صندوق النقد الدولي: 3 إخفاقات أدت إلى الأزمة المالية و5 مناطق ضعف يجب معالجتها
في أول دراسة من نوعها، حصر صندوق النقد الدولي الدروس المستخلصة من الأزمة المالية العالمية، وقال إن من عناصر الفشل الرئيسية في فترة الرواج الاقتصادي هو عدم القدرة على رصد الخطر الذي تمثله فقاعة أسعار الأصول المتنامية في المشهد الكلي.
وتشير النتائج إلى قصور في التقييمات والرقابة على الأسواق والبنوك العاملة. وحين تفجرت الأزمة لاحقا كانت ردود أفعال السياسات مكبلة بقيود الهياكل التنظيمية المتشرذمة، وبيانات الإفصاح غير الكافية لتوضيح المخاطر، وأوجه الضعف في نظم إدارة الأزمات وأطر تسوية الأوضاع المصرفية، وخاصة في التعامل مع الضغوط العابرة للحدود.
ويشير التحليل الصادر عن الصندوق إلى إخفاقات على ثلاثة مستويات مختلفة:
* لم تكن هيئات التنظيم المالي مجهزة بما يتيح لها اكتشاف تركزات المخاطر والحوافز المعيبة وراء طفرة المبتكرات المالية، فلا الانضباط السوقي ولا العمل التنظيمي استطاع احتواء المخاطر الناجمة عن سرعة الإبكار وزيادة الرفع المالي، والتي ظلت تتراكم لسنوات طويلة.
* لم يوجه صانعو السياسات الاهتمام الكافي للاختلالات الاقتصادية الكلية المتنامية التي أسهمت في تراكم المخاطر النظامية في النظام المالي وفي أسواق المساكن، فقد ركزت البنوك المركزية على التضخم في الأساس، وليس على المخاطر المصاحبة لارتفاع أسعار الأصول وزيادة الرفع المالي، وكانت أجهزة الرقابة المالية منشغلة بالقطاع المصرفي بدلا من الانشغال بالمخاطر المتزايدة في النظام المالي العامل في الظل.
* لم تنجح المؤسسات المالية الدولية في إرساء روابط تعاونية وثيقة على المستوى الدولي. وقد أدى ذلك إلى زيادة العجز عن رصد مواطن الضعف المتنامية والروابط القائمة عبر الحدود.وتشير دراسة صندوق النقد الدولي المعنية بالتنظيم المالي إلى الكيفية التي حدث بها التوسع الهائل في النظام المالي على مدار العقد الماضي، وما أنشأه من أدوات مالية جديدة بدت وكأنها تحقق مكاسب أكبر مع تحمل مخاطر أقل، ومما شجع هذا الشعور شيوع الاعتقاد في صلاحية منهج «اللمسة الخفيفة « في التنظيم المالي الذي يقوم على افتراض أن الانضباط في الأسواق المالية من شأنه القضاء على السلوكيات المندفعة وأن الابتكار المالي يعمل على توزيع المخاطر وليس تركيزها.
وقد اتضح خطأ الافتراضيين وكانت النتيجة ظهور فقاعة ضخمة في أسعار الأصول، ولا سيما في قطاع المساكن، وتراكم قدر هائل من المخاطر في الجهاز المصرفي الرسمي، وقال هايما كاروانا، مدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي إن « الواضح من هذه الأزمة هو ضرورة توسيع حدود التنظيم المالي لكي تشمل المؤسسات والأسواق النظامية التي كانت تعمل خارج نطاق تغطية الجهات التنظيمية والرقابية « وأضاف قائلا « نقترح منهجا من مستويين لتوسيع نطاق التنظيم المالي : التوسع في الإفصاح بما يتيح للأجهزة الرقابية معلومات كافية لتحديد المؤسسات الكبيرة أو المترابطة بما يكفي لخلق مخاطر نظامية، وتكثيف إجراءات التنظيم و الرقابة الوظيفية.
