الآن بدأت الأزمة المالية لدى القطاع الخاص

تعليقي اليوم هو على ما كتبه سعادة الدكتور عبد العزيز الدخيل في هذه الجريدة الغراء بداية الأسبوع الماضي، وأرجو أن يعتبرها الدكتور مناوشة تلميذ مشاغب لا أكثر ولا أقل. فحسب ما ذكر هو هذا ليس أول مقال ولكن هناك مقالات سابقة تتحدث عن الموضوع نفسه وذكر تواريخها! وصَدر مقالة بجمل أنقلها لأهميتها كما هي "خطورة قيام البنوك بالحد من القروض والتسهيلات الائتمانية المقدمة للشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وللأفراد في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، واقترحت في المقالات الثلاثة ضرورة تدخل وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" للحد من هذا الانكماش الائتماني البنكي الذي ... إلى انكماش اقتصادي" ثم أكمل وقال إن الخطة التي يقترحها حسب النقل الحرفي لما ورد تكمن في أن "محورها الأساسي هو قيام وزارة المالية مع مؤسسة النقد بالتدخل للمساعدة إيجابياً في حل العقدة المالية الناشئة بين البنوك السعودية وشركات سعودية بسبب عجز هذه الشركات عن سداد الفوائد على القروض أو سداد القروض. وتعود المشكلة المالية للشركات أساساً إلى انخفاض إيرادات هذه الشركات أو الانخفاض الحاد في قيمة أصولها أو مخزونها من السلع بسبب صاعقة كهربائية جاءت من وسط السحاب القادم من بلاد بعيدة أو ما يسمى بالأزمة المالية العالمية".
ثم استدرك الدكتور وقال أيضا بالحرف الواحد "لابد من الإشارة هنا إلى أننا لا نُحمل الأزمة المالية العالمية كل الأسباب ونعفي المالكين لهذه الشركات أو المصانع أو القائمين على إدارتها المالية من بعض الأخطاء سواءً... أو الاستفادة من هذه القروض والتسهيلات في عمليات استثمارية مخاطرها كبيرة، هذا قد يكون جزءا من الواقع،...".
بعد ذلك حاول الدكتور عبد العزيز الدخيل ذكر تجارب دول أخرى أشد محافظة منا في التدخل في اقتصاديات السوق، وكيف تعاملت مع الأزمة وذكر نقلاً حرفياً عن مقاله ما يلي: "لقد رأينا دولاً لها الريادة في مجال اقتصاديات السوق وفي نهج سياسة محافظة تقضي بالحد من تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي تقف بشكل مباشر في وجه الأزمة المالية وتداعياتها على الشركات والمؤسسات المالية...".
وقال إن تركها يعني موتها كما قال بالحرف والكلمة "إن ترك الشركات والمصانع الوطنية تحتضر وتموت على يد البنوك التي منعت عن الشركات المتعثرة مالياً الماء والهواء بتجميد أرصدتها،... ."
والمشكلة أن ما يقترحه ليس لأنه كما قال "... ليس جديداً في مسرح العلاقات المالية بين الدولة والقطاع الخاص في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، فدعم الشركات والمؤسسات المهمة وحمايتها من الإفلاس، قامت وتقوم بها الدول الرائدة في اقتصاد السوق لمواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية"، وأكد أن الأزمة هي "أزمة مالية عالمية أتت من خارج الحدود وخارج إرادتها وقدرتها".
وبالتالي يرى أن "الأمر يتطلب تدخلاً مباشراً وفاعلاً من قبل وزارة المالية ومؤسسة النقد للحد من عمليات الإفلاس التي بدأت تطل برأسها وتزداد يوماً بعد يوم والتي إن تداعت وتكاثرت ستؤثر في الاقتصاد الوطني بشكل سلبي يضيع الجهود التي قامت بها الدولة على مر السنين الماضية لبناء شركات ومصانع منتجة تدعم الاقتصاد الوطني وتبني قطاعاً أهلياً هو العمود الفقري في عملية إنتاج السلع والخدمات وخلق فرص عمل منتجة للمواطنين... ."
انتهينا من كلام الدكتور العزيز، وقد أكون أسهبت في نقل ما قال لكن الموضوع يتطلب ذلك، وقد قال كلاماً يحتاج إلى تمعن وتفحص، فهو يعكس مدرسة معينة لدينا في المملكة كان لها نفوذ واضح في السابق ويعكس أيضا تفكيرا سائدا، هو نتيجة طبيعية لعقود من خطط التنمية التي كانت تقودها الدولة بفكر معين، نأمل أن يتغير إلى الأفضل. لكن لا يزال هذا التفكير لدى شريحة مهمة مثل الدكتور عبد العزيز الدخيل ـ حفظه الله ـ. فكر الأم ورضيعها الذي لا يريد أن يفطم، رغم أنه بلوغ من العمر عتيا!!!
وعلينا بداية أن نقول إن للقطاع الخاص في المملكة نفوذا "ولوبي" قويا لا يمكن الاستهانة به في حماية مصالحه، وقد يكونون هم و"فئة أخرى" أكثر نفوذا على مستوى المملكة في حماية مصالحهم والدفاع عنهم! وحان الوقت للالتفات إلى مصالح الأطراف الأخرى في المعادلة المجتمعة في المملكة!
وللتعليق على كلام الدكتور عبد العزيز أورد عددا من النقاط كما يلي:
أولا: وزارة المالية معنية بالسياسة المالية بينما مؤسسة النقد معنية بالسياسة النقدية وهي نقطة وإن كانت بديهية لكن يلاحظ الخلط الواضح من كثير من الكتابات حول أدوار الجهازين. هناك بالتأكيد تكاملية وهناك تنسيق ولكن علينا معرفة الأدوار المنوطة بكل واحد منهما.
ثانيا: التمويل لا يمكن أن ينقذ شركات ويكفي تذكير الدكتور عبد العزيز الدخيل بتجربة جنرال موتورز، وكم مليارا ضخت في محاولة إنقاذها، ولكن في النهاية تم إعلان الإفلاس!
ثالثا: سرد الدكتور بعض النقاط على أنها حقائق وهي ليست كذلك منها: أن البنوك تحد من التمويل للقطاع الخاص والأفراد، بسبب تداعيات الأزمة، والصحيح أن عملية لجم التوسع الائتماني بدأت لدينا منذ عام 2005م، ولو لم يتم ذلك في تلك السنة لكان اقتصاد المملكة في خبر كان بسبب الأزمة اليوم! وهي دور السياسة النقدية التي تتعامل مع حقائق مؤصلة، لا وجهات نظر. وأن القطاع الخاص هو العمود الفقري في خلق فرص العمل، وهنا أتمني أن أكون مخطئا وكلامك هو الصحيح! ولكن الواقع معروف للجميع.
رابعا: المطالبة بتدخل وزارة المالية ومؤسسة النقد الإيجابي لحل مشكلة التمويل للشركات، والاستشهاد بتجارب دول متقدمة أكثر تحفظا في التدخل، أقول إن تلك المطالبة وهذا الاستشهاد يعتريهما تضليل كبير للواقع المحلي. كيف؟ قلت في مقال الأسبوع الماضي إنني أٌكبر وأٌجل التدخل الغربي لمساعدة القطاع الخاص لديهم لأنه هو المحرك الرئيس للاقتصاد وهو الموظف الأول للمواطنين لديهم، وهو القائد الأول في تنفيذ المسؤولية الاجتماعية. لذا وصلت معدلات المسؤولية الاجتماعية وحسب احصائيات البنك الدولي في بعض الدول المتقدمة إلى ما يزيد على 38 في المائة من الناتج المحلي، فيما قطاعناً الخاص يهاجم السعودة، ويتحايل على الزكاة، وهي فرض عين لا فرض كفاية! هناك شركات صافي أرباحها السنوية يفوق ملياري ريال سنويا ولا تزال سجلاتها التجارية بـ 500 ألف ريال فقط، وبالتالي عندما تتدخل دولة محافظة جدا مثل ألمانيا لمساعدة قطاعها الخاص فهي تعي ماذا يعني لها وللمواطن وللوطن ككل هذا القطاع الخاص. وأنت يا دكتور تعلم أن القطاع الخاص لا يزال طفيليا، إلا في بعض التجارب المميزة والتي تعد على أصابع اليد الواحدة دون ذكر أسماء فهم يعرفون أنفسهم والدولة تقدر لهم هذا الدور بحسب علمي. لكن هل سألت يا دكتور نفسك لماذا فعلت الدول الغربية ما فعلت؟ ولم نفعل مثلهم!
خامسا: تحدث الدكتور عن أن أسباب ما يواجه القطاع الخاص أو بعض القطاعات في القطاع الخاص وهل هو بسبب عوامل خارجية خارجة عن إرادة تلك الشركات وبالتالي علينا مساعدتهم؟ أقول يا دكتور هذا استنتاج غير صحيح ولا يمت للواقع بصلة. فالحالات التي نعانيها اليوم في المملكة من إمكانية الإفلاس أو التي أفلست أو ستفلس هي حالات لا يتعلق إفلاسها بسبب مشكلات اقتصادية أو تراجع الإيرادات من النشاط الرئيس، وإنما بسبب تهور استثماري من قبل ملاك تلك الشركات، وفي الغالب وحسب معلومات موثقة، الطلب على السلع والخدمات في المملكة لم يتأثر، بل إن بيانات آذار (مارس) أظهرت زيادة في معدلات التضخم لدينا. زد على ذلك أن العقلية الإدارية التي تعودت على التعامل مع نظرية العرض والطلب بشكل استفزازي، ويمكن هنا الاستشهاد بتجربة شركات الأسمنت وقطاع السيارات، وهو عناد بعيد كل البعد عن عقلية القطاع الخاص الذي عليه أن يتجاوب مع المعطيات بشكل يخلق الولاء وليس الاستعداء، ويكفي للاستشهاد على ذلك الردود التي جاءت على مقالك من قبل المتابعين والتي تدل على المقام قبل المقال. وأخيراً علينا إدراك أن المستويات الإدارية في القطاع الخاص في مجمله لا تزال دون المستويات المهنية المأمولة مع استثناء بعض القطاعات.
في الجعبة الشيء الكثير، لكن علينا أن ندرك أنه من الصعب التعاطف مع القطاع الخاص مهما حدث له، وهو يدار بتلك العقلية وبهذه الطريقة من التفكير. نتعاطف مع القطاع الخاص حين يقدم ما عليه تماما بالطريقة ذاتها التي يبحث فيها عن مصالحه المشروعة. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي