شرعية سوق الصكوك والسندات السعودية وجاذبيتها
تثار مجموعة من التساؤلات حول ما السندات؟ وما الصكوك؟ وما الفرق بينهما؟ ولماذا يطرح تداولهما في السوق المالية السعودية؟ وماذا عن ضوابطهما وأحكامهما الشرعية؟
أوضحت ردود الفعل استمرار الغموض ليس حول طبيعة السندات والصكوك كأوراق مالية متداولة فحسب، وإنما حول تباين الضوابط والأحكام الشرعية بين امتلاك الصكوك وتداولها، من جهة، وامتلاك السندات وتداولها، من جهة أخرى. ولما يحمله هذا الغموض في الفرق بين السندات والصكوك من أهمية في زيادة الوعي بين الوسط الاستثماري والمستثمرين، فإنه من الأهمية بمكان مراجعة الفرق بهدف تزويد القارئ الكريم بإضافة متواضعة قد تعمل كأداة مساعدة عند اتخاذ قرار استثماري في الصكوك والسندات من عدمه.
يعرف السند على أنه وثيقة اعتراف بدين، بينما يعرف الصك على أنه وثيقة ملكية في أصل ثابت أو منفعة. يتضح من هذين التعريفين أوجه التشابه والتباين بين السند والصك. حيث يتشابه السند والصك في ثلاثة أوجه، ويتباين السند والصك في ثلاثة أوجه أخرى.
وجه التشابه الأول بين السند والصك أنهما أوراق مالية متداولة، غرضهما الأساس هو التمويل المالي. ووجه التشابه الثاني أنهما أدوات تحكم في السياسة النقدية، كالتحكم في حجم السيولة النقدية. ووجه التشابه الثالث أنهما أوراق مالية ذات استقرار كبير، ومخاطر متدنية، مقارنة بالأوراق المالية الأخرى كالأسهم.
وعلى الرغم من التشابه بين السند والصك إلا أن هناك ثلاثة أوجه تباين بينهما. وجه التباين الأول أن السند يمثل قرضاً في ذمة مصدِرِه، بينما الصك يمثل حصة شائعة في العين، أو العقد موضوع الصك. ووجه التباين الثاني أن العائد على السند يعد التزاما ثابتا في ذمة مصدر السند بالوفاء به في موعد استحقاقه مع زيادة في القرض. بينما العائد على الصك لا يمثل التزاماً في ذمة المصدر، وإنما فرصة استثمارية ذات ربحِ أو خسارة. ووجه التباين الثالث أن السند ورقة مالية غير متوافقة مع الأحكام والضوابط الشرعية، بينما الصك ورقة مالية متوافقة مع الأحكام والضوابط الشرعية.
تقودنا هذه المقارنة بين السندات، والصكوك، إلى سؤال مهم مفاده السبب في إنشاء سوق سعودية لتداول السندات والصكوك؟ والإجابة المختصرة لهذا السؤال هو أن الاقتصاد السعودي يحتاج إلى أدوات تمويل جديدة ذات قدرة تمويلية طويلة الأجل تستطيع تلبية الطلب المتزايد على التمويل المالي اللازم لتنفيذ مجموعة من المشاريع المقترحة، سواء كانت تحت مظلة القطاع العام أو الخاص.
وأن الحد الائتماني المتاح في الوقت الراهن من مقبل مؤسسات التمويل المالي ربما لا يستطيع دعم هذه المشاريع بأدوات تمويل طويلة الأمد، عطفا على طاقته الاستيعابية المعدة لتمويل المشاريع قصيرة ومتوسطة الأجل. وبالتالي كان الاختيار على أوراق السندات والصكوك المالية، كأدوات متوقع منها أن تسد هذه الفجوة في التمويلة المالية الطويلة الأجل.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الأمر لم ينته بعد إلى هذا الحد. فهناك مجموعة من التحديات ما زالت قائمة من الأهمية بمكان معالجتها بما يضمن ـ بعون الله تعالى ـ تذليلها وتمهيد الطريق نحو نجاح فكرة التمويل المالي طويل الأجل.
أنهت سوق الصكوك والسندات الآلية السعودية نشاطها في أسبوعها الثاني بعدد قليل من الصفقات، وببداية متواضعة لسوق مالية ينتظر منها بلوغ مجموعة من الآفاق. بداية متواضعة تجعل من البحث في تحدياتها أمرا من الأهمية بمكان بحثه بما يسهم في دعم السوق نحو أداء دوره المنوط به.
ومن أهم هذه التحديات الضوابط و الأحكام الشرعية للسندات والصكوك، والتي ستؤثر سلبا في جاذبيتهما، كقناة استثمارية قليلة المخاطر على المدى البعيد، إذا لم يتم معالجتها. ينتظر هذا التحدي ليس توضيح تباين الضوابط والأحكام الشرعية بين امتلاك الصكوك وتداولها، من جهة، وامتلاك السندات وتداولها، من جهة أخرى، فحسب, وإنما في تنقية السوق المالية من جميع الشوائب المرتبطة بالأحكام والضوابط الشرعية. مهمة ليست باليسيرة تقع على عاتق طلاب العلم الشرعي المالي في توضيح التباين، والعمل على تطوير آليات بديلة متوافقة مع الضوابط والأحكام الشرعية يتم استعمالها متى ما أقتضى أمر تطوير السندات والصكوك.