وتشير دراسة الصندوق إلى أن هناك خمسة مواطن ضعف أساسية ينبغي معالجتها:
أولا: يتعين توسيع الحدود التنظيمية أو نطاق التنظيم لكي يشمل كل الأنشطة التي تشكل مصدر خطر على الاقتصاد ككل، وينبغي المحافظة على مرونة التنظيم لكي يواكب المبتكرات المستجدة في الأسواق المالية، والتركيز على الأنشطة وليس المؤسسات.
ثانيا: يتعين تعزيز الانضباط السوقي حيث تم توجيه انتقادات متعددة لإخفاقات هيئات التصنيف الائتماني فيما يتعلق بتقدير المخاطر.
ثالثا: من شأن زيادة مقدار رأس المال الإلزامي المطلوب من البنوك أثناء فترات الانتعاش أن يؤدي إلى تكوين هامش احتياطي يمكن أن تستند إليه البنوك أثناء فترات الهبوط.
رابعا: يتعين سد فجوات المعلومات لأنه من الضروري زيادة الشفافية في تقييم الأدوات المالية المركبة.
خامسا: يتعين على البنوك المركزية تقوية الأطر الموضوعة لاحتياطي السيولة النظامية وينبغي أيضا تحسين البنية التحتية التي ترتكز عليها أسواق المال الرئيسية.
وتقول الدراسة إن الأزمة جاءت مسبوقة بفترة طويلة من النمو العالمي القوي وأسعار الفائدة المنخفضة، الأمر الذي شجع المستثمرين على السعي لتحقيق عائد مرتفع، مما استحث الطلب على المنتجات المالية المبتكرة المقترنة بمخاطر أكبر.
وعلى الرغم من أن السياسات النقدية وسياسات المالية العالمية لم تسهم بدور كبير في الفترة السابقة على الأزمة، فإن الأزمة لا تزال تنطوي على عدد من الدروس لصانعي السياسات على مستوى الاقتصاد الكلي أهمها:
* ينبغي أن تتحرك السياسة النقدية في مواجهة تراكم المخاطر النظامية. فعلى صانعي السياسات التركيز على الاستقرار المالي والاقتصادي الكمي وتوجيه مزيد من الاهتمام لتراكم المخاطر النظامية. ومن الصعب، بطبيعة الحال، رصد فقاعة تزيد تضخما ثم التحرك لمواجهتها، و عادة ما تكون السياسة النقدية أداة كليلة التعامل مع طفرات الائتمان وأسعار الأصول: إنما يتعين أن يأتي رد الفعل اللازم من أنشطة التنظيم الاحترازي بصفة أساسية، ولكن هذا الخط الدفاعي الأول باء بالفشل فيما سبق ثم فشل مجددا في الآونة الأخيرة. وبالتالي، هناك حجج كافية لتوسيع مجال السياسة النقدية حتى يشمل الاستقرار المالي والاقتصادي الكلي بشكل واضح، ولا يقتصر على استقرار الأسعار.
* ينبغي ترسيخ دعائم سياسة المالية العامة في أوقات اليسر. فمن الملاحظ أن سياسة المالية العامة لم تسهم بدور كبير في الفترة السابقة على الأزمة، ولكن كثيرا من البلدان تعذر عليه سداد الدين العام وتخفيض مستويات العجز في وقت الرخاء، ونتيجة لذلك، تجد هذه البلدان نفسها ضعيفة القدرة على تنشيط اقتصاداتها خروجا من الأزمة، وكانت السياسة الضريبية عاملا مشجعا أيضا على التمويل بالديون في السنوات الخيرة، ومن المفيد تغيير مثل هذه القواعد الضريبية السارية. وفي هذا الصدد أجرى صندوق النقد الدولي تحليل مفصلا للحيز المالي المتاح في البلدان الرئيسة، وكيفية تصميم مجموعات من التدابير التنشيطية الفعالة، والتأكد من ملاءة المالية العامة على المستوى المتوسط نظرا لارتفاع الدين والالتزامات الاحتمالية.