المستقبل كما يراه عبد العزيز الدخيل
استضاف نادي ''الاقتصادية'' الصحافي الأسبوع الماضي الدكتور عبد العزيز الدخيل المعروف بأطروحاته الاقتصادية المتميزة ونظرته الحذرة لمستقبل الاقتصاد الوطني. طرح الدكتور الدخيل لم يتغير منذ أكثر من عشرة أعوام عرفته فيها ويدور حول نقطة أساسية وهي وجوب إعادة النظر في استراتيجياتنا وأولياتنا الاقتصادية بما يمكن من إعادة تشكيل واقعنا الاقتصادي الحالي ليخدم في الدرجة الأولى مستقبل الأجيال المقبلة أو ما يمكن أن نسميه جيل ما بعد النفط.
أي أن النظرة الحذرة التي قد يرى البعض أنها متشائمة إلى حد كبير تنطلق من حرص الدكتور الدخيل وخوفه من المستقبل خصوصاً أنه قد ينطوي على تغييرات كبيرة في هيكل الاقتصاد السعودي, وقد يؤدي إلى تحييد العنصر الأساسي للدخل القومي الحالي للمملكة المتمثل بالنفط، مما يوجب العمل على تحويل موارد النفط الحالية بطريقة ما إلى بناء رأسمالي وإنتاجي حقيقي يوفر الموارد لمشاريع التنمية الاقتصادية المستقبلية. تحدث الدكتور عن تحديات اقتصادية مستقبلية - الكل يعرفها - منها التحدي المتعلق بنضوب النفط، ونمو السكان، والمياه، والزراعة، والصحة، وأخيراً الصناعة وبالتحديد واقع الصناعة النفطية والبتروكيماوية. وباستثناء العنصر الأخير الذي يرى الدكتور الدخيل أنه يعمل في بوتقة منفصلة ومعزولة عن جميع عناصر المجتمع السعودي، فإنه يرى أن جميع العناصر الخمسة الأولى ستمثل تحدياً كبيراً سيواجه الاقتصاد السعودي في المستقبل مما يطرح تساؤلاً عن الكيفية التي سنتعامل بها مع تلك التحديات.
بمعنى آخر لم يقدم عبد العزيز الدخيل في تشريحه لعناصر الاقتصاد السعودي التي تطرقنا إليها أعلاه شيئاً جديداً عدا إثارة المشاعر والخوف في قلوب متابعيه لما سينطوي عليه المستقبل المتعلق بتلك القطاعات، خصوصاً ما سيؤدي إليه تحييد النفط كمورد أساسي للدخل في المملكة، ومن ثم تحفيز أصحاب الفكر والرأي لتسخير رأيهم وفكرهم بما يخدم الفكرة الأساسية التي يدور حولها طرح الدكتور الدخيل وهي ببساطة (الخوف من المستقبل).
وللدخيل الحق في ذلك، خصوصاً إذا ما أخذنا كل الاحتمالات المتعلقة بالمستقبل في الحسبان، ولكن ما أخذته على الدكتور أنه لم يربط أي شيء مما يتم في الاقتصاد السعودي حالياً بالمستقبل. على سبيل المثال، ما يتم استثماره حالياً في كل من قطاعي التعليم والصحة في المملكة ما هو إلا استشراف ومراهنة للقيادة السعودية ولصانع القرار الاقتصادي على أهمية العنصر البشري في تنمية الحاضر والمستقبل. وهذا يتفق بالكامل مع رؤية الدخيل التي أشار إليها بأهمية التركيز على العنصر البشري كوسيلة أولى لتحييد مخاطر المستقبل بالنسبة للمملكة. لكن ما كان بودي أن يطرح هو ملاءمة المشروع التعليمي والصحي الحالي لتطلعات القيادة السياسية أن يكون العنصر البشري السعودي هو المرتكز للتنمية الاقتصادية المستقبلية. في رأيي أن أبرز ما طرح في تلك الأمسية هو تحليل الدكتور عبد العزيز الدخيل لحسابات الدخل القومي وأن طريقة حسابها لا تعكس الواقع الاقتصادي الحقيقي للمملكة من حيث إن النفط يمثل نسبة كبيرة من هذا الناتج سواءً بطريقة مباشرة من خلال الإسهام في تمويل ميزانية الحكومة السعودية أو بطريقة غير مباشرة من خلال إسهام مضاعف الإنفاق الحكومي أو القطاعات الاقتصادية الأخرى المعتمدة على النفط في الناتج المحلي الإجمالي الحكومي.وما يطرحه الدكتور في هذا المجال أمر يستحق التأمل، حيث يرى أن الناتج الحقيقي الواجب تضمينه في حساب الناتج المحلي الإجمالي هو ما يمثل إنتاجاً حقيقياً فقط وهو ما لا ينطبق على الصناعة النفطية الاستخراجية التي تمثل استهلاكاً (حسب رأي الدكتور) وليس إنتاجا لمنتج معين وبالتالي يجب عدم تضمينها في حساب الناتج المحلي الإجمالي. وبناءً على هذا الرأي فسيؤدي استبعاد النفط من حساب الناتج القومي أو أي تأثير غير مباشر له إلى تخفيض الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير جداً.
وأعتقد أن الدكتور الدخيل جانبه الصواب في هذه النقطة، إذ إن النفط يدخل في حساب الناتج القومي الإجمالي على أنه صناعة استخراجية وليس صناعة إنتاجية، وهذه الصناعة الاستخراجية توظف كثيرا من الموارد المادية والبشرية ومن ثم تمثل قيمة اقتصادية مضافة مما يستوجب احتسابها ضمن الناتج المحلي. وإذا كان منطق الدكتور من حيث شمولية الناتج المحلي الإجمالي للإنتاج الحقيقي فقط، فمعنى ذلك أننا يجب ألا نحتسب قطاع الخدمات ككل في احتساب الناتج المحلي الإجمالي.
لكن ما قد أتفق مع الدكتور فيه أننا يجب أن نتوصل إلى طريقة أخرى لحساب الناتج – إضافة إلى الطريقة الحالية – بهدف عزل أثر الريع الناتج عن طبيعة الندرة التي يتصف بها النفط ومن ثم يمكن أن نعكس بشكل أفضل الأداء الحقيقي للاقتصاد. مثال ذلك، استخدام قاعدة ضريبية Tax Base افتراضية (بحكم أن الضريبة تمثل العائد الرئيس للدول غير النفطية) ومقارنتها بعوائد النفط، على افتراض أن البديل لعوائد النفط هو ضريبة الدخل. وبذلك يمكن أن نقيس أداء الاقتصاد بناء على توسع القاعدة الضريبية الافتراضية التي تعكس زيادة الثروة في الدولة.