رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


.. ومن زرع حصد

مع نهاية يوم غد الأربعاء تكون الاختبارات قد أذنت بالرحيل وتنفس الطلاب والطالبات الصعداء، وكذلك الأهل الذين تعبوا معهم طوال السنة الدراسية, وبذا تكون انتهت مرحلة مهمة في حياة الطالب ويمكن تصنيف الطلاب إلى نوعين بارزين: نوع يدرك قيمة العلم وفائدته على الصعيد الفردي, والأسري, والاجتماعي لما له من أثر في الرفع من مستوى ثقافة الفرد, ومعرفته العامة, وكذلك الخاصة, إضافة إلى الإسهام في تحسين مستوى دخل الفرد, والرفع من مستواه الاقتصادي، حيث إنه بالنجاح, وبتحقيق مستوى متميز، وفي مجال مطلوب من قبل سوق العمل يجد المرء نفسه مرغوباً من قبل جهات التوظيف, بل يعطى راتبا جيداً ومميزات أخرى كبدل السكن, والعلاج, وغيرها من المغريات، أما النوع الثاني من الطلاب فهو صنف لا يدرك قيمة العلم وفائدته على الصعيد الفردي، الأسري، والاجتماعي, لذا فهو من خلال مسيرته الدراسية يدفع دفعاً نحو المدرسة والمذاكرة, وكأنه مكره على ذلك, وهذا الوضع وما يصاحبه من شعور ينعكس على المستوى العلمي للطالب الذي يواجه صعوبات جمة أثناء الدراسة, وبعد التخرج، إذ قد يجد الأبواب موصدة أمامه في سوق العمل, وذلك لتواضع مستواه, وافتقاده المهارات اللازمة للقيام بالوظيفة، وإن حصل على عمل فقد يكون بدخل محدود جداً, وبلا مميزات كزميله الذي أدرك قيمة العلم, وقدم الجهود اللازمة, والمناسبة مع هذه القناعة.
المرحلة الثانوية في مسيرة التعليم تبدأ مع إعلان نتائج الاختبارات، فالجامعات، والكليات، والمعاهد العليا ستفتح أبوابها لاستقبالهم, لكن من دون شك ليس كلهم, فالطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي لن يكون بمقدورها قبول الجميع, ولعله من المناسب طرح بعض القضايا ذات العلاقة بقبول الطلاب ومستقبلهم. كثير من الطلاب والطالبات يحدوهم الأمل في الحصول على مقعد في جامعة أو كلية, لكن وبلا شك هذا الأمل له متطلبات منها توافر شروط القبول العامة، واختبار القدرات، إضافة إلى الاختبار التحصيلي الذي تطلبه بعض التخصصات, مع اجتياز المقابلات أو بعض الاختبارات المتخصصة كما هو في كليات العمارة, وأقسام التربية الفنية أو التربية البدنية.
أسابيع معدودة وتعلن نتائج القبول في الجامعات, والكليات, وقد أدرك كل واحد أثر وقيمة جهده الذي بذله خلال السنوات الماضية, فالمجتهد يلمس قيمة جده, ومثابرته حين قبل وتحقق له التخصص الذي يرغب فيه, أما المقصر فيرى نفسه وقد عجز عن تحقيق رغبته, واضطر إلى دخول تخصص لا يرغبه أو ربما أوصدت في وجهه الأبواب, ولم تتمكن قدمه من دخول الجامعة أو الكلية, وهذه أولى النتائج السلبية لمن فرط في أيامه الخوالي, وأضاع وقته بين اللعب في الشارع, أو أمام شاشة التلفزيون, أو على الإنترنت, أو مع الشلة والرفاق.
