لا تغيير لسياسية ربط العملات الخليجية بالدولار .. ونمو السيولة ينخفض إلى 9.5%

لا تغيير لسياسية ربط العملات الخليجية بالدولار .. ونمو السيولة ينخفض إلى 9.5%

أظهرت توقعات صندوق النقد الدولي أن معدلات نمو السيولة في دول مجلس التعاون الخليجي ستتأثر بصورة كبيرة من جراء الأزمة العالمية الراهنة. فقد بلغت معدلات نمو السيولة 22 في المائة عام 2006 و26.8 في المائة عام 2007 و20.1 في المائة عام 2008، لكنها ستنخفض إلى 9.5 في المائة عام 2009. بينما تنخفض معدلات التضخم من 10.7 في المائة عام 2008 إلى 5.3 في المائة عام 2009.
وقالت تقارير مصرفية إن تقلص السيولة في دول المجلس سينعكس على أداء البنوك الوطنية عبر أربع قنوات رئيسية. القناة الأولى هو تقلص أرباح البنوك نتيجة تقلص فرص الأعمال، كما سيتزامن مع انخفاض إيرادات الفوائد خسائر في الاستثمارات وتراجع إيرادات الرسوم. وقد تضطر بعض البنوك للاندماج أو زيادة رأس المال، كما قد تضطر لتقليص حجم الائتمان المقدم للمحافظة على نسب جيدة لكفاية رأس المال. والقناة الثانية، ومن أجل أن تعزز البنوك قواعدها الرأسمالية ستلجأ إما إلى رسملة الأرباح وتخفيض التوزيعات النقدية أو إصدار أسهم جديدة للمساهمين الحاليين أو البحث عن شركاء استراتجيين جدد مثل الشركات أو الصناديق الحكومية. وثالث تلك القنوات، ستتأثر تركيبة موجودات البنوك، حيث من المتوقع أن تتجه البنوك بصورة أكبر نحو موجودات أكثر أمنا مثل الودائع مع البنوك المركزية، والقروض الشخصية المرهونة برواتب موظفي الحكومة والتسهيلات للحكومات ومؤسسات القطاع العام. في حين ستتراجع التسهيلات للقطاع الخاص. والقناة الأخيرة، سنشهد رغبة أقل من البنوك في التسهيلات المضمونة بموجودات وخاصة القروض العقارية وقروض الهامش للاستثمار في الأوراق المالية.
ويقول الصندوق في مراجعته الأخيرة للأوضاع الاقتصادية الخليجية إن السياسة النقدية في دول مجلس التعاون الخليجي ستظل مقيدة بسعر صرف ثابت مع الدولار، وهذا يدفع بأسعار الفائدة المحلية بتعقب نسب الفائدة المطبقة في الولايات المتحدة، بينما تنحصر عمليات المصارف المركزية بشكل كبير في تحسين وضع السيولة من خلال إصدار شهادات الودائع أو الأدوات الأخرى.
ولا يبدو في الأفق توجه بارز لدول مجلس التعاون لتغيير سياسات الارتباط بالدولار باستثناء الكويت التي تحولت إلى ربط عملتها بسلة من العملات (دون الكشف عن أوزان هذه العملات)، إلا أن ذلك لا ينفي الحاجة لممارسة سياسات نقدية أكثر مرونة فيما يخص تقييم العملات المحلية مقابل الدولار، خاصة أن الركود الاقتصادي الأمريكي سيستمر - وفقا للعديد من التوقعات - حتى عام 2010.
وحول تأثيرات الأزمة المالية في ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، يقول الصندوق إن الأزمة المالية خفضت احتمال فك الارتباط بينهما إلى الصفر، حيث إن القيام بهذه الخطوة وسط التقلبات الحادة في الأسواق المالية العالمية، والركود الاقتصادي، وطبيعة السياسات الاقتصادية والنقدية المتعامل فيها مع هذه الأوضاع سيؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار العملات الخليجية في وقت تحتاج فيه دول المنطقة إلى استقرار عملاتها. كما أن الضغوط التضخمية التي كانت تشجع على فك الارتباط آخذة بالتراجع، خاصة مع الارتفاع النسبي والمتزايد في قيمة الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية.
إلا أن العامل الإيجابي في التطورات الراهنة هو ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي الذي ترتبط معظم العملات الخليجية به أخيرا إلى أعلى مستوياته هذا العام مقابل اليورو والعملات الرئيسية بعد انخفاض سعر النفط من جهة وتأثر الاقتصاديات الأوروبية بالأزمة المالية العالمية من جهة أخرى.
وفيما يخص تأثير الأزمة العالمية في السيولة المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي، قال صندوق النقد الدولي إن معدلات نموها سوف تتقلص من 20.1 في المائة عام 2008 إلى 9.5 في المائة عام 2009. وتعزو تقارير مصرفية هذا التقلص إلى عدة عوامل. العامل الأول هو كون مصدر ذلك التوسع هو الإنفاق الحكومي الذي على الأغلب إما أن يستقر عند مستويات عام 2008 أو يتراجع مما يحد من توسع السيولة المحلية عام 2009. والعامل الثاني هو توقع تراجع حجم التدفقات الاستثمارية الخارجية إلى دول المجلس، مما يعني أيضا تقلص حجم السيولة المحلية. والعامل الثالث هو تراجع الطلب على الائتمان بسبب تراجع حجم المشاريع الاقتصادية أو إلغاء بعضها. والعامل الرابع هو قيام البنوك الخليجية على الأغلب باتباع سياسات متحفظة تجاه منح الائتمان للاحتفاظ بقدر أكبر من السيولة وللمحافظة على جودة الموجودات. وسيكون القطاع العقاري والمشاريع العقارية التطويرية المتأثر الأكبر من هذه السياسة.
ويقول الصندوق إن دول المجلس مع تصاعد احتمال تقلص السيولة مدعوة للتعامل مع الموضوع من خلال ثلاث أدوات رئيسية هي خفض أسعار الفائدة، خاصة أن التوقعات تشير إلى قيام الاحتياطي الفيدرالي بإجراء خفض آخر بنحو 0.5 في المائة في سعر الفائدة خلال الأشهر المقبلة. والأداة الثانية هي تخفيض الاحتياطيات القانونية للبنوك لدى البنوك المركزية، حيث قامت السعودية بهذه الخطوة من خلال تخفيض الاحتياطيات القانونية للودائع الجارية من 13 في المائة إلى 10 في المائة. والأداة الثالثة هي إصدار تصريحات إعلامية (وليس توجيهات ملزمة) من شأنها المساعدة على توجيه الائتمان نحو القطاعات الاقتصادية ذات الألوية.
وفيما يخص معدلات التضخم، يقول الصندوق إن معظم شهور عام 2008 اتسمت بتصاعد الضغوط التضخمية، حيث كانت تمثل التحدي الأكبر لبرامج التنمية في دول المجلس، وهو ما دفع دول المجلس للتعامل بشكل أكثر صرامة مع هذا الموضوع مع الميل للإعلان عن الأرقام الحقيقية للتضخم. وطبقا لتصريحات رسمية، فإن متوسط تضخم أسعار المواد استهلاكية في دول مجلس التعاون الخليجي وصل إلى أعلى رقم له منذ 15 عاما، حيث يقدر بنسبة 10 في المائة خلال النصف الأول من عام 2008 مقارنة بـ 6.7 في المائة عام 2007 و5.3 في المائة عام 2006. ومال مؤشر التضخم في أكثر دول مجلس التعاون الخليجي إلى أعلى، وكان أكثر وضوحا في قطر 15 في المائة والإمارات 12 في المائة، حيث إن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية قد تجاوز 10 في المائة.
وقد نجمت ضغوط الأسعار هذه أساسا عن اختناقات في جانب العرض وبالمقابل زيادة مطردة في عدد السكان، ولهذا فإنه يمكن النظر إلى ضغوط الأسعار هذه - من هذه الزاوية - على أنها تعبير طبيعي عن التنمية الاقتصادية السريعة. كما أن توسع الإنفاق الحكومي بشكل كبير دفع إلى زيادة السيولة المحلية وأسهم بالتالي في مشكلة التضخم. كذلك التوسع في الائتمان المصرفي للقطاع الخاص الذي ذكرنا بأنه ارتفع بأكثر من 35 في المائة خلال العام 2008.
إضافة إلى ذلك فقد تسبب ارتباط عملات دول المجلس بالدولار الأمريكي وضعف قيمته في خفض قيمة تحويلات العمالة الأجانب التي يرسلونها إلى موطنهم عندما يتم تحويلها إلى عملاتهم الوطنية، وهذا شجع العمال الأجانب على طلب زيادات أعلى للأجور، وهو أدى بدوره إلى تعزيز التوقّعات التضخمية، إضافة إلى زيادة الطلب الكلي الاسمي. كما أن ضعف الدولار رفع من تكلفة الاستيراد.
وبعد نشوب الأزمة الراهنة وتراخي الطلب العالمي على السلع والمواد الغذائية، كذلك ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، والقضاء التدريجي على الاختناقات في جانب العرض (السكن والخدمات)، وتناقص السيولة المحلية، أبرز صندوق النقد الدولي تقديرات جديدة بتراجع معدلات التضخم من 10.7 في المائة عام 2008 إلى 5.3 في المائة في دول المجلس خلال عام 2009، مع توقعه بتراجعها إلى 4.8 في المائة عام 2010.

الأكثر قراءة