من يحاسب المحكّمين؟
مما لا شك فيه أن الوعي الاستثماري والمالي على وجه العموم أصبح أكثر من ذي قبل غير أنه لم يرق إلى المستوى الذي يتوازى فيه مع حجم سوق المال المحلي خصوصاً وذلك بفضل عدد من العوامل من أهمها الاهتمام بالشأن الاقتصادي لكثرة الذين انخرطوا في الاستثمار في سوق الأسهم بالذات. وفي هذه البيئة التي انفتحت أبوابها بشكل متسارع أفضت إلى احتياج المجتمع إلى آراء المحكمين والمحللين الماليين والاقتصاديين عموماً وخصوصاً تلك الجهات التي يتوخى فيها الحيادية.
إن صناعة الإرشاد والنصح المالي تعد في الدول المتقدمة صناعة ناضجة وكبيرة، حيث تأتي الولايات المتحدة في المركز الأول فيها إذ يوجد ما يوازي عشرة آلاف شركة في هذا المجال تدر ما يقارب 15 مليار دولار أمريكي. وفي أسواقنا المحلية والإقليمية افتتحت بعض من الشركات الغربية اللامعة في هدا المجال أعمالاً لها إضافة إلى ما بدئ به بجهود محلية أيضاً. لقد أسهمت بلا شك هذه المنظومة من الشركات والمؤسسات الاستشارية والشركات الاستثمارية وغيرها في رفع الثقافة الاستثمارية غير أن تسارع النمو في تلك الأسواق أسهم في عدم استطاعة اللحاق بالركب بشكل مناسب خصوصاً من الناحية التشريعية مما تسبب في بعض الأحيان في قصور في الرؤية العادلة لتوجه الأسواق. إضافة إلى ذلك ومع بريق النمو في الأسواق خصوصا ً صار الكثير مرجعاً استشارياً مالياً دون تأهيل حتى غدت المنتديات والقنوات والصحافة وأكثر قنوات الاتصال في المجتمع موقعاً لتبني وجهات النظر المختلفة واختلط الصالح بغيره مما تسبب في فقدان المصداقية أصلاً في كثير من الرؤى والتنظير والاستشارات المقدمة. إنه ومع هذا الاهتمام المتزايد انبرى عدد من المنابر سواءً كان المصدر مؤسساتياً أو فردياً نحو تقديم رؤى في بعض الأحيان قد تصل إلى عدم المنطقية والتصديق خصوصاً من الناحية النظرية للعلوم المالية غير أنه كان يلقى رواجاً نظراً للفراغ الكبير وتدني مستوى الثقافة الاقتصادية.
إن القضية هنا تتمحور حول المسؤولية وفق تنظيم لمصادر هذه الآراء، حيث تتدنى في محيط اقتصادنا بالذات التشريعات والتطبيق لها ومن ثم المحاسبة لهذه الصناعة التي كانت واحداً من أسباب خسارة الكثيرين لمدخراتهم في ظل تدني الثقافة الاستثمارية والاقتصادية والتي إلى عهد قريب يُصنع قرارها الاستثماري بناءً على مبدأ التغريد مع السرب دون تمييز لأسباب الشراء أو البيع خاصة في أسواق الأسهم. إن من أبجديات الحرص على إعطاء رأي معين عن سهم ما نابع من الخوف مما يسمى في العلوم المالية مبدأ "تضارب المصالح" والذي في معناه أن يكون هناك أهداف غير معلنة جراء إعطاء نصيحة أو استشارة أو رأي محدد لغرض تحقيق مكاسب شخصية. ولذا يحرص المشرَع في الأسواق المتقدمة على أن يكون هناك إفصاح عن العلاقة إن وجدت بين ناشر ذلك الرأي والشركة أو السهم موضع البحث. ولذا فمن الصعوبة في غالب الأحيان اكتشاف تلك العلاقة إذا كانت الأهداف خفية والذي على أي حال مهما يكن ستنال الأسواق المالية سواءً المتقدمة أو النامية جزءاً من نتائج هذه التجاوزات لكنها على الأسواق النامية أخطر وخصوصاً في سوق كالسوق السعودية، حيث تعد البنية التنظيمية والتشريعية للمؤسسات المرتبطة بالأسواق في طور النمو وعدم اكتمال أسسها ومكوناتها ولكيلا ننتهي بتجربة أسواق مالية تفشل في أداء مهامها الاقتصادية.