ترى ما دور المجتمع في مؤسساته, وأسره, وأفراده إزاء الفئتين من الطلاب؟ لا شك أن المجتمع مسؤول عن المجموعتين سواء التي وُفقت وشقت طريقها, وقبلت في مؤسسات التعليم العالي, أو الفئة الأخرى. الفئة الأولى تستحق الرعاية والتشجيع, والتذكير بمتطلبات المرحلة المقبلة، فالقبول في الجامعة ما هو إلا مرحلة تتطلب مزيدا من الجهد والعمل الدؤوب, لذا فالجامعات, والكليات مطالبة بتبصير الملتحقين بها بالتخصصات, وشروطها, ومتطلبات المرحلة، إذ إنه ليس كل طالب قادرا على إدراك متطلبات المرحلة الجامعية. أعرف ويعرف الزملاء في الجامعة حالات طلابية كثيرة تنقلت بين أقسام الجامعة, وأضاعت كثيرا من الوقت، ما أهدر الوقت عليها وعلى المجتمع، حتى إن بعض الطلاب حوّل بين ثلاثة أو أربعة أقسام, ومنهم من قضى ما يقارب عشر سنوات في الجامعة وذلك بسبب الجهل في التخصصات وشروطها ومتطلباتها العلمية, والحاجة إليها في سوق العمل, كما قد يكون مرده عدم الوعي بنظام الجامعة, وعدم معرفة الطالب بالقسم الذي بدأ به, أو عدم رغبته، إذ قد يكون وجه لقسم وهو لا يرغبه, وذلك لاعتبارات القبول في الجامعة التي قد تأخذ في اعتبارها نسبة الطالب في الثانوية العامة, ودرجته في اختبار القدرات أو غيرها من الشروط والمتطلبات.
في حالات كثيرة نسأل الطالب عن القسم الذي يرغب الالتحاق به, ويجيب بأنه لا يعلم وسيقرر في حينه, أو أنه سيختار ما يختاره زملاؤه وأصدقاؤه, وفي ظني أن التعثر الذي يواجهه بعض الطلاب مرده عدم وضوح الرؤية وعدم توفر الميل, والرغبة التي تمثل طاقة محركة للطالب, وتدفعه نحو الأمام بجانب القدرة, والاستعداد العقلي الذي يشكل أساساً مهماً من أسس النجاح الأكاديمي. تحقيق الهدف الذي من أجله التحق الطالب في الجامعة يتطلب جهوداً من أطراف عدة، أولها الطالب الذي يفترض أن يستثمر هذه الفرصة ويعطيها ما تستحقه من جهد واهتمام, أما الطرف الثاني فهو الجامعة, وهي الحاضنة التعليمية والتربوية, التي يفترض أن توفر مناخاً ملائماً ينمو فيه الطالب معرفياً, فكرياً, مهارياً, وانفعالياً, وهذا المناخ لا يتأتى إلا بتوفير جميع المتطلبات التي تمكن الطالب من النمو السليم, أما الطرف الثالث فهو الأسرة, التي تشكل عنصر دعم ومساندة معنوية تسهم في التشجيع والدفع للأمام.
الفئة الثانية التي لم تتمكن من الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي لأي سبب من الأسباب لا بد من احتوائها, وعدم تركها نهباً للفراغ, ومن ثم الضياع, لذا لا بد من إيجاد البرامج التدريبية والوظيفية التي تستوعب الأعداد التي لم تتمكن من دخول الجامعة أو أي كلية ومعهد عال, الآمال لهؤلاء يفترض ألا تتحطم فوق صخرة شروط الجامعات, التي لم يتمكن من تحقيقها بعض الطلاب، بل لا بد من فتح أبواب الأمل لهم حتى يتمكنوا من مواصلة مسيرة حياتهم, ويشعروا بقيمتهم في المجتمع, والدور الذي يقومون به.
إن زرع الثقة في نفوسهم وإشعارهم بتعدد الفرص, وقرب المجتمع منهم يجعلهم يعوضون ما فاتهم وذلك في مجالات أخرى يبدعون فيها ويرون أثر إبداعهم في نمو مجتمعهم. حقاً إن من زرع وجدّ في الزرع في سابق أيامه وسنواته المنصرمة سيقطف ويجني الثمار في مستقبل الأيام والسنوات, وما القبول في التخصص المحدد مسبقاً إلا أولى البشائر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي