الوحدات النسائية في بلديات الرياض "أكثر من عصفور بحجر"
قصص يشيب لها الرأس لمخالفات كشفتها الوحدات النسائية ببلديات الرياض ذكرتني بمقالة سابقة كتبتها بعنوان "الصحة بعيدا عن وزارة الصحة"، لأنها أكدت لي بما لا يدع مجالا للشك أن أكثر الأمراض الخطيرة التي تصيب الإنسان ما هي إلا نتيجة الجهل بما يُقدم له من خدمات ومنتجات لا تتوافق مع أبسط القواعد الصحية، وهو ما يكلف الدولة المليارات لمعالجتها دون جدوى مما يثقل كاهل وزارة الصحة التي باتت تعاني ضغطا كبيرا مهما توسعت وطورت خدماتها، وهو ما دعاني للمطالبة في تلك المقالة بتوجيه الجهود بشكل مكثف للوقاية من الأمراض ومسبباتها للحد من الإصابة فيها على قاعدة "درهم وقاية خير من قنطار علاج".
لا أريد الخوض في هذه القصص والمخالفات بقدر ما أريد أن أوضح أسباب المخالفات التي تمارس في الأنشطة النسائية المقصورة على النساء والتي تتمثل في غياب التوجيه والرصد والضبط من قبل فرق نسائية مؤهلة لهذا النوع من العمل, حيث تستطيع كشف المستور مما لا يستطيع الرجال الوصول إليه بحكم الشرع، التي تتمثل أيضا في رغبة الجشعين من الناس تحقيق أرباح سريعة, وإن كانت على حساب الإنسان الساذج أو المغفل الذي يستخدم الخدمات والمنتجات غير الصحية واللا أخلاقية عن حسن نية أو تحت ضغوط كثيرة ومتعددة تجعل البعض "يتعلق بقشة" لينجو من الغرق.
نعم التعلق بقشة حيث تلجأ بعض النساء إلى خدمات السحر والشعوذة تحت ضغط انصراف الزوج عنها لسبب أو لآخر, أو للكيد لأخرى جذبت انتباه زوجها أو والدها وتدفع مبالغ طائلة لما يضرها ويضر أسرتها في المحصلة، والبعض الآخر يشترين أدوية لعلاج أمراض مزمنة كالسكري والضغط والعقم وغير ذلك وبأسعار عالية جدا, والنتيجة مضاعفات يعجز الطب أن يعالجها، البعض يجرين وراء فرصة عمل وإذا بها عملية استدراج لدرب الرذيلة تحت وطأة الحاجة والفقر والنتيجة انحراف أخلاقي وضياع ومآس لا حصر لها، البعض يبحثن عن جمال فُقد بحكم الدهر أو مرض مزمن فيشترين مواد تجميل تصنف صحيا كسموم، أو يجرين عمليات تجميل تحتاج إلى مختصين وتعقيم صحي وشروط حازمة تقدم لهن في بيئة قذرة وبمعدات تخالف أبسط القواعد الصحية, والنتيجة ضحايا وأنات.
إذن الوحدات النسائية التي أنشأتها أمانة منطقة الرياض لتشمل تدريجيا البلديات كافة أصابت عصفورا سمينا فرحنا لصيده, ونسأل الله أن يكون صيده سببا في حماية نسائنا وبناتنا من شرور الأنفس الرديئة ومخالفاتها الجسيمة والإجرامية، وما هو مفرح أيضا أن الوحدات النسائية صادت أكثر من عصفور سمين آخر أيضا، ما يعني أن أمانة منطقة الرياض أصابت أكثر من عصفور بحجر الوحدات النسائية، فما هذه العصافير؟
العصفور السمين الثاني يتمثل في القضاء أو لنقل الحد من أضرار ومآسي الوكيل حيث عززت هذه الوحدات النسائية استقلالية المرأة في إنجاز معاملاتها الشخصية والتجارية بعيدا عن مزاحمة الرجال كما هو الوضع في السابق، ودون الحاجة لمخلص يقول لها غير الحقيقة ليبتزها ماليا أو جسديا، ودون الحاجة لتوكيل أيا كان، وكلنا يعلم قصص الوكلاء الذين سرقوا الأفكار والأموال والموارد البشرية من النساء اللواتي ابتدعن الفكرة وطورنها واستقطبن الموارد البشرية لإنجاحها وإذا بالوكيل يسرق كل ذلك بما في ذلك الموظفين لينفرد بنشاط منافس.
الوحدات النسائية المتخصصة بتقديم الخدمات للنساء في أجواء مريحة تحترم إنسانية المرأة, جعلت المرأة لا تقف في الشمس تنتظر أن يسمح لها بالدخول على مسؤول أو تطرد عند الأبواب ما حفظ لها كرامتها ومكانتها حيث تراجع وحدة نسائية مهيأة لاستقبالها وإنجاز معاملاتها مع توعيتها بكل خطوة وإجراء وتداعيات محتملة، هذا الوضع الجديد إضافة لحمايته للمرأة من شرور من لا يخافون الله لاشك أنه سيحفز أكثر من 100 مليار ريال ودائع نسائية مجمدة في البنوك لتعمل في السوق وتولد المزيد من الفرص الاستثمارية والفرص الوظيفية للنساء اللواتي يعانين ندرة الوظائف حيث تصل نسبة البطالة إلى أكثر من 30 في المائة بين صفوفهن ما يعني تبديد ثروة كبيرة صرفتها الدولة على تعليمهن وتأهيلهن عبر أكثر من 16 عاما دراسيا من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية.
وهذا يقودنا لعصفور سمين ثالث يتم صيده تدريجيا حيث توسيع الفرص الوظيفية النسائية، فحسب علمي أن أكثر من ثلاثين ألف طالبة عمل تقدمن للعمل في هذه الوحدات التي استوعبت عددا لا بأس به من هذه الأعداد المتقدمة كما هو متوقع حيث لايمكن لعدد محدود من الوحدات النسائية التي وصلت لنحو 13 وحدة متوزعة على بلديات الرياض أن تستوعب مثل هذه الأعداد، ولكن بكل تأكيد استوعبت عددا مناسبا يمكن أن يزداد بالتوسع في فتح مثل هذه الوحدات بالغة الأهمية في توجيه وضبط الأنشطة النسائية التي بدأت تتوسع كما يراد لها نتيجة إزالة بعض العوائق الاستثمارية أمام المرأة بتعزيز استقلاليتها لتستوعب هذه الأنشطة ـ إضافة لتوجه الجهات الحكومية الأخرى كوزارة العدل وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاستحداث وحدات وأقسام نسائية ـ المزيد من العاملات السعوديات بما يسهم في تخفيض نسب البطالة والحد من أثارها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المؤلمة.
ختاما آمل من أمانة منطقة الرياض طرح تجربة الوحدات النسائية إعلاميا وإبراز إنجازاتها وتطلعاتها من حيث توجيه وضبط الأنشطة النسائية وحماية المستفيدين منها، ومن حيث تسهيل الإجراءات الخاصة بالمرأة بالشكل الذي يعزز استقلاليتها في إنجاز معاملاتها دون الحاجة إلى الوكيل، ومن حيث توفير فرص العمل وتحفيز الآخرين للتوسع في توفير فرص عمل للنساء وفق الضوابط الشرعية من أجل أن تسترشد بقية الجهات الحكومية بهذه التجربة الرائعة ذات الآثار الإيجابية المتعددة.