رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عصر الطاقة الشمسية (1 من 2)

الذي لا يفكر اليوم في هذا العالم المتعطش للطاقة بأهمية البدء باستغلال الطاقة الشمسية المهدرة فهو بعيد جدا عن الواقع، مهما كان يمتلك من مصادر الطاقة التقليدية الأخرى. وقد كان العائق الرئيس في الماضي لعدم دراسة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع، بما في ذلك الطاقة الشمسية، هو تدني أسعار الطاقة المتولدة من المواد الهيدروكربونية كالنفط والغاز والفحم خلال العقود الطويلة الماضية، بسبب وفرة المعروض في السوق والمنافسة الشديدة التي كانت قائمة بين منتجي النفط في العالم. أما في الوقت الحاضر، فقد ارتفعت أسعار مصادر الطاقة التقليدية إلى مستويات تجعل تكلفة بناء مرافق الطاقة الشمسية "النظيفة" منافسة لتكلفة المصادر الأخرى المتجددة وغير المتجددة، وتتميز عليها بإمكانية إنشائها في أماكن كثيرة من سطح الأرض. وإذا أخذنا في الحسبان الزيادة  المستمرة للطلب العالمي على مصادر الطاقة بوجه عام والاحتمال المؤكد لارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية في غضون السنوات القليلة المقبلة، فإن ذلك مما يعزز ضرورة الاتجاه إلى إنشاء مرافق توليد الطاقة الكهربائية من الأشعة الشمسية، لكونها أفضل مصدر للطاقة على الإطلاق بالنسبة للبيئة، فهي معين لا ينضب ولا خوف من نفادها.
ورُبَّ سائل منا يتساءل: هل ينطبق هذا المفهوم علينا في المملكة ونحن نمتلك أكبر احتياطي من النفط ورابع احتياطي من الغاز في العالم؟ نقول وبكل ثقة نعم، ونؤكد أننا أكثر حاجة من غيرنا للاستفادة من الطاقة الشمسية من أجل أن نستطيع توفير أكبر قدر ممكن من النفط للأجيال القادمة، خصوصاً أننا نستهلك محلياًّ ما يُقارب 1.2 مليون برميل في اليوم بين مشتقات النفط والغاز لتوليد الطاقة الكهربائية التي نحتاج إليها، وهي نسبة عالية جدا مقارنة باستهلاك أغلب الدول. وبلادنا ولله الحمد تتمتع بموقع ممتاز بالنسبة لسقوط الأشعة الشمسية أكثر أيام السنة. وإذا أفرطنا في التفاؤل، تمنينا أن يكون لدينا في المستقبل القريب فائض من الطاقة الكهربائية المتولدة من الطاقة الشمسية للتصدير. وسواء نضب نفطنا بعد 40 سنة أو امتد إلى 100 سنة، فالمنطق السليم والرؤية الحكيمة يحتمان علينا الاندفاع نحو تبني الاستثمار في الطاقة الشمسية لنكسب الخبرة ونكون في المقدمة، وذلك قبل أن نفقد الفوائض المالية التي نتمتع بوجودها اليوم. ومن جهة أخرى، فالغالب، والله أعلم، أن مستقبل حياتنا في هذه البلاد سيعتمد بعد الله وإلى حد كبير على مصادر الطاقة الشمسية، فلماذا لا نكسب الوقت قبل أن نفقد حماسنا.
وكان منتجو النفط إلى عهد قريب، وعلى وجه الخصوص الدول الخليجية، لا يريدون وجود مصدر جديد لتوليد الطاقة يُنافس النفط، خوفاً من أن يحل محله، وهو موقف انتهت صلاحيته. أما اليوم فقد أصبح الحديث عن الحاجة إلى تطوير واستخدام بدائل جديدة لمصادر الطاقة أمرا مألوفاً، بل حتى مرغوباً من أجل أن يُخفف من الضغط على الكميات المتبقية من النفط حتى لا يُفاجأ العالم بنقص حاد في مصادر الطاقة في وقت لا يجدون فيه ما ُيلبِّي حاجتهم المتزايدة. وقد قرأنا منذ عدة أسابيع تصريحاً لوزير البترول والثروة المعدنية الأخ علي إبراهيم النعيمي دعا فيه إلى ضرورة الاستعانة بمصادر الطاقة الشمسية في المملكة لتكون رافداً للنفط والغاز في توليد الطاقة الكهربائية، وهو موقف يُشكر عليه. وبالمناسبة فإن هذه هي أول مرة نسمع فيها من مسؤول كبير في دول الخليج يُوجِّه بتبنِّي فكرة إيجاد مصدر جديد للطاقة إلى جانب الطاقة النفطية. وإذا يسَّر الله واستطعنا بناء محطات كبيرة لتوليد الطاقة الشمسية، فسوف يُمثِّل ذلك نقلة نوعية نحو تنويع حقيقي لمصادر الدخل عندنا خارج نطاق الثروة النفطية، وهذا بطبيعة الحال من أهدافنا الاستراتيجية. وهناك أيضا إمكانية إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية على الشواطئ البحرية، بحيث في الوقت نفسه تُستخدم في تحلية مياه البحر الذي نحن في أمسِّ الحاجة إليه.
توليد الطاقة الكهربائية قي المملكة يستخدم الغاز والديزل والنفط الخام، حسب نوعية المولدات وتوافر أحد أنواع الوقود الثلاثة. ويباع برميل النفط لشركة الكهرباء بسعر أقل من خمسة دولارات أمريكية، حتى ولو كان السعر العالمي يتجاوز الـ 100 دولار للبرميل، وقس على ذلك أسعار الغاز والديزل اللذين يُباعان لشركة الكهرباء بأسعار مُتدنية وهي الأسعار المحلية. وتُشير اتجاهات الاستهلاك إلى احتمال ارتفاع الطلب على الكهرباء في المملكة خلال السنوات الـ 15 المقبلة إلى الضعف، أي من المستوى الحالي عند 30 جيجا واط إلى 60 جيجا واط، وارتفاع الطلب على الوقود بمقدار مليون و200 ألف برميل من النفط خلال الفترة نفسها.
ولو استبدلنا النفط بمصادر الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، لاستطعنا توفير كميات هائلة من النفط لأجيالنا المقبلة بدلاً من بيعها بسعر بخس وحرقها هدراً. وكما ذكرنا، فإن أسعار النفط قابلة للارتفاع خلال السنوات المقبلة إلى مستويات مرتفعة، وهو لصالح إنشاء مولدات الطاقة الشمسية. وقد أوضحت دراسة حديثة أصدرتها وكالة الفضاء الألمانية أن استخدام كيلو مترمربع من الأراضي الصحراوية لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تُوفِّر 500 ألف برميل من النفط سنوياًّ، وتنتج 165 ألف متر مكعب من المياه العذبة عن طريق تحلية مياه البحر. ومن الممكن أن تكون المملكة خلال عدة عقود من أكبر المصدرين للطاقة الكهربائية المتولدة من الطاقة الشمسية، كما نحن اليوم أكبر المصدرين للنفط. وستوجِد مرافق توليد الطاقة الشمسية وتحلية مياه البحر عشرات الآلاف من الوظائف للشباب السعودي. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا كانت السبَّاقة إلى إنشاء أول موقع لتوليد الطاقة الشمسية في المملكة منذ عدة عقود، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي سيتم ـ بإذن الله ـ افتتاحها هذا الصيف تضم مركزاً متخصصاً لدراسات وأبحاث الطاقة الشمسية، وهو ما سيفتح المجال لتطوير هذه الصناعة الجديدة نحو زيادة الكفاءة وتقليل التكلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي