"صاحب المهنة الدونية هو الموظف المرتشي مهما كان منصبه"
اخترت مقولة وزير العمل غازي القصيبي أن "صاجب المهنة الدونية هو الموظف المرتشي مهما كان منصبه" مقولة الأسبوع. وهي مقولة قوية، وعبارة شعارية تستحق أن تكون شعار كل الوظائف مهما كانت (كبيرة أم صغيرة). والقارئ لهذه العبارة – بمعزل عن فحوى الخبر التي جاءت في سياقه - يفهم منها أن الموظف الكبير مهما على شأنه تصبح وظيفته دونية متى انطوت على رشوة أو فساد. وسيفسرها الموظف الصغير أن وظيفته شريفة وعالية – مهما كانت طبيعتها – إلا إذا اختلطت برشوة أو فساد. ولكن مفهومها في سياق الخبر الذي نشرته الصحف السعودية يأتي لتشجيع الشباب السعودي على الانخراط في الوظائف التي يطلق عليها بعض السعوديين وبعض الناس في الشعوب الأخرى الوظائف الدونية. والإنسان الواعي مهما كان جنسه أو جنسيته لا يمكن أن يطلق أو يعتبر أية وظيفة دونية إذا كانت وظيفة شريفة. وقد دار حول تلك العبارة ومضمونها ضمن الخبر الذي نشرت في سياقه جدال مع بعض الأصدقاء، حيث فسرها البعض على أنها عبارة استعراضية تبحث عن الإثارة الصحافية بعيداً عن حل المشكلات الفعلية للشباب العاطل عن العمل. وقد فسرها البعض الآخر على أنها عبارة ستنجح في حث الشباب على الانخراط في الوظائف مهما كانت مثل بائعي الخضار والفواكه والأجبان وغيرها من الوظائف المماثلة. ورغم أنني من الفريق الذي أيد الجملة الأخيرة المتمثلة في حث الشباب على تقبل العمل في أية وظيفة شريفة، فإنني أرى أن على وزارة العمل أن تعمل الكثير حتى يمكن أن يقبل الشباب على تلك الوظائف. فمجرد إطلاق الشعارات لن يجدي نفعاً ما لم ينطو على مميزات مغرية يقبلها الشاب السعودي أو العامل الوطني في بلاده، وليس العامل الوافد في أي بلد كان. فالعامل الوافد حتى في أمريكا يقبل بأجر أقل من الحد الأدنى للأجور، ويعمل ساعات طويلة وفي ظروف صعبة. فهو لا يبحث عن الحقوق الوظيفية بقدر ما يبحث عن لقمة عيش ليس إلا.
إن الموظف المواطن – مهما كانت جنسيته وبلده – لا ينخرط في الوظيفة الوطنية في بلاده من أجل لقمة العيش لأنه يستطيع أن يتدبر العيش حتى لو كانت من الصدقات، لكنه يبحث عن الوظيفة التي تحفظ حقوقه وتجعله يعيش حياة كريمة مهما كان مسماها أو وضعها مادامت شريفة. ومن المعايير التي تحفظ حقوق الموظف هو وجود حد أدنى ومقبول من الأجر بحيث يكون أجراً عادلاً ومناسباً لإنتاجية الفرد. ومن المعايير الأخرى هو وجود التأمين الصحي، والتأمين الاجتماعي، و كذلك مسار وظيفي واضح. بحيث يعرف الموظف الشاب أو يستطيع أن يستقريْ كيف سيكون الحال عليه (مستقبله) بعد أربع سنوات على الأقل. بمعنى آخر ما الوضع الوظيفي المستقبلي الذي سيصل إليه بعد أربع سنوات من بدء وظيفته في حال تأديته أداء مرضياً لرؤسائه من ناحية موقعه من المسؤولية ومرتبه الوظيفي. وهذه المعايير هي التي لم تعمل عليها وزارة العمل حتى الآن على حد علمي. فلم ألحظ أن وزارة العمل تتبنى أو تحث على تبني حد أدنى للأجور، ولم ألحظ ما يشعرني بأن وزارة العمل تبذل جهوداً حتى لو كانت غير واضحة لي في ضرورة حصول الموظف السعودي مهما صغرت وظيفته على تأمين صحي أو اجتماعي. ولم ألمس أو ألحظ أن وزارة العمل بذلت جهوداً لتشجيع الشركات أو حتى القطاع الحكومي على ضرورة وجود سلم للتدرج الوظيفي أو حتى ضرورة وجود وصف وظيفي وأهداف وظيفية لكل وظيفية متى ما تحققت كان لهذا الموظف أن ينال الترقية المناسبة والأجر العادل المقابل لهذه الوظيفة.
إن هذه المعايير ووجوب وجودها وتطبيقها في سوق العمل هي في اعتقادي البنية الأساسية والتحتية المطلوب توافرها قبل الوصول إلى إطلاق تلك الشعارات والمتمثلة في عبارة الأسبوع التي اخترتها من مقولة وزير العمل غازي القصيبي "صاحب المهنة الدونية هو الموظف المرتشي مهما كان منصبه". باختصار – حتى تكون تلك العبارة مؤثرة – يجب أن نوجد البنية الأساسية الصحيحة لسوق العمل حتى تنجح تلك الشعارات، لنضع الحصان قبل العربة وليس العكس.