في مقابل 64. وقد أظهرت اختباراتهم العملية أن 70 في المائة من الأرقام المنتجة بطريقة عشوائية تحتوي على أرقام غير متقاربة، وبالتالي فاختبار عدد المرات التي تكررت فيها أرقام متجانسة في نتائج الانتخابات الإيرانية سيعطي فكرة عما إذا كانت الانتخابات نزيهة أو أن الأرقام تم التلاعب فيها.
وقد أظهرت عملية اختبار أرقام الانتخابات الإيرانية أن ما نسبته 62 في المائة من الأرقام تحتوي على أرقام غير متقاربة، وعلى الرغم من أن ذلك يبدو ليس بعيداً من نسبة الـ 70 في المائة، لكن التاريخ الإحصائي للانتخابات يبين أن ما نسبته 4.2 في المائة فقط من الانتخابات العادلة ظهرت فيها أرقام متقاربة بنسبة 62 في المائة فقط، وهو ما يثير كثيرا من الشبهات حول أرقام الانتخابات الإيرانية. علاوة على ذلك، فإن نتائج الانتخابات المتعلقة بأحمدي نجادي تظهر بوضوح عدم وجود أي أرقام متقاربة في مقابل أرقام محسن رضائي التي تظهر أرقاما غير عادية لا تظهر في النمط الطبيعي للأرقام.
وأخيراً يختم الكاتبان بدليل إحصائي قوي جداً على وجود تلاعب في أرقام الانتخابات، إذ إن احتمالية أن تنطوي نتائج انتخابات نزيهة وعادلة على نمط أرقام بنسب متطرفة كالـ 7 (17 في المائة) والـ 5 (4 في المائة) وهي الطريقة الأولى في التحليل، إضافة إلى نمط أرقام يحتوي على نسب قليلة من الأرقام غير المتقاربة، لا يتجاوز الـ 5 من الألف, مما يعد دليلاً قوياً على أن تلك الأرقام لم تنتج بطريقة طبيعية وأنه حتماً تم التلاعب بها, مما أنتج تلك النتائج غير العادية في كلا الاختبارين.