الواسطة: ثقافة وهمية

بين الشفاعة والواسطة خيط رفيع، ينتج عنه خلط. ففي مجتمعنا الطيب، تزيد الهمة تجاه الشفاعة، وهو أمر لا غبار عليه. وقد أصبحت كلمة «الواسطة» تعكس في الغالب مفهوم الشفاعة. وكثيرون في مجتمعنا يمارسون الشفاعة بأريحية تعكس السلوك الإنساني السائد. لكن هذا لا يعني أن مصالح الناس لا يتم إنجازها إلا من خلال الواسطة. وهذا هو المفهوم الذي لامسه الزميل والصديق صالح الشهوان في مقالته التي نشرها الأربعاء الماضي «الاقتصادية» 24/6/2009).
إن سلوك الشفاعة، أمر له أصل في شريعتنا السمحاء، فأن أعرف أنا أو يعرف سواي، أن ثمة شخص متعفف، لم يصل إلى الضمان الاجتماعي، للحصول على ما كفلته له الدولة من مال، لا يعكس بالضرورة قصورا لدى الضمان الاجتماعي، لكنه استصعاب من هذا الشخص ذكرا كان أو أنثى للمطالبة بما يسرته له الدولة، فيبادر إنسان بإيصال معلومة إلى هذه الجهة عن حالته، التي تعالج موضوعه. لكنك عندما ترغب في الحصول على وظيفة عبر وزارة الخدمة المدنية فأنت لا تحتاج إلى الشفاعة. البعض يبحث عن الواسطة ليس لإنجاز هذا الأمر، بل لتعجيله وتجاوز حقوق آخرين. هنا تختلف المسألة وتصبح هذه الواسطة ضارة، لأنها تعكس أنانية تسبب الضرر لشخص له أولوية وأسبقية في تاريخ التخرج والتخصص والتقدم إلى الوظيفة أو الترقية. والنبلاء من أبناء مجتمعنا لا يتصدون لمثل هذه الأمور، ناهيك عن أن الوزارة وضعت أنظمة تقنية وبشرية لا تسمح بمثل هذه التجاوزات. الواسطة كمشكلة فردية، تعكس سلوكا أنانيا. عندما تقف في الطابور وتجد أن شخصا جاء متأخرا ويريد أن يقفز ليصبح الأول بدلا من مكانه في الصف. مثل هذا الشخص لا يحصد سوى إحراج نفسه لأن الموظف سيطلب منه أن يلتزم بدوره.
عندما عمدت الجوازات والأحوال المدنية ـ مثل قطاعات أخرى حكومية وخاصة ـ إلى وضع أرقام للمراجعين لم يعجب هذا السلوك المتحضر بعض الأفراد، لكنه مستمر كفعل حضاري ونظامي.
لا أشك أبدا أن أي إنسان يمكنه أن يحصل على ما يريده من أي جهاز حكومي إن كان هذا المطلب نظاميا دون أن يحتاج إلى الواسطة. وإن شعر فرد أن هناك تعمد امن موظف ما إلى تعطيله، فإن لديه خيارات كثيرة مفتوحة، وهذه الخيارات تبدأ من مكتب المدير المسؤول عن المنشأة، وفي غالب الأحوال يتم إنهاء الأمور هناك.
في مجتمعنا، التواصل بين المسؤول والمواطن تتسع دائرته بقدر كبير، فخادم الحرمين الشريفين يحفظه الله يلتقي في مجلسه بالمواطنين بشكل أسبوعي، وإمارات المناطق تستقبل المواطنين وتلمس مطالبهم بشكل يومي، كذلك الأمراء والوزراء جميعهم ومديرو الجامعات.. وغيرهم ملتزمون بهذا الأمر. هذه الأبواب والقلوب المفتوحة يندر أن تجد مثيلا لها في أماكن أخرى، وهي صمام أمان يؤكد ما أشرت إليه آنفا وما سبقني إليه الزميل صالح الشهوان حول أن استسهال البحث عن الواسطة هو محض سلوك فردي يعكس ثقافة وهمية تغلغلت فينا حتى أصبحنا نكاد نجزم أنها هي القاعدة وهي في الحقيقة: استثناء لا يقاس عليه. أعيدوا تأمل الصورة، حتما ستجدون أن الكلام حقيقي وليس انطباعيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي