الاشتباك بين وثائق التأمين والنظام
يحصل أحياناً أن يثور خلاف بين عدة جهات ومنها شركات التأمين بخصوص من يلتزم بدفع التعويض للمتضرر نتيجة حصول خطر معين، حيث يعتقد كل طرف أنه غير ملزم بدفع التعويض، ويحصل هذا في الغالب عند وجود أكثر من وثيقة تأمين أو أكثر من نظام يُقرر كل منهم على حدة الحق للمتضرر في الحصول على التعويض.
هذا الإشكال النظامي يحدث بشكل ملحوظ عند النص على واقعة معينة في وثائق التأمين المتنوعة ويتم ترتيب أثر قانوني على حصولها. ويبدو الأمر جلياً في معرفة هذه المعضلة القانونية عندما تتجسد هذه الواقعة القانونية بالحادث مثلاً، فالحادث كواقعة قانونية تنص عليه أكثر من وثيقة تأمين في المملكة، حيث نجد أنه منصوص عليه في وثيقة تأمين المركبات ووثيقة الضمان الصحي، وكذلك منصوص عليه في نظام التأمينات الاجتماعية.
وبالرغم من أنه يتم تعريف الحادث في الوثائق وفي النظام إلا أن هذه التعريفات لا يمكن لها بذاتها أن تحدد نطاق تطبيق الوثيقة أو النظام بشكل واضح ومحدد، حيث يبقى الإشكال قائماً ويزداد الوضع تعقيداً حينما يرى كل طرف من الأطراف أن التعريف الذي اعتمده هو الأكثر تحديداً والأكثر دقة من الآخر، بل ويعطي لنفسه الحق في مطالبة الطرف الآخر بدفع أية تعويضات قام بدفعها بدلاً عنه.
فلو أخذنا تعريف نظام التأمينات الاجتماعية لحادث العمل نجد أن الحادث الذي يحصل للموظف الخاضع للتأمينات أثناء ذهابه للعمل أو عودته منه يعد (إصابة عمل) بمفهوم النظام، وتسري عليه أحكام نظام التأمينات، وذلك وفق المادة السابعة والعشرين (الفقرة الأولى) التي تقضي بما يلي: ( تعد إصابة عمل كل حادث يقع للمشترك أثناء العمل أو يقع له بسبب العمل. كما يعد في حكم ذلك أيضا كل حادث يقع للمشترك أثناء طريقه من مسكنه إلى محل عمله وبالعكس، أو أثناء طريقه من محل عمله إلى المكان الذي يتناول فيه عادة طعامه أو تأدية صلاته وبالعكس، وتعد بذات الوصف الحوادث التي تحدث أثناء تنقلات المشترك التي يقوم بها بقصد أداء مهمة كلفه بها صاحب العمل). وتنص المادة الثامنة والعشرون من نفس النظام على العلاج والتعويضات والبدلات التي يحق للمشترك المصاب بإصابة عمل أو لأفراد عائلته المطالبة بها.
وبالنسبة لوثيقة الضمان الصحي الموحدة فقد تضمنت تعريفاً للحادث، فهو وفقاً لها عبارة عن: إصابة عرضية أو حَدَث عَرضي غير مُتوقع يقع خلال مدة التأمين. إلا أنها لم ترتب أحكاماً معينة عليه ضمن نطاق تغطياتها كما فعلت بالنسبة (للعلة) أو المرض الذي يختلف عن مفهوم الحادث، ومع ذلك فقد نصت على شمولية التغطية لجميع التكاليف المتعلقة بزرع الأسنان أو تركيب الأسنان الاصطناعية أو الجسور الثابتة أو المتحركة أو التقويم إذا نتجت عن وسائط خارجية عنيفة ومنها بالطبع حادث السير.
وفي اعتقادي أنه لا بد من فض الاشتباك بين هذه الأنظمة أو الوثائق حتى لا يكون المتضرر ضحية نزاع بين تلك الجهات، هذا بالإضافة إلى أن التوسع في إلزام شركات التأمين الصحي بدفع التكاليف الناشئة عن علاج الحوادث، خاصة حوادث السير يضعف من أهمية التغطيات الموجودة في وثيقة تأمين المركبات أو التغطيات المنصوص عليها في أنظمة تعويض أخرى.
كما أن ذلك سيزيد من تكلفة التأمين الصحي، ما ينعكس سلباً على شركات التأمين وعلى أرباب العمل المكلفين بالتأمين على عمالتهم. كما أن وجود مثل هذه الازدواجية في التغطيات سيزيد من حالات التحايل في التأمين من خلال لجوء بعض ضعاف النفوس إلى الحصول على عدد من التعويضات عن الحالة الواحدة، وذلك بقيامهم بتقديم مطالبات لأكثر من جهة.