السمات الأربع للقيادة تمارس بفاعلية في منظماتنا... جامعة الباحة مثالا
غطت بعض وسائل الإعلام الأحداث المؤسفة التي مرت بها جامعة الباحة مطلع الأسبوع الماضي، حينما علمت طالبات كلية العلوم التطبيقية بتغيير أسئلة مادة "أساليب البرمجة و نظم المعلومات 2" بعد دخولهن قاعات الامتحان بدقائق، الأمر الذي أثار استياءهن ودفع بعضهن إلى تمزيق الأسئلة ومغادرة القاعة بإيعاز من أستاذة المادة. وبرر عميد الكلية سبب تغيير الأسئلة إلى الاشتباه في تسربها كما وصف تصرف أستاذه المادة بأنه أسلوب غير مسؤول يرجع إلى قلة خبرتها الأكاديمية.
وحسب علمي أن هناك أطرافا دخلت لحل القضية داخل أروقة الجامعة إلا أن الأزمة أبت إلا أن تخرج للإعلام بكل ما تحويه من حقائق وشائعات، الأمر الذي أدى إلى تدخل مدير الجامعة بقيادة الحدث بنفسه، فاعترف بالواقعة وأن الأسئلة لم تتسرب وأن عميد الكلية كان على خطأ وأستاذة المادة كانت على صواب، وهذا لا يعيب فقد أصابت امرأة وأخطأ عمر. إن تصرف مدير الجامعة يكشف عن عبقرية إدارية فذة فقد ابتعد عن الطرق التقليدية التي نمارسها في مثل هذه الأمور مثل المجاملات، والدفاع الهش، وتغليف الحقيقة بالتصريحات الملفقة، فوقف صامدا صادقا وذكر الحقيقية التي إذا ظهرت اختبأت الأكاذيب والشائعات. وبهذا أخرست الأصوات النشاز، وأخمدت الفتنة، وأعيدت الأمور إلى نصابها، ولم يبق شيء تحت الطاولة.
وقد ذكرنا هذا الإقدام بمبادئ القيادة لـ "جاك ويلش" التي تتلخص في السمات الأربع التالية: القائد الفذ يجب أن يمتلك الطاقة، والقدرة على التحفيز، والقدرة على الحسم، والقدرة على التنفيذ. ونريد أن نستغل هذا الحدث لنناقش هذه المبادئ وسيقتصر نقاشنا على المبدأ الثالث وهو (الحسم) الذي تم تفعيلة وتطبيقه في جامعة الباحة ونؤخر البقية إلى مناسبات مقبلة ـ بإذن الله.
القياديون الذين يتصفون بالحسم، وهي مهارة لا يتقنها إلا القادة الشجعان، هم من النوع التنافسي يعرفون كيف يتخذون القرارات الصحيحة في الأوقات المناسبة، ولا يسمحون للمثبطات والشائعات والعادات الإدارية البالية أن تعترض سبيلهم أو تعوق تقدمهم. إنهم القادة الذين لا يعرفون التردد إذا اتضحت أمامهم الحقائق في اتخاذ القرارات المصيرية أو ما أسماها "بيتر دراكر" بقرارات الحياة أو الموت.
إن ممارسة مبدأ الحسم ليس بأمر سهل، فقد يواجه القائد النقائض والضغوط فقد يلجأ إلى الهدم من أجل البناء، وإلى التضحية من أجل البقاء، وإلى تسريح كثير من العاملين من أجل الاحتفاظ بالمتميزين، وإلى الاعتراف بالحقيقة المرة من أجل التصحيح وترسيخ مبدأ العدالة كما فعل مدير جامعة الباحة. ومن التناقض أيضا أن يجد القائد وسيلة لقيادة منظمته في المدى البعيد في الوقت الذي تستمر فيه المنظمة في العمل بكفاءة في المدى القصير، فتتقلص لكي تنمو، وتتخلص من بعض الأشياء لكي تكسب أشياء أخرى أكثر أهمية. إن مبدأ الحسم يعنى البراعة في إدارة المتناقضات ومواجهة الضغوط والصراعات.
ينصب اهتمام القادة الذين يتصفون بالحسم في الدرجة الأولى على مصلحة المنظمة والأفراد يأتون في المرحلة الثانية، فالكيان عندهم أهم من الإنسان، لأنهم يرون أن الاهتمام المبالغ فيه بالعنصر البشرى على حساب المنظمة يؤدى إلى تكون بيئات تنشأ فيها القيادات البغيضة كالدكتاتورية والعادات المقيتة كالبيروقراطية وتصبح المنظمة رهينة لزمرة يعبثون ويسيئون استخدام السلطة.
ومن أبرز من أتقن هذا الفن "رودولف جولياتي" الذي أُطلق عليه في الآونة الأخيرة عمدة أمريكا، فقد امتلك هذا الرجل الحسم بوفرة، وقد أظهر هذا في أحداث 11 أيلول (سبتمب) 2001، اليوم الذي وقعت فيه الأحداث المفتعلة على مدينة نيويورك. وحيث إنه كان سيتقاعد من منصبه كعمدة لـ "نيويورك" في غضون بضعة أشهر وكان من الممكن أن يختبئ ويصدر أوامره من موقع سري، إلا أنه آثر الظهور وحسم الأمور، فكان الرجل الوحيد الذي تجده في كل مكان، وغالبا ما كان متواجدا في موقع الهجمات يقدم المساعدات ويمارس التوجيه والقيادة حتى أن أشد منتقديه امتدحوا فعلته هذه. وحتى لا يساء فهم هذه النقطة فأنا لست من المؤيدين لـ "جولياتي" وموقفه من الأحداث، وقد استشهدت بموقفه من أجل توضيح شخصيته القيادية وكيف تألق في تطبيق مبدأ الحسم أما خلفية الرجل، وعقدية، وموقفه من القضية الفلسطينية فلا تعنينا في مقام كهذا.
أما "جاك ويلش" فقد طبق مبدأ الحسم بطريقة أخرى فقام بتسريح واحد من كل أربعة موظفين حتى أصبح إجمالي الموظفين الذين تم تسريحهم 118 ألف موظف. فعل هذا من أجل المحافظة على الموظفين الأكفاء ولجعل الشركة الضخمة المترهلة تسير خفيفة كشركة صغيرة رشيقة. و"ويلش" يرى أن الموظفين المعادين لقيم الشركة أشبه بالأمراض المعدية فإذا لم يؤمنوا ولم يأتوا بكل ما لديهم فيجب التخلص منهم فورا.
والمقدرة على الحسم ليس لها قيمة دون التنفيذ، والقياديون الذين ينفذون بفاعلية يدركون أن الحسم والإنتاجية ليسا وجهين لعملة واحدة. وأفضل القادة هم الذين يعرفون كيف يحولون الطاقة والحسم إلى عمل ونتائج. إنهم يعرفون كيف يجنون ثمار مبدأ الحسم بالتنفيذ، وهذا ما ننتظره من مدير جامعة الباحة الذي تألق بالفعل في هذه القضية وذكرنا بالقادة الأفذاذ باستخدام مبدأ الحسم ببراعة وننتظر منه تطبيق مبدأ التنفيذ.